الخطة العملية لتحرير فلسطين.. الرد الأمثل على ما يسمى “صفقة القرن

عبدالرحمن العابد

تتعدد القضايا الوطنية، ويكثر الاختلاف حولها، وتتعدد التجاذبات، لكن تظل ثمة قضية مركزية، لا مجال للمساومة حولها، ولا حيز للتنصل منها، وهي قضية فلسطين العربية، وعاصمتها القدس الشريف، أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين.

مثلت فلسطين لدى أنصار الله قضيتهم الأولى، واهتمامهم الأبرز، وأعلنوا موقفا صريحاً لا لبس فيه تجاه هذه القضية، تمثل ذلك الموقف في دعم الشعب الفلسطيني، وحقه في استعادة أراضيه، وإقامة دولته كاملة السيادة على هذه الأرض، ودحر المحتل الصهيوني الغاصب.

يواصل أنصار الله نضالهم من أجل هذه القضية، ويدفعون بها إلى الواجهة، من حيث إعلان الموقف الصريح تجاهها، وتبنيها في الفعاليات الرسمية والشعبية على مستوى اليمن، وغرس مفاهيم النضال حول هذه القضية لدى عامة الشعب اليمني، ولدى النشء والشباب بصورة أخص، ويبدون أكثر القوى العربية تفاعلاً مع قضية فلسطين، وأصدق الأصوات تعبيراً عنها.

بالتزامن مع صفقة القرن، التي تهدف إلى تصفيه القضية الفلسطينية، بمباركة أنظمة عربية موالية لأمريكا وإسرائيل، وعلى رأسها السعودية والإمارات، أعلن أنصار الله عن خطة لتحرير فلسطين، تضمنت خطوات وإجراءات عملية، لو أن الأنظمة العربية السابقة اعتمدتها، لتمكنت من تحرير فلسطين والانتصار للشعب الفلسطيني من أمد بعيد، ولعاد الصهاينة إلى بلدان الشتات، وقد تخلوا عن أطماعهم اللا مشروعة، التي يسعون لتحقيقها على حساب الأمة العربية والإسلامية.

لقد مثلت خطة تحرير فلسطين، التي تبناها المكتب السياسي لأنصار الله، وأعلن عنها، في الرابع والعشرين من شهر يونيو الجاري، المجلس السياسي الأعلى، والذي يمثل أعلى سلطة في اليمن، مثلت الرد العملي على صفقة القرن، ففي وقت يستعد قادة الأنظمة العربية، وفي مقدمتها أنظمة خليجية، كالسعودية والإمارات والبحرين، للتوقيع على هذه الصفقة، كان الرد من قبل أنصار الله، ومن قبل الشعب اليمني عامة، هو رفض صفقة القرن، والإعلان عن خطة عملية، لتحرير فلسطين المحتلة.

ويعد تزامن الخطة العملية للتحرير التي أعلن عنها المجلس السياسي الأعلى، مع ورشة البحرين، التي تُعد الجانب الاقتصادي من صفقة القرن، جرس إنذار، وإعادة ضبط للموقف العربي من القضية الفلسطينية، وتعبيرا عن صوت الحق والعدالة، الداعي للالتفات إلى مظلومية الشعب الفلسطيني، ودعمه بشتى السبل، كي يتمكن من إزاحة هذه المظلومية، ويستعيد حقه المغتصب، وينتصر لسيادته المنتهكة.

لم تأتِ خطة تحرير فلسطين المعلن عنها اعتباطا، ولم تكن مجرد قفزة في الفراغ، بل إنها، ومن خلال بنودها الـ 13 تدل على نظرة عميقة، ورؤية ثاقبة، ودراسة موسعة، نتجت عنها هذه الخطة، التي دعت إلى توحد الأمة العربية والإسلامية واجتماعها حول هذه القضية، التي تُعد القضية الأولى، وتشكيل لجان مصالحة عربية وإسلامية لإيقاف نزيف الدماء وحلحلة القضايا وجبر الضرر وإعادة الإعمار.. وكذا الالتزام بإزالة الاحتقان بين الشعوب والأنظمة من خلال الزيارات المتبادلة والاحترام للعادات والتقاليد والتنوع في كل دولة وعدم التدخل في خصوصيتها.. حيث اعتبرت هذه الخطة وحدة الصف العربي والإسلامي الخطوة الأهم للانتصار لفلسطين، ومواجهة الصلف الصهيوني المدعوم من الغرب.

يمثل الشمول الذي تميزت به خطة تحرير فلسطين، أبرز جوانب القوة لهذه الخطة، حيث لم يقتصر تركيزها على جانب دون سواه، وهو ما جعلها متوازنة ومنطقية وممكنة التنفيذ إن وجدت النوايا الصادقة من قبل قيادات العالمين العربي والإسلامي، فقد تناولت الجانب العقائدي المرتكز على عمق الإيمان بعدالة القضية التي يجب النضال في طريق الانتصار لها، كما أنها ركزت على وحدة الصف العربي والإسلامي، وذلك لما يمثله هذا الاصطفاف من جانب قوة، سيما في مواجهة الصهيونية العالمية والأنظمة الغربية التي تدعم وتساند الاحتلال الصهيوني الغاصب، منذ أن وضعت بذرته الأولى في الأرض العربية.

الجانب الفكري والثقافي، كان حاضراً بقوة في الخطة العملية لتحرير فلسطين، والتي أعلن عنها يمنياً، حيث أكدت الخطة إقرار مادة دراسية موحدة عن الصراع مع العدو الصهيوني، تعد من قبل الجهات ذات العلاقة بالثقافة والتعليم في منظمة التعاون الإسلامي والجامعة العربية، تدرس إلزامياً في الجامعات والأكاديميات والمدارس في جميع الدول العربية والإسلامية.. كما دعت الخطة إلى إلزام سفارات الدول الإسلامية والعربية ببرنامج سياسي ثقافي تكون مدته 12 يوماً خلال العام، للتعريف بمظلومية الشعب الفلسطيني من العدو الصهيوني الغاصب وممارساته القمعية، وبحيث تقوم البعثات الدبلوماسية بدعوة الفعاليات ذات العلاقة من النخب والقادة والبعثات الدبلوماسية الأخرى المتواجدة في الدول الأوروبية والأمريكية والأفريقية والآسيوية واستراليا، وكذلك داخل الدول الإسلامية والعربية نفسها لحضور البرنامج.

ومع اهتمامها بالعوامل العقائدية والثقافية والفكرية ووحدة الصف، كعوامل أساسية لتحقيق النصر، وإحقاق الحق، وتحقيق العدالة، فلم تغفل الخطة الجانب الاقتصادي، ولم تقلل من أهميته، وهو الأمر الذي يجعلها أكثر اقتراباً من الواقع، وليست مجرد موقف انفعالي، أو نزعة عاطفية، كما هو الحال مع تجارب سابقة، تبنتها بعض الأنظمة، فكان ضررها على الأمتين العربية والإسلامية أكثر من نفعها، حيث طرحت هذه الخطة وضع برنامج تنموي وتبادل تجاري بين الدول العربية والإسلامية، بما يسهم في رفد اقتصاد هذه الدول، ويحسن من مستوى الإنتاج، ويتغلب على البطالة.. وكذا إعداد سياسة نقدية موحدة لهذه الدول ووضع برنامج لذلك قابل للتطبيق، يقوم بإعدادها محافظو البنوك ووزراء المالية وتتابع من قبلهم.. بالإضافة إلى إزالة كل العوائق أمام فتح المعابر الفلسطينية بصورة مستمرة، وتخصيص جزء من الإنفاق دعماً لدولتي الأردن ومصر، مقابل أي سلع مستوردة ومدعومة حكومياً أو خدمات مجانية تقدمها مصر والأردن للشعب الفلسطيني المحاصر، حتى لا يزداد الضغط على اقتصاد الدولتين، هذا إلى جانب خصم 5 بالمائة من إنفاق كل دولة لدعم تحرير فلسطين.

الاستعدادات العسكرية والقتالية، التي طرحتها الخطة، من قوات بشرية وعتاد وغيره، تعكس ما تميزت به من مصداقية ومنطقية، حيث أظهرت الخطة أن بالإمكان توفير تلك الاستعدادات والتجهيزات بدون أن يشكل ذلك أي عبء على دولة دون غيرها، بل إن ذلك لن يحرم دولة من شرف المشاركة في نصرة القضية الفلسطينية، أو يجعل المشاركة حكراً على أحد دون غيره، حيث تشارك فيها جميع الدول، وكل دولة بحسب قدرتها.. فقد دعت الخطة إلى إعداد قوة قتالية خاصة بفلسطين، من جميع التشكيلات والعتاد للدول العربية والإسلامية، وتخصيص ما نسبته 5 بالمائة من ترسانة كل دولة عربية وإسلامية لذلك، وكذا تجهيز وإعداد برامج تدريب ومناورات مشتركة لهذه القوة، وتشكيل غرفة عمليات مشتركة يحدد مكان انتشارها وتواجدها بقرار مشترك بين الدول العربية والإسلامية في قمة مشتركة، بالإضافة إلى تشكيل لجان المتابعة اللازمة ووضع برنامج مرحلي لتطبيق ذلك.

ونظراً لكفاءة الخطة التي يعد إعلان اليمن عنها بمثابة وضعها على الطاولة العربية والإسلامية، فإن أي تقاعس من قبل الأنظمة العربية والإسلامية عن التفاعل معها، يُقرأ من باب إحراجها لهذه الأنظمة، التي اختارت المهادنة والتطبيع مع الكيان الصهيوني الغاصب، وقطع الطريق أمام أي دعاوى بعجز الأمة العربية والإسلامية عن الانتصار للقضية الفلسطينية، ودفع المظلومية عن الشعب الفلسطيني الذي يطعن بخناجر الإخوة قبل الأعداء.

مقالات ذات صلة