تحليلُ مضمون كلمة قائد الثورة الأخيرة

أنس القاضي

 

اتَّسمت كلمةُ قائد الثورة بالمصداقية المنعكِسة عن تناسق محتوى الخطاب، من حيثُ المعنى الظاهري، وجوهر القناعة الداخلية، فمضمونُ قائد الثورة في الرسائل الثلاثة الواردة في هذا الخطاب، مبدئي وصريح، وهي امتداد لذات المبدئية التي تحدث بها في خطاباته طوال خمسة أعوام من العدوان، فرغم حدوث تغيرات عديدة طوال هذه الأعوام سلبياً جعلت اليمن والقوى الوطنية وأنصار الله بموقع ضعف، وأُخْــرَى إيجابية تجعل هذه الأطراف بموقف قوة، في مختلف هذه الأحوال تميز مضمون قائد الثورة بالثبات، الذي يكشف بأن هذا المضمون الظاهر هو القناعة الفعلية والموقف والرؤية الاستراتيجيين.

وصفُ المحتوى
في الرسالة الأولى الموجّهة للسعودية، أكّــد قائد الثورة أن العدوان واستمراره ليس في مصلحة المملكة، وأن عمليات الرد هي دفاعية متصاعدة، وبأن استمرار العدوان لن يؤدي إلى تركيع الشَعب اليمني وإخضاعه، ولن يؤمن السعودية ويجلب لها الاستقرار، وبأن الحل، هو التوقف عن العدوان، وإقامة علاقات قائمة على عدم التدخل في الشؤون الداخلية وحسن الجوار، وتبادل المصالح المشتركة، أي أن تكونَ نقيضةً لسياسة السعودية التاريخية القائمة على هدم الدولة اليمنية كمؤسّسة وإلغاء شخصيتها ودعم أطراف ومراكز قوى تغذية الخلافات وإدَارَة التناقضات بما يُبقي اليمن في وضع من الضُعف والحاجة الدائمة للسعودية وتحت هيمنتها.
في موضوع التطورات في الجنوب اليمني، أكّــد أن هذه التطوراتِ تثبتُ صوابية القوى الوطنية التي حذرت من أن الاحتلالَ والتمزيق والسيطرة على اليمن إنساناً وجغرافيةً وثروةً، هدفُ العدوان، وهوَ ما يثبه الواقع. واعتبر أن ما يفترضه “المجلس الانتقالي” نصراً ليس كذلك نظراً؛ لأَنَّه خاضع للإمارات والحقيقة التاريخية تقول بأن دول العدوان الخليجية والغربية لا تتسابق في الحرب وتورط نفسها في مشاكل، من أجل خدمة “الانتقالي” أَو “الإصلاح” أَو “هادي” وأية قوى عميلة، يستخدمها المعتدون كذريعة، فيما تحدث بتقدير للحراك الجنوبي الرافض لهذه الممارسات واحترام موقف الحراك الجنوبي والاعتراف بوجوده رغم التغيرات في الجنوب اليمني يعني ثباتَ رؤية أنصار الله لحل القضية الجنوبية القائمة على مبدأ العدالة والشراكة.
في مضمون الحديث عن العلاقات اليمنية الإيرانية، تحدث قائدُ الثورة بأن العلاقة سوف تعودُ بين الجمهوريتين اليمنية والإيرانية، كعلاقة طبيعية ودبلوماسية، امتداداً لعلاقات رسمية سابقة، التي توقفت لميول السلطة السابقة إلى عدم إغضاب السعودي وأمريكا، وستكون العلاقات القادمة مع إيران أوثقَ وأكثرَ متانة، من حيث أنها في هذه المرحلة قائمة على مشتركات تحررية متعلقة بالموقف الصحيح من الاستعمار الأمريكي الغربي والصهيوني فهي علاقة طبيعة وسليمة وقائمة على لقاءات ومواقف واحترام السيادة الوطنية، لا على التبعية والأوامرية، وستأتي كامتداد متطور لسبعين اتّفاقية موقعة بين البلدين تخدم بشكل رئيسي الشَعب اليمني تم تجميدها سابقاً.

علاقاتُ الموضوعات
علاقاتُ الموضوعات الثلاثة في الخطاب مترابطة، ومكملة لبعضها، لا انفصام، لها، فعلاقة الترابط قائمة على طرق الخطاب مبادئ تحكم العلاقات الدولية والداخلية مرحب بأي طرف قبولها، فلم يحتو الخطاب على مضمون متناقض يتعامل مع طرف ومسألة بطريقة ومع طرف ومسألة بطريقة مختلفة، كأن يطرح -على سبيل المثال- قضية التعاون والمصالح المتبادلة والسيادة في العلاقات الدولية، فيما يوجه خطاب الإقصاء والاجتثاث للقوى الداخلية، فيحدث تناقض بين تبني الوطنية في العلاقة الخارجية، وبتبني اللاديمقراطية في العلاقات الداخلية. أَو كأن يطرح الأخوّة والشراكة اليمنية اليمنية، فيما يوجه خطابا شوفينياً ضد القوى الأجنبية فينفي إمْكَـانية إقامة علاقات موضوعية وعادلة معها، ويدعو إلى احتلالها أَو خوض حرب الفناء حتى القضاء عليها، أَو كأن يطرح مسألة الترحيب بإقامة العلاقات الخارجية في المحيط مع دول محور المقاومة الذي يلتقي معها في الموقف الموضوعي من الاستعمار والصهيونية، ويرفض إقامة علاقات مع بقية الدولة الخليجية وفي مقدمتها السعودي التي هي في حالة تنافر مع دول محور المقاومة، كما كانت علاقة اليمني الديمقراطي سابقاً.
فموضوعاتُ الخطاب تطرح رفض العدوان والغزو والاحتلال والعمالة والحصار وفرض العزلة على اليمن. فيما تنادي إلى تسوية الخلافات مع دول العدوان ومع الأطراف المحلية اليمنية. ويرحب بعودة العلاقات الدبلوماسية مع إيران فيما يرحب بإعادة العلاقات مع بقية الدول الإقليمية التي هي من قطعتها.

شخصية الخطاب:
الذي يتحدث في هذا الخطاب، هوَ قائد الثورة لشعبية السيد عَبدالملك الحوثي، وقائد أنصار الله، معبراً عن موقف الوطن اليمني وعن موقف أنصار الله، ومستنداً إلى صمود الشَعب وإلى ميل حركة التاريخ المدعمة بتطورات الواقع إلى تأكيد صوابية ما كان يطرحه في السنوات السابقة من عمر العدوان، وهوَ رجلٌ صاحبُ قرار وشجاعة في تطبيقه، لا يأخذ كلامه معنى دبلوماسياً، بل صريحاً واضحاً.
ظهر قائد الثورة وهو يقولُ الخطبَ في حالة نفسية ممتازة، يضحك ويستعمل التعابير المضحكة ويدلل على المواقف بأبياتٍ من الشعر، وبطمأنينة الواثق من تعاظم قوة جانبه مقابل تراجع قوة خصمه،. كما ظهر شفافاً واضحاً في تبيان المواقف السليمة غير مكترث من الساخط عليها والرافض لها.

المتلقي:
المتلقي الرئيسي في هذا الخطاب الدول، (المملكة العربية السعودية، دولة الإمارات العربية المتحدة، الجمهورية الإسلامية الإيرانية).
المتلقي من حيث القوى اليمنية، المرتزقة عملاء العدوان، وهم كأطراف الانتقالي الجنوبي وحزب الإصلاح، جماعة هادي، وبالتعميم القوى السياسية التي وقفت مع العدوان، ويدخل في إطارها، الناصري، الاشتراكي، المؤتمر الشعبي العام جناح عفاش.
المتلقي اليمني من القوى الوطنية، المؤتمر أنصار الله، وحلفائهم وشركائهم، كقوى سياسية، بقية التوجّـهات الوطنية اليسارية والقومية والإسلامية الذي أشار إليها بـ “مختلف الثقافات والتوجّـهات”، أما المتلقي اليمني الفاعل المشار إليه بوضوح فهم الجيش واللجان الشعبية، أبناء القبائل، العلماء. وكل هؤلاء المتلقين، تضمهم عبارة الشعب اليمني الصامد.

تحليلُ دلالة المفردات:
وردت في هذا الخطاب مفرداتٌ معينةٌ لها دلالاتٌ عميقةٌ، وأبرزها الهُوِيَّة الوطنية، حضن الوطن، السيادة، الاستقلال التام، الكرامة، الحرية، الوحدة، الأخوّة الإسلامية وهي تحدّد المبادئ لحكم العلاقة مع الطرف الداخلي والطرف الخارجي.
مفرداتُ الشراكة، التعاون، المصالح المتبادلة، المصالح المشروعة، وهي مضمون العلاقة مع الأطراف الداخلية والخارجية، إِذَا قبلت التخلي عن سلوكها العدواني والمعادي والاستعماري والخياني.
مفرداتٌ جاءت في سياق النبذ وهي الطائفية، الانفصال، العداوة، التمزيق، الحقد والانتقام، المطامع، الفتنة، تصفية الحسابات، المذهبية، المناطقية؛ باعتبار أن هذه السلوكيات التي تظهر في ممارسة العملاء للعدوان، هي المحرك الاجتماعي السياسي للقوى العميلة للعدوان، وفي نبذها أساس للاستقرار الاجتماعي والتعايش اليمني اليمني في البلد الواحد، التعايش القائم على نقيضها، أي على الوحدة والشراكة الوطنية والأُخوَّة، والتعاون.
كما وردت أيضاً، مفردات الاستعمار، الاستكبار، الصهيونية، الاحتلال، إسرائيل، أمريكا، التدخل، الإجرام، والتعبير المجازي “الحلب”، الهيمنة الأوامرية، الإملاءات، الإرهاب، وهي مفردات سياسية، جاءت في سياق النبذ من حيث أنها أساسٌ فاسدٌ وغير مقبول في العلاقات الدولية وهي سياسات عدوانية مضادة لمصالح الشعوب وللأمن والاستقرار ويفترض أن يقوم الواقع السياسي الدولي على نقيضها.

الآثارُ المترتبةُ على الخطاب:
الآثار المترتبة على كلام قائد الثورة، هي عودة العلاقات الدبلوماسية مع إيران، استمرار تصاعد العمليات العسكرية اليمنية في مواجهة العدوان وخَاصَّــة في العمق السعودي، وعودة الضربات على العمق الإماراتي إِذَا لم يصدق في الانسحاب والخروج من تحالف العدوان، استمرار عملية التواصل مع القوى والشخصيات والأفراد ممن كانوا في صَــفّ العدوان إِذَا رغبوا في العودة إلى صَــفّ الوطن، أخذ السعودية مضامين الخطاب وتحليلها، خَاصَّــةً في مسألة أن استمرار العدوان لن يؤديَ إلى الأمن والاستقرار والاقتصادي في السعودية، بل إن تحقيقَ ذلك في عدم التدخل في الشؤون الداخلية في اليمن والسعي لأمن المملكة كأمن واستقرار للبلدين معاً، قائماً على حُسنِ الجوار لا التدخل في الشؤون الداخلية للدول.

مقالات ذات صلة