وساطة دولية لوقف الهجمات تؤكّــدُ تأثيرَ حجم الضربات اليمنية للعمقين السعودي والإماراتي

على مدى أكثرَ من أربعة أعوام من العدوان، أبدى ما يسمى المجتمع الدولي على رأسه الولايات المتحدة والدولُ الغربية الداعمة والمحركة للعدوان، استعدادَها الكامِلَ لتجاهل كُــلّ أنواع الجرائم بحق اليمنيين والسكوت، بل والتواطؤ على استهدافهم في صالات العزاء والأفراح وفي الأسواق والطرق والمدارس واستهداف كُــلّ البنى التحتية والمصالح العامة والخاصة، كما إنَّ السلاحَ الذي نفذ كُــلّ تلك الجرائم كان وما زال يتدفق من قبل تلك الدول التي جنت عشرات مليارات الدولارات من تجارة الأسلحة..، وأمام هذا الصمت والتواطؤ غير المسبوقين، لم يكن أمام اليمنيين سوى أن يتوقفوا عن البحث عمن يسمع صراخ الأطفال وأنات النساء، وأن يجبروا العالم على سماع صوت السلاح وفرض معادلة جديدة تجعل الولايات المتحدة والدول الغربية تشعر بقلق حقيقي على مصالحها المرتبطة عضوياً بأدواتها في المنطقة، على رأسها النظامان السعودي والإماراتي.

وخلال الفترات الماضية من عمر العدوان، أظهر اليمنُ قدراتِه على إلحاق الضرر بدول العدوان ومنشآتها الحيوية من خلال العمليات الصاروخية التي بدا أنها كانت ضرباتٍ تحذيريةً لعل دول العدوان تدرك ما هي مُقْدِمَةٌ عليه وتتوقف عن عدوانها، غير أن المعطيات كانت تشير إلى استمرار المجازر واستهداف البنى التحتية في اليمن وتشديد الحصار وتسعير الحرب الاقتصادية، الأمر الذي جعل من الضروري فرضَ معادلة عسكرية جديدة كحل وحيد لحماية اليمن واليمنيين من العدوان الإجرامي غير المسبوق. وبعد ذلك كان واضحاً أن القرار قد اتُّخذ وأنه آن للدول الراعية للعدوان ودول العدوان ذاتها أن تذوقَ جزءاً مما أذاقته لليمنيين على مدى أكثرَ من أربع سنوات فظهرت ملامحُ المعادلة الجديدة سريعاً وكذلك استوعبها العالم بسرعة.

ويمكن القولُ: إن المعادلةَ الجديدةَ بدأت مع عملية التاسع من رمضان عندما نجحت سبعُ طائرات يمنية مسيّرة في ضرب مضخات نفط شركة أرامكو السعودية في منطقة الرياض بدقة أذهلت العالم وأسقطت آخرُ أساطير منظومة الدفاع الجوي الأمريكية “باتريوت” التي يمتلكها النظام السعودي وبعض دول العدوان، كما نجحت العمليةُ في إحداث زلزالٍ في الأسواق العالمية المتلهفة لشحنات النفط القادم من مملكة العدوان، فتذكر العالم ووكالات الأنباء الدولية إعلانَ وزارة الدفاع اليمنية عن 300 هدف عسكري وحيوي في عُمق دول العدوان كأهدافٍ مشروعة، وجرى إدراك جدية ذلك الإعلان، وتلقائياً بدأ الإعلام الدولي باحتساب عملية التاسع من رمضان كأول هدف من تلك الأهداف وبدأ ترقب التالي من العمليات التي لم يعد بالإمكان إيقافها إلا بتوقف العدوان ورفع الحصار.

 

  • قمم المؤامرات لا توقف معادلة الردع

مع فشل الولايات المتحدة في حماية أتباعها النظامين السعودي والإماراتي رغم مئات المليارات التي اغتصبها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وأهان ملك السعودي علناً، وهو يؤكّــدُ لناخبيه أنه أبلغ الأخير أن عليه أن يدفع مقابل الحماية أو ينتظر السقوط خلال أقل من أسبوعين، وبالتالي لجأ النظامُ السعودي كعادته لاستخدام البُعد الديني، زاعماً نجاحَه في اعتراض عملية استهداف لمكةَ المكرمة، وفي هذه الأخيرة استضاف ملك السعودية قادةَ دول إسلامية وعربية وخليجية فيما عُرف بقمم مكة؛ بهَدفِ توجيه مزيد من الضغوط على اليمن لوقف عملياته التي تستهدف مصالح النظام السعودي الحيوية، غير أن كُــلّ تلك القمم فشلت في حماية النظام السعودي مع توالي العمليات الاستراتيجية بالصواريخ والطائرات المسيّرة.

وفيما كان النظام السعودي ينتظر قطافَ ثمار قمم المؤامرات التي استضافها، إذ به يفاجأ بانطلاق معادلة فرعية ضمن معادلة الردع الكلية مع توالي العمليات الجوية والصاروخية وتعزيز نجاحها في التلاعب بمنظومات الدفاع الجوي التي يمتلكها، وبالتالي وجد النظام السعودي أنه لم يجن من تلك القمم أي شيء سوى أنه ظهر أمام العالم وهو يصرخ من وجع الهجمات اليمنية وكذلك لم يجد سوى مراجعة فواتير تكاليف تنظيم تلك القمم.

 

  • معادلة المطار مقابل المطار

بعد أَيَّام من إعلان النظام السعودي موعدَ إعادة تشغيل مطار نجرانَ وفتحه أمام الطيران المدني بعد توقف لأكثرَ من عامين، قام سلاح الجو المسيّر بعملية واسعة استهدفت مرابضَ طائرات العدوان ومنظوماته الدفاعية وغرف التحكم والسيطرة في المطار وتوالت بعد ذلك على مدى ثلاثة أَيَّام لاحقة الضرباتُ اليمنية على مطار نجران إلى أن تم إجبارُ النظام السعودي على نسيان قرار فتح المطار طالما استمر إغلاق مطار صنعاء الدولي والمطارات اليمنية الأخرى.

من هنا ظهرت ملامح المعادلة الفرعية “المطار مقابل المطار” وعلى رغم من إعلان المتحدث العسكري للقوات المسلحة ورئيس الوفد الوطني عن هذه الاستراتيجية، إلا أن حجم العمليات وتأثيرها هذه المرة جعلت كبرى الوكالات والصحف والمراكز البحثية الدولية تتحدث بنفسها عن تلك الاستراتيجية، وبالتالي باتت هذه الوسائل تخدم رغم عنها التوجّــه اليمني بعد سنوات من التواطؤ والصمت المدفوع ثمنُه من خزائن النظامين السعودي والإماراتي.

هذه الاستراتيجيةُ جرى تعزيزها بعمليات منظمة ومتوالية استهدفت مطار جيزان ومطار أبها بمعدل ثلاث إلى أربع ضربات متنوعة ومتتالية، وبهذا أكّــد اليمن أن استراتيجيته ليست إثباتَ قدرته على إيذاء العدو بل إجباره على إغلاق مطارات النظام السعودي، بدءًا بالمنطقة الجنوبية برمتها، وبعد ذلك توسيعها لتشمل كافة مطارات العدوين السعودي والإماراتي، وقد أظهرت بيانات الطيران العالمي أن الضربات اليمنية نجحت في إيقاف الملاحة الدولية والداخلية في مطارات جيزان ونجران وأبها.

 

  • العالم يسمع صوت القوة: بريطانيا تتوسط

تعد الدولُ الغربية الداعمة للعدوان على اليمن المسؤولَ الأولَ عن حياة ملايين العرب والمسلمين الذين أُزهقت أرواحُهم في العراق وسوريا وأفغانستان، وبالتالي لم يكن مستغرباً مشاركةُ الدول الغربية في العدوان على اليمن والتعتيم على الجرائم التي ترتكب على مدى أكثرَ من أربع سنوات وتجاهل أوجاع اليمنيين، وبالتالي لم يكن أمام اليمن سوى أن يُجبِرَ العالم على سماع صُراخ أنظمة دول العدوان وصوت السلاح اليمني الذي بات قادراً على تنفيذ عمليات واسعة في عمق السعودية والإمارات.

وعلى الرغم من أن اليمن أعلن أن المعادلةَ التي فرضها على واقع المواجهة مع العدوان لن تتوقفَ إلا بتوقفه إلا أن مأزقَ النظامين السعودي والإماراتي جعلهما يهرولان بحثاً عن وساطة دولية لإيقاف العمليات اليمنية بشكلها الجديد والتي لم يمر عليها سوى أقل من شهر وما تزال في طريقها للتوسع والتصاعد.

في هذا السياق، كشف الناطق باسم حكومة الإنقاذ ضيف الله الشامي عما وصفها “مساعيَ ووساطاتٍ دولية كبيرة وعلى رأسها بريطانيا؛ للتوقف عن ضرب المطارات والمنشآت الحيوية في السعودية والإمارات”.

غير أن هذا الإعلان لم يعنِ الاستجابةَ لتلك الوساطات، حيث عاد الشامي وأكّــد في مقابلة، أمس الأحد، مع قناة الميادين الإخبارية، الاستمرارَ في ضرب الأهداف العسكرية وتوسيعها إذا لم يتوقف العدوان على اليمن، مشيراً إلى أن “دول العدوان والعالم ستتفاجأُ بالسلاح والقدرات التي نمتلكها”.

وأضاف الشامي أن “المعادلة التي أرسيناها هي بعدَ استنفاد الوسائل الدبلوماسية” مؤكّــداً أن “المعادلة التي أعلناها تحمل المسارَين الدبلوماسي والعسكري”، ومشدداً “كل الاحتمالات العسكرية مفتوحة، وهناك سلاح لدينا يتميزُ بالمدى البعيد والقدرة الكبيرة والتخفي”.

وأمام كُــلّ هذه المعطيات يمكن التأكيدُ أن المعادلةَ التي فرضها اليمن لن تتوقفَ إلا بتوقف العدوان، وبالتالي فإن الإعلان عن وساطات دولية يأتي في سياق التأكيد على فاعلية معادلة اليمن وتأثير الضربات التي يوجهها للعمقين السعودي والإماراتي.

 

إبراهيم السراجي “المسيرة نت”

مقالات ذات صلة