ديون دبي ترتفع إلى ١٢٤ مليار دولار وسط تهديدات بانهيار شامل

تتفاعل أزمة مصرفية في الإمارات وسط ارتفاع حجم ديون دبي إلى 124 مليار دولار، يحين أجل سداد نصفها خلال ما تبقى من العام والعامين المقبلين، في أزمة ربما تتفجر في أية لحظة.

وحسب وكالة فيتش الأميركية، فإن حوالى 23 مليار دولار من هذه الديون تتحملها محافظ المصارف في دولة الأمارات. وليس معروفاً حتى الآن كيفية تعامل الشركات الحكومية في دبي مع هذه الديون، وعما إذا كانت المصارف في الإمارات ستتحمل عملية إعادة هيكلة جديدة للديون مثلما حدث إبان الأزمة المالية عام 2008.

وكانت إمارة أبوظبي قد اضطرت في العقد الماضي لإنقاذ دبي عبر قرض 20 مليار دولار وقتها، ولم تسدد إمارة دبي منها سوى 10 مليارات دولار. وشرعت المصارف فعلياً في جدولة 3 مليارات دولار من الديون مع شركات عقارية وشركات مقاولات من بينها شركة الجابر.

وتأتي هذه الأزمة في وقت مختلف تماماً عن الأزمة المالية السابقة التي مرت بها إمارة دبي، حيث أن الإمارة وحسب تقرير بمجلة فوربس، تعاني هذه المرة، بالإضافة إلى الإنهيار في قطاع العقارات، من تدني أسعار النفط وأزمة الاضطراب الجيوسياسي والتوتر العسكري في منطقة الخليج.

وتعرضت المصارف الإماراتية قبل أسبوعين لضغوط أميركية بشأن تعاملاتها مع أثرياء إيران وتمويل تجارة محظورة أميركياً مع طهران.

وقالت فيتش في تقريرها، إن جزءاً كبيراً من القروض على الشركات الحكومية بدبي والبالغة 23 مليار دولار المقترضة من البنوك المحلية، يحل أجل سدادها بنهاية العام 2021.

وذكرت وكالة التصنيف الأميركية، أن إمارة دبي ربما تضطر لجدولة هذه الديون ووضع المصارف في محنة.

ويذكر أن المصارف الإماراتية منحت بكثافة القروض للشركات الحكومية الكبرى في مجال العقارات، على أمل الانتعاش الاقتصادي وتبعاً لذلك الانتعاش العقاري. ولكن ما حدث كان عكس ذلك، حيث واصلت أسعار العقارات في دبي انهيارها، كما تدهورت أسعار أسهم الشركات العقارية.

وقالت فيتش إن “إعادة هيكلة القروض المصرفية على شركات العقارات والمقاولات والقطاعات المصاحبة لها تواصل الارتفاع”.

كما تتوقع المزيد من عمليات الهيكلة للقروض المصرفية واستفحال المصاعب المالية وأزمات السيولة خلال فترة الـ12 ـ 18 شهراً المقبلة في القطاع المصرفي”.

وتعيش إمارة دبي بوابة دولة الإمارات على مدار السنوات الماضية، وأشهر مدنها عالمياً، أسوء أيامها الاقتصادية؛ بسبب تدخلات أبوظبي في سياسات عدة دول في المنطقة العربية، تزامناً مع انخفاض أسعار النفط، ما جعل دبي تواجه مشكلات متصاعدة.

وقد جعل خوف المستثمرين نتيجة السياسات الخاطئة في البلاد، خسائر دبي ليست في مجال اقتصادي واحد، بل تعددت فطال الركود الأسواق العقارية والبورصة والمصارف وبناء المشاريع العملاقة والمهرجانات الدولية.

وتعيش الإمارة القائمة على اقتصاد الأبراج وناطحات السحاب، معاناة من حالة الانكماش المستمرة منذ قرابة الخمس السنوات دون انفراجة تبدو قريبة، في ظل تحذيرات من حركة تصحيح قد تضر بالمطورين الأصغر حجماً في السوق.

كما أن مطوري العقارات في الإمارة لجؤوا إلى تخفيض الأسعار وتقديم تمويل سهل للغاية لجذب المشترين، في الوقت الذي تعمل فيه حكومة دبي على تقديم الحوافز والقوانين لمحاولة إنعاش القطاع الحيوي.

وتعول حكومة دبي قبيل معرض إكسبو 2020 لتحقيق مكاسب اقتصادية، وخلق نحو 300 ألف فرصة عمل، لكن الإعلان عن مئات المشاريع العقارية في السنوات الأخيرة أدى إلى زيادة في العرض وتراجع في الأسعار.

كما أن السلطات سارعت إلى اتخاذ خطوات لدعم هذا القطاع بداية من عام 2018؛ عبر الإعلان عن سلسلة إجراءات من بينها شروط سهلة للتأشيرات وتأشيرات إقامة دائمة للمستثمرين الكبار، فيما أسست هيئة رفيعة للعمل على إعادة التوازن إلى السوق الذي يعاني من فائض في المعروض.

من جانبها، قالت وكالة “ستاندار أند بورز” للتصنيف الائتماني إن “قطاع العقارات الذي يشكل 7,2% من اقتصاد دبي، قد لا يحقق مرحلة الاستقرار قبل حلول عام 2021.”

هذا وقال رائد صفدي كبير المستشارين الاقتصاديين في دائرة التنمية الاقتصادية بدبي إن الإمارة مستمرة في خدمة ديونها ومستعدة للحصول على المزيد من الدين إذا اقتضت الضرورة، مضيفا أن الدين الحالي لدبي يبلغ 124 مليار دولار

فيما اعتبر “بي أن سي مينون” رئيس مجلس إدارة مجموعة “شوبا” العقارية، أنه “على مدار فترة من الزمن، سيحدث بعض التصحيح” الذي سيكشف عن الأقوياء والضعفاء في مجال العقارات، مؤكداً أن هذه العملية ستترك فقط الشركات الأقوى موجودة ثلاث أو أربع سنوات، بحسب ” أ ف ب”.

ولم تكن مجموعة “شوبا” هي الوحيدة في ذلك، فقد عرضت العشرات من شركات العقارات المحلية والدولية المشاركة في مؤتمر “سيتي سكيب” العقاري في دبي، شروطاً غير مسبوقة للدفع من أجل تعزيز العمل؛ حيث يطلب من المشترين دفع 5% من إجمالي قيمة العقار مقارنة ب 25% منها في السابق، ويتاح لهم دفع الباقي على مدار 10 سنوات أو أكثر بشكل مباشر إلى المطور، دون الحاجة إلى رهن بنكي.

ويكشف حجم اليأس في سوق دبي، أن المطورين يعرضون أيضاً تغطية رسوم التسجيل في البلدية والتي تبلغ 4% من سعر العقار، خصوصاً ملكية العقارات في دبي متاحة أمام الأجانب من الزوار والمقيمين لأهداف سكنية أو استثمارية.

ومنذ منتصف عام 2014، فإن أسعار العقارات والإيجارات انخفضت في دبي فاقدة نحو ثلث قيمتها، كما انخفضت قيمة التبادلات العقارية بنسبة 21.5%، إلى 60,7 مليار دولار العام الماضي، بحسب أرقام حكومية.

وكشف البنك المركزي الإماراتي، انخفاض أسعار العقارات بنسبة 5.8% في الربع الثاني من عام 2019، في تراجع للربع الحادي عشر على التوالي، وفق الوكالة الفرنسية.

وكالة “فيتش” للتصنيف الائتماني، ذكرت أيضاً يوم الثلاثاء (24 سبتمبر الجاري) أن “بعض المشاريع العقارية التي بدأت قبل انخفاض الأسعار تواجه تأخيرات كبيرة؛ حيث تتم إعادة هيكلة القروض بشكل متزايد، معظمها من خلال تمديد الأجل، في حين قام بعض المطورين بتعليق المدفوعات للمقاولين”.

وتابعت: “لم تتعاف البنوك تماماً من الأزمة العقارية التي ضربت دبي في 2010″، مشيرة إلى أن “قروض البنوك في المرحلة الثانية والمرحلة الثالثة مرتفعة بالفعل (التي أعيدت هيكلتها)؛ حيث بلغ متوسطها بين 15 و20% من إجمالي القروض، ومن المرجح أن تزداد”.

وأشارت إلى ارتفاع وتيرة إعادة هيكلة القروض في القطاع العقاري والمقاولات والقطاعات الأخرى ذات الصلة؛ ما يدل على ضعف جودة الأصول، معربة عن توقعها بإعادة هيكلة نسبة كبيرة من القروض البالغة 23 مليار دولار المقدمة إلى الكيانات المرتبطة بحكومة دبي المالكة، التي تستحق حتى نهاية 2021.

ويبدو أن ارتفاع تكلفة المعيشة في دبي التي يعيش فيها نحو 3.3 ملايين شخص، أكثر من 90% منهم من الأجانب، من العناصر الأساسية في خفض الطلب.

في حين صُنفت دبي في المركز 26 بين أغلى الأماكن للإقامة عالمياً، خصوصاً بما يرتبط بالأجانب، حيث تأتي في المركز الثاني بعد تل أبيب (عاصمة دولة الاحتلال الإسرائيلي) في الشرق الأوسط، بحسب شركة “ميرسر” الأمريكية.

تلك المشكلات التي ضربت العقار ليس وحيدة، بل طالت مشاريع حكومية يتم التحدث عن أهميتها وفائدتها الاقتصادية منذ سنوات.

وفي نهاية أغسطس 2019، نقلت وكالة “بلومبيرغ” الأمريكية للأنباء عن مصادر مطلعة أن دولة الإمارات أوقفت العمل في بناء مطار “آل مكتوم” الدولي في إمارة دبي؛ جراء تراجع أداء اقتصادها، مؤكدة أنه “تم تجميد التمويل حتى أشعار آخر”.

من جهتها قالت مؤسسة مطارات دبي، في بيان للوكالة، إنها تراجع الخطة الرئيسية طويلة المدى لمشروع المطار الذي كان من المفترض أن يكون من بين الأكبر بالعالم، وإن “الجدول الزمني الدقيق وتفاصيل الخطوات التالية لم يتم الانتهاء منها حتى الآن”.

يشار إلى أنه تم تأجيل الموعد الذي كان محدداً لافتتاح المرحلة الأولى من المطار، والتي تصل تكلفتها إلى 36 مليار دولار لمدة 5 سنوات، إلى 2030.

يذكر أن أحدث مطار في دبي، والمعروف باسم “دبي وورلد سنترال”، تم افتتاحه في 2013، لكنه يخدم 11 شركة طيران فقط حتى الآن، بحسب موقعه على الإنترنت.

ورغم أن طاقته الاستيعابية زادت خمس مرات إلى 26.5 مليون راكب في العام الماضي، بعد انتهاء العمل في مبنى الركاب، فإن عدد العملاء الذين يخدمهم المطار حتى الآن يبلغ 900 ألف راكب فقط سنوياً.

وساهم انخفاض أسعار النفط وضعف سوق العقارات، في معاناة اقتصاد تجار التجزئة الذي يساهم في 27% من ناتج دولة الإمارات المحلي، والذي يتركز بشكل أساس في إمارة دبي.

وتسبب تطبيق ضريبة قيمة مضافة بنسبة 5% العام الماضي، وضعف ثقة المستهلكين في اقتصاد حقق نمواً بنسبة 1.94% في 2018، وهي أدنى وتيرة منذ 2009، في إلحاق الضرر بتجار التجزئة.

وتشير تقارير صحفية إلى خروج أكثر من 180 شركة متوسطة وصغيرة من السوق الإماراتية منذ بداية عام 2017، بسبب التبعات والخسائر المتوقعة بعد فرض ضريبة القيمة المضافة في الدولة بداية عام 2018.

“بوابة الإقتصاد”

مقالات ذات صلة