لا تقسيم.. ولا تقاسم

مقالات | 19 فبراير | مأرب برس :

بقلم / د. عبد الحميد دشتي* :

عقدت قمة سوتشي (الرابعة) بين روسيا وإيران وتركيا، والتي تصدرت مباحثاتها عودة اللاجئين السوريين، وانتهت بتصريح بوتين: السوريون وحدهم يقررون مصيرهم، وأن روسيا ضد أي نزعة للانفصال، محدداً أن الجولة الـ 12 في أستانا ستكون في نهاية آذار. وكان واضحاً أن تركيا ومعها دول العدوان على سورية لم يستفيقوا بعد من صدمة انتصار سورية، بعد 8 سنوات أعطت القيادة السورية والجيش العربي السوري وحلفاؤه درساً في الصمود للعالم وللذين ما زالوا يكابرون على هزيمتهم ويحاولون تغليفها بالحلول السياسية.
عقدت هذه القمة (لإفهام تركيا ولجم اندفاعاتها وأحلامها في السيطرة على إدلب أو في إقامة المنطقة الآمنة التي تبلغ 450 كم طولاً و32 كم عرضاً وهي التي تتذرع بأن الأكراد قد يقيمون دويلتهم عليها ما يهدد أمنها، ولذا قاموا بأعمال يعتقدون أنها تؤدي إلى (تتريك) المنطقة الحدودية.
صحيح أن القمة انتهت بعملية إرضاء روسيا لتركيا بمشهد فولكلوري بتسيير دوريات مشتركة في منبج، وأن تتوقف تركيا عن مناوراتها وعدم الاستمرار في استثمار (النصرة) التي تتمركز في إدلب لتصل إلى إقامة منطقة آمنة تكون امتداداً لمنطقة الشمال.
اللقاء أُريد منه ثَني أردوغان عن ارتكاب حماقات أكثر، ولقطع الطريق على عودته للارتماء في الحضن الأميركي إذا اضطره الأمر، فهو لا يؤتمن له، وإن كان من المستبعد أن يفعل ذلك بعد الانعطفات الحادة في العلاقات مع أميركا في شأن سورية أو غيرها. والمسلّم به أن روسيا وإيران تدركان أنهما لا تستطيعان القفزعلى الخطوط الحمر السيادية السورية ولا تريدان ذلك فلقد كان السيد الرئيس السوري د. بشار الأسد (الغائب الحاضر) الأقوى في هذه القمة، ما يعني أنهما لن تعطيا تركيا أوغيرها بالمحادثات ما فشلوا عن أخذه بالحرب، وكل ما في الأمر أن الحليفين الاستراتيجيين يحرصان على تجنيب المدنيين الضربة العسكرية السورية مع أنها ضربة مدروسة وحاسمة.
إن روسيا وإيران اللتين حملتا الموقف السوري تدركان أن تركيا تريد كسب الوقت لتحصد ثمناً ما زالت هي نفسها لا تدركه ولا تدرك تداعياته، كما تدركان أن المواقف الزئبقية الأميركية في سحب قواتها من شرق الفرات لتسليم المنطقة لأردوغان وهذا ما تتمناه تركيا، لن تكون هبات مجانية بدون ثمن، وتركيا نفسها تسعى لامتلاك هذا الثمن بإطالة أمد الحرب والقيام بعمليات تخريبية ومشاغبات تحت أي مسمى ولكنها فشلت، فالأرض أولاً وأخيراً أرض سورية خالصة وهي التي قضت على مخطط التقسيم لن ترضى بأي تقاسم نفوذ لأي قوة.
وكان من الواضح أن أردوغان دخل (سوتشي) وهو لا يريد الالتزام بالتفاهمات لا فيما يختص بالمنطقة الآمنة ولا فيما يختص بإدلب ومحيطها، مع أن 5 أشهر مرت على استكمال تشكيلات الجيش العربي السوري على مشارف المنطقة انتظاراً لساعة الصفر لانطلاق عملية تحرير مركّبة ومعدّة بشكل علمي وواقعي منسق مع الحلفاء، ومع ذلك فقد سلمت سورية لمساعي الحلفاء ومنها (سوتشي) وجمدت عملياتها انتظاراً لتلك المساعي التي لم تثمر جديداً، مع أن كل ما تريده روسيا وإيران أن تتخلى تركيا عن تمكين (النصرة) الإرهابية من القيام بعملية ميدانية تتمدد فيها على حساب الفصائل الإرهابية الأخرى، بعد أن فشلت في دمجها لإبعادها عن التصنيف الإرهابي، لكن هيكلية النصرة ليست مهيأة للذوبان مع أي فصيل آخر ولا يمكنها حمل أي عقيدة بديلة لذلك فهي ما زالت تعمل جاهدة لتجمع بيدها أوراقاً في الميدان.
وإن غداً لناظره قريب

*نائب كويتي سابق ورئيس المجلس الدولي لدعم المحاكمة العادلة وحقوق الأنسان

مقالات ذات صلة