كيف ستهزم إسرائيل نفسها؟ نبوءات النهاية كما يرويها الإسرائيليون

متابعات | 30 يناير | مأرب برس :

في حوار صحفي نشر في الآونة الأخيرة رسم المؤرخ الإسرائيلي الشهير بيني موريس صورة قاتمة لنهاية إسرائيل كما يراها، وافترض أفقا زمنيا لهذه النهاية المحتومة في رأيه.

ورغم أن مثل هذه التنبؤات قد لا تؤخذ على محمل الجد في الأوساط السياسية، فإن رؤية موريس لها وزن معتبر في إسرائيل، بعدما أمضى الرجل سنوات طويلة في دراسة تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي ودقائقه.

يعد بيني موريس أحد أشهر وجوه حركة “المؤرخين الجدد” وهو مصطلح يطلق في إسرائيل بشكل فضفاض على مجموعة من المؤرخين الذين نقضوا الرواية الإسرائيلية المعتمدة لتاريخ الصراع مع العرب، واعترفوا بما ارتكبه الصهاينة من قتل وتهجير.

ولا يعني هذا أن كل “المؤرخين الجدد” يستشعرون مسؤولية إسرائيل عن هذه الجريمة التاريخية، فهم ينطلقون من منطلقات مختلفة في دراستهم لذلك التاريخ، ومنهم موريس الذي لا يرى بأسا في التطهير العرقي، ويعتقد أن اليهود عليهم القيام بكل ما يلزم لحماية أنفسهم.

لكن موريس يقدم جل أفكاره بنَفَس واقعي بعيد عن الرغبات والتمنيات غالبا، ويقول في الحوار الذي أجرته معه صحيفة هآرتس الإسرائيلية هذا الشهر “لا أرى لنا مخرجا”، وذلك في معرض حديثه عن فرص إسرائيل في البقاء كـ “دولة يهودية”.

ويمضي شارحا “اليوم يوجد من العرب أكثر من اليهود بين البحر (المتوسط) والأردن. هذه الأرض بأكملها ستصير حتما دولة واحدة ذات أغلبية عربية”. ويضيف أن “إسرائيل لا تزال تدعو نفسها دولة يهودية لكن حكمنا لشعب محتل بلا حقوق ليس وضعا يمكن أن يدوم في القرن الحادي والعشرين، في العالم الحديث. وما أن تصبح لهم حقوق فلن تبقى الدولة يهودية”.

كيف يرى المؤرخ الإسرائيلي المستقبل إذن في ضوء هذه المعطيات، وفي ضوء إيمانه العميق بأنه ليس ثمة فرصة واقعية للتوصل إلى سلام حقيقي بين كيان فلسطيني وكيان إسرائيلي؟

يقول موريس “هذا المكان سيتردى كدولة شرق أوسطية ذات أغلبية عربية. العنف بين المكونات المختلفة داخل الدولة سيزيد. العرب سيطالبون بعودة اللاجئين. واليهود سيظلون أقلية صغيرة في خضم بحر عربي كبير من الفلسطينيين.. أقلية مضطهدة أو مذبوحة، كما كان حالهم حين كانوا يعيشون في البلدان العربية. وكل من يستطيع من اليهود سيهرب إلى أميركا والغرب”.

ثلاثون أو خمسون سنة

وعن الأفق الزمني لهذا الانهيار يقول موريس إن “الفلسطينيين ينظرون إلى كل شيء من زاوية واسعة وطويلة الأمد، ويرون أن هناك خمسة أو ستة أو سبعة ملايين يهودي هنا في هذه اللحظة، يحيطهم مئات الملايين من العرب. ليس ثمة ما يدعوهم للاستسلام لأن الدولة اليهودية لا يمكن أن تدوم. الانتصار سيكون حليفهم حتما، في غضون ثلاثين إلى خمسين سنة سينتصرون علينا”.

وما إن نشرت توقعات موريس التي لم تكن سوى جزء يسير من حوار طويل تناول موضوعات عدة، حتى انهال عليه كتاب وقادة رأي إسرائيليون بالانتقادات والاتهامات.

ومن اللافت في هذا السياق أن التنبؤات الإسرائيلية عن اضمحلال إسرائيل وانهيارها وهزيمتها من الداخل تصدر عن تيارات فكرية مختلفة، إذ يوجد بين المتنبئين من هو مثل بيني موريس الذي يرى أن الإسرائيليين ضحايا تتربص بهم الأمم، ويوجد آخرون يرون أنهم مذنبون يكتبون تلك النهاية “المأساوية” بأيديهم.

من الفريق الثاني يبرز اسم أفراهام بورغ السياسي الإسرائيلي المخضرم ورئيس الكنيست (البرلمان الإسرائيلي) سابقا، الذي أثار عواصف في الرأي العام الإسرائيلي على مدى سنوات بآرائه وكتبه التي حذرت من توافر أسباب زوال إسرائيل.

كان بورغ نجما من نجوم اليسار الإسرائيلي في وقت من الأوقات، وتقلد العديد من المناصب المهمة من بينها رئاسة الكنيست لأربع سنوات، ورئاسة “الوكالة اليهودية من أجل إسرائيل”، و”المنظمة الصهيونية العالمية”.

عقلية الغيتو

ويرى بورغ أن إسرائيل بنبذها للديمقراطية وتمسكها بعقلية “الغيتو” وإهدارها للقيم الإنسانية، إنما تأخذ بأسباب الانهيار وتعجل بالنهاية. وكتب بورغ في عام 2003 في خضم الانتفاضة الفلسطينية الثانية مقالا لصحيفة غارديان البريطانية بعنوان “نهاية الصهيونية” تحدث فيه عن العواقب الخطيرة للسلوك الإسرائيلي.

قال بورغ “إن إسرائيل التي لم تعد تعبأ بأبناء الفلسطينيين لا ينبغي أن تتفاجأ حين يأتي الفلسطينيون إليها مشحونين بالحقد ويفجرون أنفسهم في مراكز اللهو الإسرائيلية”، وأضاف “إنهم يريقون دماءهم في مطاعمنا ليفسدوا شهيتنا لأن لديهم أبناء وآباء في البيت يشعرون بالجوع والذل”.

وفي عام 2007، أثار بورغ عاصفة أخرى حين نشر كتابه “هزيمة هتلر” الذي يشبه فيه حال إسرائيل بحال ألمانيا النازية قبيل هزيمتها. ويحذر في الكتاب من أن قطاعا متضخما من المجتمع الإسرائيلي يستخف بالديمقراطية السياسية ويعادي الأجانب، ويقول إن الدولة باتت تحت رحمة أقلية متطرفة.

ولا يزال بورغ ينشر هذه الفكرة التي يلخصها بالقول إن “إسرائيل غيتو صهيوني يحمل أسباب زواله في ذاته”، ويوضح في أحد الحوارات الصحفية أن “الناس يرفضون الاعتراف بذلك، لكن إسرائيل اصطدمت بجدار. اسأل أصدقاءك إن كانوا على يقين من أن أبناءهم سيعيشون هنا، كم منهم سيقول نعم؟ 50% على أقصى تقدير. بعبارة أخرى، النخبة الإسرائيلية انفصلت عن هذا المكان، ولا أمة دون نخبة”.

ويفخر بورغ بأنه يحمل جواز سفر فرنسيا اكتسبه لزواجه من امرأة فرنسية المولد، وحين سئل إن كان يوصي الإسرائيليين بالحصول على جواز ثان، قال إن كل من يستطيع عليه أن يفعل ذلك.

رؤية عربية

وفي الجانب العربي والإسلامي لا تندر الكتابات والنظريات عن زوال إسرائيل والتصورات عن تلك النهاية ومواعيدها المتوقعة. لكن قل أن يوجد مثيل للجهد الذي بذله المفكر المصري عبد الوهاب المسيري في البحث في تاريخ الصهيونية ودراسته، وصولا إلى استنتاج زوال إسرائيل.

قضى المسيري نحو ربع قرن في كتابة موسوعته “اليهود واليهودية والصهيونية”، وفي شهور عمره الأخيرة –قبل وفاته عام 2008- تحدث المسيري بوضوح عن توقعاته لـ “نهاية قريبة” لإسرائيل، ربما خلال خمسين عاما، كما قال في حوار مع وكالة رويترز.

يجرد المسيري توقعاته من التفاؤل والتشاؤم ويقول إنه يقرأ معطيات وحقائق في سياقها الموضوعي لاستخلاص النتائج المنطقية. ويرى المفكر المصري أن إسرائيل “دولة وظيفية” بمعنى أن “القوى الاستعمارية اصطنعتها وأنشأتها للقيام بوظائف ومهام تترفع عن القيام بها مباشرة. هي مشروع استعماري لا علاقة له باليهودية”.

ويقول المسيري إن هذه الدولة ستواصل التقهقر وإن المقاومة الفلسطينية ستنهك إسرائيل إلى أقصى حد حتى وإن لم تتمكن من هزيمتها، مما سيجعلها مرشحة للانهيار خلال بضعة عقود لأن “الدورات التاريخية أصبحت الآن أكثر سرعة مما مضى”.

ويوضح قائلا “في حروب التحرير لا يمكن هزيمة العدو وإنما إرهاقه حتى يُسلم بالأمر الواقع”، مضيفا أن المقاومة في فيتنام لم تهزم الجيش الأميركي وإنما أرهقته لدرجة اليأس من تحقيق المخططات الأميركية وهو ما فعله المجاهدون الجزائريون على مدى ثماني سنوات في حرب تحرير بلدهم من الاستعمار الفرنسي.

وروى المسيري أنه التقى في الولايات المتحدة في منتصف الستينيات يهوديا عراقيا هاجر إلى إسرائيل ومنها إلى أميركا، صارحه بأن “الأشكيناز (اليهود الغربيين) محتفظون بعناوين ذويهم في الخارج. وبعد توالي الهزائم زاد عدد من يطلبون الحصول على جوازات سفر غربية بالتزامن مع الهجرة العكسية من إسرائيل للخارج”.

وفي حديث آخر لبرنامج بلا حدود على قناة الجزيرة في مايو/أيار 2008 تحدث المسيري عن أبعاد المشاكل التي تهدد بقاء إسرائيل، ومن بينها المشكلة الاجتماعية السكانية حيث يقول إن إسرائيل “دولة عنصرية تعاني من مشكلة ديمغرافية. العرب يتكاثرون واليهود يتناقص عددهم من خلال النزوح وانقطاع الهجرة والإحجام عن الإنجاب”.

لكن هناك مشاكل أخرى أكثر عمقا، يوجزها المسيري في فشل عملية صهر اليهود داخل تلك الدولة المصطنعة لإنتاج “المواطن العبراني”، وقبل ذلك هناك إخفاق أكبر يتمثل في “سقوط الإجماع الصهيوني” على نظرية “أرض بلا شعب لشعب بلا أرض”، فقد وجد اليهود شعبا حيا مقاوما في فلسطين ولم يستطيعوا توحيد صفوفهم كشعب واحد، خاصة أن غالبية اليهود في العالم ما زالت تعيش خارج إسرائيل.

ويرى المسيري أن الفكر الإستراتيجي الإسرائيلي خلص إلى استحالة حل مشكلة “المقاومة” وأنه يحاول فقط التقليل من تأثيرها.

وربما كان المسيري باحثا متجردا وموضوعيا في دراسته العميقة لليهودية والصهيونية، لكنه كان أيضا منظرا للمقاومة متقد العاطفة يرى أن التفاف العرب والمسلمين حول هذه المقاومة سيعجل بنهاية إسرائيل.

المصدر : الجزيرة,الصحافة الإسرائيلية

مقالات ذات صلة