«نصرٌ من الله» الكبرى تفصح عن انهيار القيادة والسيطرة في الجيش السعودي.. وفتـح قـريب

صلاح الدكاك

 

أثارت عملية “نصر من الله” التي كشف عنها بيان المتحدث باسم القوات المسلحة، أمس، عصفاً استفهامياً واسع النطاق في الميديا العالمية، تمحور حول “الأسلوب العسكري الذي ينتهجه الجيش واللجان الشعبية ليتمكنوا من الصمود وتسديد ضربات نوعية فارقة وغير مسبوقة من حيث نتائجها كماً وكيفاً في الحرب مع تحالف لا ينقصه العديد لا العتاد؟!”…

الحقيقة أن سؤالاً حائراً كهذا لم يكن وليد لحظة الكشف عن عملية كبرى في محور نجران أسفر عنها إسقاط 3 ألوية للعدو، طبقاً لبيـــان المتحدث العسكري العميد يحيى سريع، أمس، فمنذ وقت سابق بسنوات لبدء العدوان على اليمن، كان السؤال مطروحاً في دوائر الدراسات العسكرية والاستخبارية الأمريكية، بغية تفكيــك البنيــة الحربية والاجتماعـية لحركة خاضت سلطة الوصاية 6 حروب ضدها، إحداها بشراكة سعودية مباشرة وعلنية، وأخفقت في تقويضها، لتخرج أكثر قوة وخبرة وتأثيراً في محيطها الاجتماعي اليمني الواسع.

“كيف أمكن لجماعة أن تلحق كل هذه الخسائر بدولة كالسعودية؟!” تسأل “الجزيرة” مداخليها من خبراء عسكريين، في تغطيتها لعملية الجيش واللجان الكبرى في محور نجران، وتطرح “روسيا اليوم” سؤالاً مماثلاً على ضيوفها، وتنقل قنوات مقربة من العدوان الحيرة ذاتها بصيغة استفهام مختلفة.. غير أن أياً من المداخلين لا يملك الإجابة الناجعة، فالدوائر العسكرية الأمريكية ذاتها لاتزال تفتقر لإجابة يمكن الترتيب عليها لإلحاق هزيمة ساحقة بحركة لا تكف تفاجئ العقل العسكري التقليدي للغرب والشرق بالجديد العملياتي الصادم لكل التوقعات، سواء من حيث حرفية مقاتليها أو طبيعة ونوع الوسائط الحربية المستخدمة التي أحالت منظومات الدفاع الغربية الأرقى والأحدث للتقاعد.

في الـ3 من آيار/ مايو 2018، كشفت “البنتاغون”، للمرة الأولى، عن وجود قوات بشرية أمريكية تزاول نشاطاً عسكرياً ميدانياً في الاشتباك الدائر في اليمن، ولكن على الأراضي السعودية، ولمهمة “لوجستية” أوجزتها البنتاغون في “مساعدة المملكة على حماية حدودها أمام التهديد الإيراني ” الحوثي” المتمثل بالخصوص في الصواريخ الباليستية”.. وقالت البنتاغون إن هذه القوات التابعة لها تنتمي لوحدة “القبعات الخضر”.. وبطبيعة الحال فإن ترجيحات خبراء عسكريين خلصت إلى أن مهمة هذه القوات النوعية هي استمرار للمهمة القديمة ذاتها، والمتمثلة في محاولة فك طلسم البنية الحربية والاجتماعية لحركة أنصار الله، وحل لغز منظومتها الإدارية وتراتبيتها التنظيمية التي استعصى على واشنطن وأدواتها هضمها خلال ما يزيد على نصف العقد من الزمن.

معضلة أمريكية مستحكمة فاقمتها مخرجات التصنيع الحربي الصاروخية والجوية عملياً بضربات قاصمة على كعبة النفط الكونية “أرامكو”، ألحقت جلطة نصف مميتة في الدورة الدموية لسوق الهيمنة الكونية، كدفعة أولى من دفعات توازن الردع. والراجح أن عملية “نصر من الله” الكبرى في محور نجران، لن تضاعف من استحكام المعضلة الأمريكية فحسب، قدر ما ستجعل من جلطة “أرامكو” ورماً جوالاً في الجسد السعودي لا يمكن التنبؤ بتداعياته على المدى الزمني المتوسط المنظور، ولا أين سيضرب وكيف سيتمظهر؟.

أحد أيسر وأقرب التوقعات المترتبة على هذا الانهيار الفاضح لمنظومة القيادة والسيطرة في جيش المملكة، هو أن مدناً كبيرة في عمق جنوب الكيان السعودي باتت آيلة للسقوط بانفراط سياج الارتزاق الذي كان يؤلف بعديده وعتاده جيشاً كامل المكونات، ولا مناص من أن تشغل الرياض (بن سلمان تحديداً) هذا الشغور الحدودي الاستراتيجي ببديل عسكري سعودي نوعي عاجلاً أم آجلاً.

ثمة خياران لا غير أمام ولي العهد الطامح والغارق في الخيبات، لمواجهة مأزق المآزق هذا: خيار سياسي متمثل في الارتماء تحت أقدام القيادة الثورية والسياسية لصنعاء طلباً لسلام ناجز وشامل بشروط أصحاب الأرض، وهذا خيار لا سبيل في اتخاذه من موافقة أمريكية لا يبدو أنها ممكنة.. والخيار الآخر هو خيار عسكري يتمثل في الدفع بنخبة الحرس الوطني إلى الحدود، وعندئذ فإن متنفساً مواتياً سينفسح أمام بارود الخلافات العائلية داخل أجنحة الأسرة السعودية المالكة، مهدداً قلب المملكة الرياض بانفجار إما أن يطيح ببنية النظام السعودي كاملة، وهذا ما تعمل أمريكا على تلافيه والحيلولة دونه، وإما أن يطيح بالعائلة السلمانية، وهو ما تفضله أمريكا كسبيل وحيد لافتداء الكل بالجزء.

وليس فخ “خاشقجي” الأمريكي، وتنصيب أحد أفراد العائلة السعودية هو عبدالعزيز بن سلمان وزيراً للطاقة، كسابقة أولى في تاريخ المملكة، كما والنشاط الممنهج الجاري في الكونجرس لـ”عزل ترامب عقب تداعيات الحرب على اليمن وفشل صفقة القرن والهزيمة المذلة أمام إيران”… ليس كل ذلك إلا خطوة تمهيدية لانقلاب في المقاربة الأمريكية للصراع والاستدارة جنوحاً إلى امتصاص نتائجه وتداعياته بما يتيح لواشنطن إدارة التصدعات المتفاقمة في منظومة نفوذها الكوني على نحو يبقي زمام الفعل بيدها في منعطف يكاد معه يفلت كلياً لجهة مناوئيها.

تشير المعطيات، في هذا السياق، لعودة المقاربة الديمقراطية إلى البيت الأبيض وشيكاً، وهذا سيعني العودة إلى متن “الاتفاق النووي” بتعديل طفيف، وانقشاع أسرة سلمان لجهة مقاربة حكم سعودي بوجوه جديدة.

أخيراً إليكم أحد المفاتيح القرآنية لطلسم استعصى على العدو معالجته.. إن تسمية عملية محور نجران بـ”نصر من الله” تعني أن عملية أخرى لاحقة ربما تكون قد بدأت فعلاً ستحمل تتمة الآية، “.. وفتح قريب”.

مقالات ذات صلة