نزول «التحالف» عن الشجرة: موانئ الحديدة تحت إدارة صنعاء

متابعات | 13 مايو | مأرب برس :

بعد أشهر من المشاورات العقيمة، التي حاول خلالها «التحالف» والحكومة الموالية له انتزاع مدينة الحديدة بالسياسة بعدما عجزا عن ذلك بالوسائل العسكرية، وافقا أخيراً على الشروع في تنفيذ الاتفاق الخاصّ بالمدينة، بما لا يخرج موانئها عن سيطرة سلطات صنعاء. هذه الموافقة التي لا يبدو دونما دلالة أنها تأتي توازياً مع تحولات نوعية على جبهات الجنوب، يفترض أن تفتح الباب على مواصلة مسار تطبيق تفاهمات استوكهولم، من أجل الانتقال إلى مرحلة المفاوضات السياسية التي تتطلّع إليها السعودية للخروج من مستنقعها.

بعد يوم واحد من تنفيذ الجيش اليمني واللجان الشعبية انسحاباً أحادي الجانب من موانئ الحديدة والصليف ورأس عيسى، باشرت الفرق التابعة للأمم المتحدة، يوم أمس، أعمالها في الموانئ الثلاثة، حيث ستتولى مراقبة الحركة الملاحية والإشراف على مهام «مؤسسة موانئ البحر الأحمر» التابعة لسلطات صنعاء. وزار رئيس فريق المراقبة الأممي، ريكاردو أفليسو، أمس، ميناء الحديدة، حيث تسلّم من «أنصار الله» خارطة المواد غير المتفجرة التي خلّفها قصف طائرات «التحالف» للميناء ومحيطه.
وبالتوازي، أعلنت الأمم المتحدة، في بيان، أن إعادة انتشار الجيش واللجان الشعبية في موانئ الحديدة «سارية وفق الخطط الموضوعة»، مؤكدة أن فرقها راقبت الموانئ الثلاثة لدى انسحاب «أنصار الله» منها وتسليمهم إياها إلى قوات خفر السواحل، مضيفة أنه سيتم التركيز في الأيام المقبلة على إزالة المظاهر العسكرية ونزع الألغام. وقال رئيس «لجنة تنسيق إعادة الانتشار»، المعنية بتنفيذ اتفاق الحديدة، الجنرال مايكل لوليسجارد، إنه «يتعين النظر إلى تلك الخطوة الأولية باعتبارها جزءاً من المرحلة الأولى من عمليات إعادة الانتشار الأوسع»، لافتاً إلى أن حكومة الرئيس المنتهية ولايته، عبد ربه منصور هادي، أبدت التزامها بتنفيذ الشق المتعلق بها في إطار هذه المرحلة. وأشار إلى أن «المشاورات ما زالت جارية مع الأطراف في شأن بدء الخطوات القادمة».
وكان لوليسجارد أوضح، في بيان سابق، أن من شأن خطوة «أنصار الله» السماح للأمم المتحدة بأداء «دور رئيس» في دعم «مؤسسة موانئ البحر الأحمر» في إدارة الموانئ، وتحسين عمليات الفحص التي تجريها المنظمة الدولية للشحنات. والمقصود بذلك التحسين قيام الأمم المتحدة بنقل فريق تفتيش السفن التابع لها، الموجود في جيبوتي، إلى ميناء الحديدة، وهو ما كانت «أنصار الله» وافقت عليه مبكراً، فيما أصرّ «التحالف» والحكومة الموالية له على تسليم الموانئ إلى قوات موالية لهما، في مطلب يشكّل من وجهة نظر صنعاء مخالفة صريحة لروح اتفاق استوكهولم الذي دعا إلى رقابة أممية لحلّ إشكالية سيطرة المؤسسات التابعة لسلطات العاصمة على المرافق الحيوية.

أكدت الأمم المتحدة أن عملية انسحاب «أنصار الله» تسير وفق «الخطط الموضوعة»

كذلك، عرضت «أنصار الله»، غير مرة، تنفيذاً أحادياً للشق المتعلق بها من المرحلة الأولى من اتفاق الحديدة، والتي تنصّ على تراجع الحركة خمسة كيلومترات من الموانئ، مقابل تراجع القوات الموالية لـ«التحالف» كيلومتراً واحداً من تخوم الحديدة، فيما تنصّ المرحلة الثانية على أن يقوم كلا الطرفين بسحب قواتهما لمسافة 18 كيلومتراً خارج المدينة، ونقل أسلحتهما الثقيلة لمسافة 30 كيلومتراً. كما أن الحركة بادرت بالفعل في كانون الأول/ ديسمبر الماضي إلى سحب قواتها من ميناء الحديدة، في بادرة حسن نية، سرعان ما قوبلت برفض «التحالف» والحكومة الموالية له، فضلاً عن الرئيس السابق لـ«لجنة تنسيق إعادة الانتشار»، باتريك كامارت، الذي تم استبدال لوليسجارد به لاحقاً بعدما تفاقمت أزمة الثقة بينه وبين سلطات صنعاء.
الادعاءات التي ساقتها حكومة هادي وقت الانسحاب الأول، هي نفسها أعادت تكرارها خلال اليومين الماضيين، متحدثة عن «مسرحية مكررة» تقوم بها «أنصار الله»، ومتهمة الحركة بـ«الاستمرار في التلاعب والتملص من تنفيذ بنود اتفاق السويد، ومحاولاتها الالتفاف على التفاهمات التي أنجزتها لجنة التنسيق المشتركة» على حدّ تعبير وزير الإعلام في حكومة هادي معمر الإرياني. لكن هذا السقف المرتفع سرعان ما بدأ بالانخفاض بدءاً من مساء السبت، حيث أقرّ عضو «لجنة التنسيق» عن الحكومة الموالية للرياض، صادق دويد، بأن انسحاب «أنصار الله» يمثل بداية لتنفيذ اتفاق استوكهولم، لافتاً إلى أنه عقد «اجتماعاً إيجابياً» مع لوليسجارد، اتفقا فيه على ضرورة أن يؤدي الانسحاب إلى وضع أطر زمنية لتنفيذ آلية الأمم المتحدة لتفتيش السفن و«إزالة الألغام والمظاهر المسلحة». من جهته، قال المتحدث باسم القوات الموالية لـ«التحالف» في الساحل الغربي، وضاح الدبيش، أمس، إن تلك القوات «لن تنفذ المرحلة الثانية قبل التأكد من الانسحاب الكامل لميليشيات الحوثي، ومن عملية نزع الألغام»، في تراجع واضح عن رفض الاعتراف بأصل انسحاب «أنصار الله».
وتنمّ التصريحات الأخيرة الصادرة عن القيادات الموالية لحكومة هادي بوجود توجيه سعودي ــــ إماراتي بقبول عرض سلطات صنعاء، تعبيداً للطريق أمام تنفيذ بقية بنود تفاهمات استوكهولم. وهو ما كان أنبأ به تشديد الرباعية الدولية المعنية باليمن (السعودية، الإمارات، الولايات المتحدة، المملكة المتحدة) في اجتماعها الأخير في الـ26 من نيسان/ أبريل الماضي على ضرورة «الشروع في تنفيذ اتفاق الحديدة قبل 15 أيار/ مايو، أي خلال 18 يوماً». وخلال زيارته الأخيرة لصنعاء قبل حوالى أسبوع، أبلغ المبعوث الأممي إلى اليمن، مارتن غريفيث، «أنصار الله»، موافقة «التحالف» والحكومة الموالية له على تنفيذ الحركة انسحاباً أحادي الجانب من موانئ الحديدة (راجع «الأخبار»: ماذا أبلغ غريفيث «أنصار الله»؟)، بعدما أصرّا في ما مضى على عرقلة الشروع في تطبيق اتفاق السويد، بدعوى أن السيطرة على الموانئ يجب أن تكون لهما، الأمر الذي يعني تسليمهما الحديدة بلا قتال إثر عجزهما عن إسقاطها بالوسائل العسكرية. وفي هذا الإطار، اعتبر الناطق باسم «أنصار الله»، رئيس وفدها التفاوضي محمد عبد السلام، أول من أمس، أن «تقديمنا خطوة من طرف واحد بعد أشهر من النقاش الطويل، والتي رفض فيها الطرف الآخر كل المقترحات التي يتم فيها التنفيذ بخطوات متزامنة من الجميع، يثبت عملياً من هو الطرف المعرقل، والذي لا يرغب في إحلال السلام»، لافتاً إلى أن «أمام الأمم المتحدة ومجلس الأمن فرصة لإجبار الطرف الآخر على تنفيذ ما يلزمه من دون مماطلة، وبدلاً عن بيع الكلام فلتثبتوا ولو مرة واحدة مصداقيتكم على الأرض.».

مقالات ذات صلة