إسرائيل واللعبُ العربي على المكشوف..!

مقالات | 1 نوفمبر | مأرب برس :

بقلم / محمد عز الدين الحميري :

مبدأياً: مَن يرسُمُ السياساتِ في علاقة اليمن مع غيرها هو النظامُ السياسيُّ في اليمن، والنظامُ بعد الثورة التحرّرية في 21 من سبتمبر 2014م ينطلق في هذا على الأساس الذي لا يخلُّ باستقلال القرار وسيادة اليمن على أراضيه وعدم التفريط بقضايا الأُمّة المصيرية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية وإنْ حصل التطبيعُ مع الكيان الصهيوني المحتلّ من هذا أَوْ ذاك فذلك ينعكسُ سلباً على تلك الأنْظمة وعلى شعوبها، أما نحن في اليمن فالموقفُ واضحٌ ولا يلزمُ من علاقتنا الإيجابية ولو في حدود معينة مع هذه الدول المسارعة للتطبيع أن نسارعَ نحن لتحديد الموقف العدائي لها، مع استنكارنا بلا شك لخطوات كهذه وبيان آثارها الوخيمة عليهم وعلى المنطقة العربية برُمَّتِها.

هذا النهجُ هو الذي نسلُكُه اليومَ مع الشقيقة عُمان التي استقبل سلطانُها مؤخّراً رئيسَ وزراء الكيان الصهيوني، في تطور يُنْبئُ عن مباحثات داخل البيت الخليجي لها حيثياتها وخَاصَّة السعوديّة التي تحرص على الزجّ بعُمان إلى هذا المربع؛ بُغيةَ إقحامها في مِلَــفٍّ شائك وخطير من شأنه صرفُها عن مواقفها الحيادية في التعامل مع مختلف القضايا ومنها القضية اليمنية الذي حرصت مسقط على سلوك دور الوسيط فيها بأَكْثَــر من منعطف..

النظامُ السعوديّ يستميتُ في التطبيع مع الكيان الصهيوني، ولولا أن أرضَ الحرمين لها مكانتُها القدسية لَكان الإسرائيليون من أعلى الهرم في الدولة المحتلّة إلى أدناها يصولون ويجولون في مكة والمدينة، فخشيةُ غضب الشعوب هو الذي يمنع آلَ سعود من تحوّلات من هذا النوع؛ ولذلك النظامُ السعوديّ يرى أن من المهم التسريعَ في مواقفَ عمليةٍ ولو بطريقة غير مباشرة داخل البيت الخليجي خَاصَّةً والعربي بعامة والبداية هي من عُمان التي تعتبر حليفاً أبرزَ لبريطانيا، ومن غير المستبعد وجود ضغط بريطاني لاتّخاذ سلطنة عُمان قراراً جريئاً من هذا النوع الذي يتزامن مع وفد إسرائيلي يزور قطر، وهذا ليس بعيداً عن الإمارات التي قد قطعت شوطاً في هذا الباب وغيرها ممن لا يزال يُؤْثِرُ السريةَ في علاقاته مع إسرائيل حسب مسؤولين إسرائيليين، مع العلم أن هذا التطورَ في سياسة عُمان يأتي -وهذا وارد أَيْضاً- في سياق الدور الحيادي الذي انتهجته مسقط وتقديم نفسها كراعٍ للسلام، وبدلاً عن الغرف المغلقة هي تفضّل اليومُ اللعبَ على المكشوف مع إسرائيل وحجز المقعد قبل غيرها وتكون قضية فلسطين إحدى القضايا المطروحة على الطاولة، ويفسّر هذا استضافتَه لمحمود عباس أبو مازن رئيسَ فلسطين قبل زيارة نتنياهو.

وعموماً فالمسارَعَةُ نحو إسرائيل تحت شعارات برّاقة لن تقفَ عند زعماء ودول وسيمضي في الطريق ذاته قادة أحزاب وسياسيّون وناشطون عرب كُــثْــرٌ، وهذا ما سمعنا عنه، حيثُ التقى رئيس وزراء إسرائيل على هامش لقائه بسلطان عمان قادة سياسيّين من حزب المؤتمر الشعبيّ العام من مرتزِقة العدوان القابعين في فنادق الرياض والقاهرة وغيرها.

ولم يكن خافياً علينا دورُ الأنْظمة السابقة عندنا في اليمن والتي أظهرت الكثيرَ من التقارير علاقاتِها الوطيدةَ بنظام الكيان الصهيوني طيلةَ فترة حكمها؛ ولهذا نستطيع القول: إن الجديدَ في العلاقة مع إسرائيل- من دول وسياسيّين – هو الانتقالُ من حالة التواصل السري إلى التواصل العلني والحرص على إظهار أن ثمة مصلحةً من وراء هذا التحول.

في الأخير تظل الإرادةُ هي للشعوب، والشعوب حرة عزيزة كريمة وتدرك تمام الإدراك أن أية علاقات مع إسرائيل لن تقف عند جزئية معينة، بل ستتجاوزُ إلى الشرعنة للاحتلال لفلسطين وما فيه إلحاق الضرر بالمنطقة كلها وفي مقدمة ذلك تمريرُ مشروع صفقة القرن ونفوذ والنفوذ الأمريكي الصهيوني بشكل أوسع.

الأمرُ يتطلب جهوداً متظافرةً في بناء وعي جمعي تبصيري يعملُ على كشفِ اللثام عن المؤامرات المُحدِقَة بالأمة وأساليبها وخططها على كُـلّ المستويات، يتطلب أَيْضاً استنهاضَ الشعوب وراء القيادات والمشاريع الحرة المقاومة للصلف الأمريكي الإسرائيلي الذي يهدفُ لتمزيق الشعوب ونهب خيراتها ومصادَرة حقوقها ولفت الانتباه إلى أن الطريق الأَسْلَم والأصوب هو في تعزيزِ هذا الدور ولا مانعَ من بناء علاقات إيجابية مع الآخرين، ولكن على أساس الحفاظ على الثوابت التي تؤسّسُ للتعاون المشترك وتحقيق السلم المجتمعي بين الشعوب دون الحاجة إلى الاستسلام والقابلية والذل والاحتلال بمختلف صوره.

وجزءٌ من هذا الدور يقومُ على عاتق العلماء والمثقفين، فمقتضى العلم النافع الأمرُ بالمعروف والنهيُ عن المنكر، ومن المنكر التطبيعُ مع الكيان الصهيوني وعقدُ الصفقات السيئة معه، خَاصَّة ورسولنا صلى الله عليه وعلى آله يقولُ في آخر عهده بأمته: “أخرِجوا اليهود من جزيرة العرب”، ولو لم يكن للحث على إخراجهم أية أهميّة لَمَا كان لهذه الوصية أية جدوى وفي هذا الوقت الاستثنائي والحساس بالضبط، بل العكس ومغادرة هذه الحياة يتطلب منه عليه الصلاة والسلام أن يعهد إلى أمته من بعده بتوصيات جامعة مانعة ومن بينها ما يتصل باليهود الذين هم اليوم جزء من المشكلة ورأس حربة في صراعاتنا ومشاكلنا الداخلية والوقوف وراء كُـلّ عدوان خارجي عليها.

فعدو الأمس الذي حذّر منه رسول الله هو عدو اليوم بما يمتلكه من إمكانيات هائلة ووسائل غزو وتأثير متقدمة.

أختم بالقول: هناك أحداث متشابكة ومتداخلة ومتسارعة والأَيَّام القادمة كفيلة بإبراز الكثير من الحقائق وعلى ضوء ذلك سيتعامل الجميع كُـلّ من خلال منطلقاته، إما منطلق الذوبان والدوران في فلك المشروع الأمريكي-الصهيوني، وإما منطلق الصمود في وجه الوصاية الأمريكية والاستمرار في مشروع المقاومة ولكل توجه برامجه وخططه، ونحنُ على ثقة بالله أن العاقبةَ هي للأصلح والنصرُ للمستضعفين، وعلى الباغي أياً كان تدورُ الدوائر.

واللهُ غالبٌ على أمره.

مقالات ذات صلة