على خُطَى زيد ومنهجية (من أحبّ الحياةَ عاش ذليلا)

أمل المطهر

 

ليست بالمصادفة أبداً ونحن نقارعُ أعتى قوى الظلم والاستكبار، أن تهبَّ علينا نسائمُ ذكرى ثورات كانت من أعظم وأطهر وأقدس الثورات، فمن إحْيَـاء ذكرى ثورة الإمَام الحُسَين في كربلاء إلى إحْيَـاء ذكرى ثورة الإمَـام زيد بن علي عَلَيْهِمَا السَّــلَام، ثورات بقيت ودامت واستمرت حتى يومنا هذا وقوداً للأحرار ومنهجية لكل الشعوب الثائرة.

وها نحن الآن نرى الشعبَ اليمني يتمثّلُ تلك الثورات ويعيشُها بكل تفاصيلها وأشخاصها، فمن يتأمل لواقع ما يجري على الساحة من أحداث يرَ أمامه زيداً بقوة إيمانه، بشجاعته، برفضه للضيم، ويرَ أصحابَ زيد في استبسالهم وثباتهم ووعيهم، ويَــرَ أَيْـضاً المتذبذبين لا إلى هؤلاء ولا إلى أولئك، ويرَ المتخاذلين والمثبطين من الرجال والنساء في كُلِّ الأحداث، وتعودُ من جديد دروساً وعِبَراً عَلَّنا نعتبرُ.

كل ما حدث إبّانَ ثورةِ الإمَـام زيد رأيناه في اليمن، ومن الممكن أن نراه أَيْـضاً في مكانٍ آخرَ غير اليمن، ففي كُـلِّ أرض هناك زيدٌ وهناك هشام، سُنةٌ إلهيةٌ للتدافُع؛ ليبقى الحقُّ واضحاً نقياً بدون لَبْسِ الباطل وزيفه.

فلو لم يَثُر الإمَـامُ زيدٌ ويغضَبْ لله، ولو سكت الإمَـام زيد حينما تعرض اليهودي لرسول الله لَما كنا سنرى الآنَ الملايينَ في اليمن يثورون في محبة رسول الله صلواتُ الله عليه وعلى آله ويخرجون لإحْيَـاء ذكرى مولده بتلك الهيبة والمحبة، فقد أفشل الإمَـامُ زيدٌ مخطّطاً كان يستهدفُ شخصيةَ النبي؛ لنزعه من القلوب وإخفائه من النفوس، لكن غضبَه وثورتَه لله ولحدودِه أعادتا الحميةَ مجدَّداً إلى النفوس الباهتة.

لو لم يثر الإمَـامُ زيدٌ ويصدحْ بها عالياً في وجه الطاغية هشام بن عبدالملك (واللهِ يا هشام لن تجدَني إلا حيثُ تكره)، لَما رأينا أبناءَ الشعب اليمني في كُـلّ موضع يغيظُ العدوَّ، فقد اكتسبوا من تلك الجملة ومن ذلك القَسَم دروساً عظيمة، صنعت منهم رجالاً مؤمنين أشداءً لا يقبلون بالمداهنة مع العدوّ ولا التلوُّن بلونه ولا يعرفون المسايسة.

وجدهم العدوّ في ساحات الثورة حيث يكرهُ أحراراً كرماءَ لم يقبلوا بأن تكونَ ثورتُهم صوريةً مزيَّفة بل أرادوها زيديةً حسينيةً بمنهجيتها وأهدافها وأَلَقِها فكانت ثورةً خالدةً بخلود قادتها وثابتةً بثبات مبادئها.

وها نحن الآن نرى دروسَ الإمَـام زيد وملحمتَه وثورتَه تتجسَّدُ أمامنا آياتٍ حيةً رَأيَ العين.

فها هي (واللهِ ما كره قومٌ قَطُّ حَرَّ السيوفِ إلا ذَلُّوا) تتجلى لنا، آيةً حيةً تحكي لنا في كُـلِّ جبهة حكايا الأبطال الذي يقارعون الظلمَ وينتصرون للإنسانية ويصنعون سلامَهم ويرفُضون إذلالَهم.

ونراها في حال الشعوب التي تبحثُ عن السلام بين رُفاتها وهي تجمعُ أشلاءَها المبعثرةَ في زوايا الأمم المتحدة وسيفُها صَدِئٌ في غمده وتبحثُ عن العزة والكرامة بين أقدام الطغاة المستكبرين فأصبحوا من خوفِ الذل في ذُلٍّ أكبرَ وأنكى.

وها هي (مَن أحبَّ الحياةَ عاشَ ذَليلاً) تنغرسُ في نفوسنا عشقاً وحباً للحياة الخالدة فنرى قوافلَ شهدائنا تتوافدُ؛ لتحييَ تلك المقولةَ في كُـلّ النفوس وترُشُّها عطراً يملأُ الأرجاءَ وثقافةً عظيمةً تؤسّسُ كرامةً وَعزةً لكل الشعوب.

ثوراتٌ امتدت في خيطٍ واحدٍ؛ لتصلَ إلينا دروساً ورُمُوزاً تأصّلت بدماء العظماء من آل بيت النبيِّ الأكرم؛ لتطوفَ ساحاتِ الثورات وتُحييَ الهِممَ وتصنعَ الأبطالَ في كُلِّ الأزمنة.

وها نحن في أرضِ الإيمان اليومَ نحيي زيداً ونسيرُ بزيد ونواجهُ بزيد..

فيا رَبُّ (هذا الجهدُ وأنت المستعانُ).

مقالات ذات صلة