صفقات أسلحه غربية للسعودیة.. هل هي ثمن السكوت على مقتل خاشقجي؟

متابعات | 3 يناير | مأرب برس :

على الرغم من غضبها لمقتل الكاتب الصحفي السعودي جمال خاشقجي وفرضها عقوبات على 17 من المتورطين بالجريمة، كشفت صحيفة إندبندنت أن حكومة رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي استمرت في مفاوضات لعقد صفقات سلاح مع السعودية سرا رغم إدانتها الرسمية لمقتل خاشقجي.

وأثبتت التطورات الأخيرة أن كل الدول التي مارست ضغوطا على السعودية تحت شعارات حقوق الإنسان في علاقة بالملف اليمني أو عبر محاولة توظيف ملف مقتل خاشقجي وجدت نفسها على أرض الواقع في مطبات عميقة بعدما أوقفت مبيعات الأسلحة للرياض.

ولم تتأثر حركة بيع السلاح من بريطانيا إلى السعودية في ذروة اشتعال قضية خاشقجي، الذي قُتل في قنصلية بلاده بإسطنبول في الثاني من أكتوبر/تشرين الأول العام الماضي، حيث يتضح أن لندن كانت تدين الجريمة علناً بينما تعقد صفقات أسلحة سرية مع الرياض.

وأوضحت الصحيفة، الثلاثاء 1 يناير/كانون الثاني 2019، أنه على الرغم من الانتقادات التي وجَّهتها لندن للرياض، ومطالبتها بالكشف عن تفاصيل الجريمة، والمسؤولين عنها، استمرَّ المسؤولون التجاريون البريطانيون المكلفون بمبيعات الأسلحة في عقد اجتماعات رفيعة المستوى مع نظرائهم السعوديين.

ومنذ أن بدأت الحرب على اليمن قامت المملكة المتحدة بترخيص ما قيمته 4.7 مليار جنيه إسترليني من الأسلحة للقوات السعودية، مما يجعلها أكبر مشتر للأسلحة البريطانية.

وأسفر العدوان على اليمن عن سقوط ما لا يقل عن 10.000 مدني -معظمهم كانوا ضحايا الغارات الجوية التي قام بها التحالف الذي تقوده السعودية- وخلَّف ما يقرب من 16 مليون شخص على حافة المجاعة، حسب صحيفة الإندبندنت وبيانات الأمم المتحدة.

وتواجه الكثير من الدول الأوروبية والغربية اليوم مطبّات وأزمات نتيجة قرارات سياسية تقضي بوقف صفقات بيع السلاح مع المملكة العربية السعودية، أو التهديد بذلك، بسبب الحرب في اليمن أو بحجة قضية مقتل خاشقجي.

هذا الملف الشائك الذي حذر منه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عندما رفض ربط علاقات بلاده ومبادلاتها التجارية مع السعودية بقضية مقتل خاشقجي، تجني شوكه اليوم ألمانيا التي سرّعت من وتيرة انتقاداتها وضغوطها عبر إمضائها في مرحلة أولى منذ شهر مارس الماضي معاهدة تنصّ على عدم تصدير أسلحة لقوات التحالف ضد اليمن.

وعندما أعلنت ألمانيا أنها ستمنع مبيعات الأسلحة إلى السعودية، حثت الدول الأخرى على أن تتبع خطاها، مؤكدة أن الحظر سيكون أكثر فعالية إذا شارك المزيد من البلدان، وهي تروج لأوروبا رائدة القيم الإنسانية، في وقت تنسحب فيه الولايات المتحدة من الساحة العالمية في ظل حكم الرئيس دونالد ترامب الذي قال صراحة إنه لن يتخلى عن صفقات ستوفر له الآلاف من الوظائف والمليارات من الدولارات.

واتبعت ألمانيا فنلندا وهولندا والدنمارك وإيطاليا وإسبانيا، بعضها فعّل قرار تعليق الصفقات، وبعضها الآخر لا يزال في حيرة من أمره. أما بريطانيا، ثاني أكبر مصدر أسلحة للسعودية بعد الولايات المتحدة، فسارت على درب فرنسا، حيث أكدت رئيسة الوزراء تيريزا ماي رفضها لدعوات جيريمي كوربين، زعيم حزب العمال المعارض، لإنهاء مبيعات السلاح للسعودية؛ فيما قال وزير الخارجية جيريمي هانت “هناك وظائف في المملكة المتحدة معرضة للخطر، لذلك عندما يتعلق الأمر بقضية مبيعات الأسلحة فإن لدينا إجراءاتنا”.

وعلى ضوء هذه التطورات، بات واضحا أنه ما أن تصل المواقف إلى صفقات السلاح التي تقدر بالمليارات من الدولارات فإن دولا كثيرة تتريث في اتخاذ قرار بقطع مبيعات السلاح عن السعودية التي تدخل بدورها طورا جديدا في سياستها الدفاعية الشاملة، بشكل يجعل أمنها واستقرارها ومصالحها محصنة من أي تقلبات في المواقف الدولية.

ولا تظهر في الأفق أي إضاءات تشير إلى قدرة السعودية على غسل الفضيحة التي لحقت بها بسبب جريمة إغتيال خاشقجي ورغم ضبابية المشهد السعودي في ظل الخسائر السياسية والدبلوماسية والاقتصادية التي أثقلت كاهل نظام المملكة، الا أنه فيما يبدو أن النظام السعودي ما زال يدفع أموالا كثيرة لشركات العلاقات العامة ومراكز البحوث الأمريكية من أجل غسل فضيحة جريمة خاشقجي وتحسين صورة المملكة التي تلطخت للحد البعيد.

وبالرغم من ان كل الأدلة والقرائن قد أثبتت تورط ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وصلته المباشرة بالفريق الأمني الذي نفذ جريمة قتل خاشقجي إلا أن هذه المراكز مازالت تواصل حملتها الممنهجة لإنقاذ بن سلمان من هذه الفضيحة التي لم تشهد لها المملكة مثيل منذ هجمات 11 سبتمبر الإرهابية التي نفذها 19 إرهابيا بينهم 15 سعودياً.

والسؤال الذي يتبادر إلى الأذهان هل تستطيع هذه المراكز “بعد ان انكشفت علاقاتها بأبوظبي والرياض” في تلميع صورة بن سلمان ونفي الصلة التي تربطه بإغتيال خاشقجي وغسل سمعته من الفضيحة التي ستظل تلاحقه مدى الحياة ؟

وفي الوقت الذي يثير فيه اغتيال خاشقجي منتقدي النظام السعودي الحذرين جداً، تكشف هذه القضية أيضا حجم عملية التضليل الإلكتروني عبر الإنترنت التي تهدف إلى إسكات منتقدي المملكة ومحمد بن سلمان، بالتواطؤ مع تويتر.

ووفقا لصحيفة ” orientxxi”في نسختها الفرنسية، تقوم السلطات السعودية على الإنترنت حاليا باغتيال المعارضين المعتدلين في النظام كجمال خاشقجي، فعلى الشبكة العنكبوتية ، الأصوات الناقدة التي تتعرض للترهيب من قبل “المتصيدون” يفرون من الشبكات الاجتماعية.

وأوضحت أنه بعد الهجوم الذي تعرضت له على الإنترنت عقب اغتيال خاشقجي، أغلقت الناشطة السعودية منال الشريف حسابها على تويتر وقالت “إن الأدوات التي نستخدمها للدفاع تستخدم لتدميرنا”.

وأشارت الصحيفة إلى أنه على تويتر، الفراغ الذي تركته الأصوات الناقدة مليء بجيش من المتصيدين الموالين للنظام، فهذه الأزمة خطيرة لدرجة أن تويتر اتهم بأنه “شريك مباشر” لبعض الأنظمة العربية في ممارسة القمع، لكن مقتل خاشقجي جعل الأمور أسوأ.

وأضاف على الرغم من أن خاشقجي مواطن سعودي، إلا أن تويتر في المملكة العربية كان هادئًا جدًا بشأن وفاته – أو على الأقل الاتجاهات الرسمية “التريندات”، حيث ظهر اسم خاشقجي ست مرات فقط في السعودية خلال أكتوبر، وعلى النقيض من ذلك، ظهر في قطر 164 مرة.

وتبين الأرقام أنه في المملكة العربية السعودية تم تسجيل أصغر عدد من الأحداث في هاشتاج “جمال خاشقجي” باللغة العربية، فغياب “التريندات” التي سجلتها الشبكة الاجتماعية لهذا الرجل الذي تصدر عناوين الصحف في جميع أنحاء العالم، قد يبدو محيراً.

ومع أن اسم خاشقجي كان غائبًا بشكل غامض عن الأخبار الرسمية على تويتر في السعودية، إلا أن معظم التعليقات قدمت النسخة الرسمية لاختفاء خاشقجي إما كعملية “دولة عميقة” تركية ، أو كحيلة لتشويه سمعة السعوديين ، أو كمؤامرة من جماعة الإخوان المسلمين.

وكهجمات دونالد ترامب على “سي إن إن”، تقول الصحيفة، هاجم العديد من المعلقين على هاشتاج # JamaKhashoggi القنوات الإخبارية التي تحاول العثور على تفسيرات لاغتيال الكاتب بالـ”واشنطون بوست”.

وبينت أن حسابات مؤيدة للسعودية اليوم تضايق مالك جريدة واشنطن بوست جيف بيزوس، بسبب انتقاده للسعودية، ولكن في الواقع بسبب العمل الشاق والتحقيقات اليومية التي تريد تحقيق العدالة.

ويصاحب هذا رسائل حب ودعم لولي العهد في أعقاب اتهامه (بما في ذلك من قبل CIA) بأنه أمر باغتيال خاشقجي، حيث يتم نشر آلاف الرسائل مع صور محمد بن سلمان، تمجد فضائل الأمير، فهم يهدفون للدفاع عن ولي العهد والتقليل من أهمية “التريندات” المتعلقة بخاشقجي.

وتؤكد ” orientxxi” أنه كمقالات خاشقجي في الواشنطن بوست، تشكل وسائل الإعلام الاجتماعية تهديدًا للنظام الاستبدادي في المملكة السعودية، وبالنسبة له، لا بد من تحييد هذا الناقل لنقد الدولة أو بالأحرى كأداة من أدوات القوة.

وكتب الصحفي أناند جيريدهراداس “المملكة العربية السعودية هي واحدة من أكبر المستثمرين في وادي السليكون. هناك خطر أكبر من أنها تحاول شراء الصمت”، ويشعر جيريدراداس بالقلق بشأن المستقبل.

لكن تصدي تويتر للدعاية والأخبار الكاذبة يبدو أبعد ما يكون عن أنها غير سياسية في حالة خاشقجي، فالمنصة الاجتماعية كانت أكثر شراسة بكثير في مطاردة حسابات (داعش) ، وربما حدث هذا بسبب توجهات الولايات المتحدة وساستها الخارجية.

وتؤكد الصحيفة أن الفراغ الذي تركه المعارضون المعتدلون، وجميعهم مسجونون ، مملوء بجيش شرس من المتصيدين الموالين للنظام والحملات الدعائية، والضرر الحقيقي لحرية التعبير هو عندما تقدم شركات الإعلام الاجتماعي للأنظمة الاستبدادية، الأدوات التي تحتاج إليها لتوسيع جهازها القمعي، بينما تحظر هذه المنصات على أصوات المعارضة.

كما فرضت شبكة بث المسلسلات والأفلام الأميركية “نتفليكس” الرقابة على إحدى حلقات مسلسلها الكوميدي الساخر “باتريوت أكت” (عمل وطني) بعد شكوى تقدمت بها المملكة العربية السعودية لدى القناة.

وقامت الشبكة بحذف حلقة من المسلسل، الذي وصفته “بي بي سي” بالكوميديا السوداء، من على شبكتها السعودية، ولكنها تركتها متاحة خارج المملكة.

وتقول الشبكة إنها قامت بذلك الإجراء بعد طلب تلقته من هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات السعودية، بحسب المصدر نفسه.

مقالات ذات صلة