ذكرى أكتوبر.. قراءة في خطابات قائد الثورة

عبدالحميد الغرباني

 

بحالة من التراتبية الهادفة يعود بنا الخطاب إلى واقع منطقتنا كاملة في القرن الماضي لنلحظ أن حقبة الاستعمار كانت مطبقة وشملت المنطقة بكلها ومع أن المسافة قريبة ما بين حقبة الاستعمار والراهن الذي نعيشه إلا أنها غائبة عن ذاكرة أجيال هذا القرن ومرد ذلك ضعف التصدي لهذه الحقبة بالدراسة بما فيه الكفاية وعدم إخضاعها رأي السيد القائد لتساؤلات غاية في الأهمية من مثل ” ما الذي هيئ بلداننا وأوطاننا أن تستعمر على ذلك النحو وأن يلحقوا بشعوبنا وآبائنا وأجيالنا الكثير من الأذى والظلم والاضطهاد وأن يسلبوهم الحرية لماذا؟ ما هي الأسباب؟ كيف هي الأرضية التي تهيئ المجال للمعتدي والمحتل ليطمع وليتقدم وليحتل هذه البلدان؟ “.

ثم السيد بعد ذلك يعتقد أن ضعف دراسة حقبة الاستعمار جرى عن سبق إصرار وترصد يقول “أعتقد أن هذا كان أمرا مقصودا ” أما لماذا الضعف فجزء من تداعيات الاستقلال الشكلي الذي عاشته البلدان والشعوب بعد ثورات التحرير يقول السيد ” شعوبنا لم تصل بعد إلى حالة من الحرية والاستقلال الحقيقي ” ويضيف ” الاستعمار ترك في منطقتنا آفات كثيرة ومشاكل كثيرة وفي ذات الوقت بقي له حضوره ونفوذه وتأثيره الكبير وصولا إلى محاولته أن يعيد الكرة هذه المرة من خلال الأمريكان بدلا عن الغزاة القدامى من الأوربيين”.

هذا من جهة ومن جهة أخرى انعكاس لحالة الفراغ والخواء لدى الأنظمة المتعاقبة على الحكم التي خضعت لنفوذ المستعمر بعد أن طردته الشعوب ولم تضع إستراتيجية شاملة تجاه أعداء الأمة فعشنا برأي السيد القائد ” التغافل والتجاهل للماضي على مستوى المدارس على مستوى الإعلام على مستوى المناهج على كل المستويات ولم تحض حقبة الاستعمار بالدراسة الوافية لأخذ الدروس والعبر والاستفادة منها عمليا في السياسات والمواقف والمناهج وعملية البناء “.

وفي سياق بسط أسباب الهزال في تقصي حقبة الاستعمار وعزلها عن مناضد التشريح والبحث والتحليل يوضح السيد القائد ما فوتته هذه الكارثة والمؤامرة على البلدان والشعوب من مكسب استراتيجي هو التأسيس لجدار حصين وصلب في وجه كل ما استجد وتعاقب من مؤامرات الأعداء و ” بما يعطي منعة لشعوب المنطقة من عودة الاحتلال والدخول في أتون الهيمنة الخارجية والسيطرة الخارجية على البلاد والعباد “.

أما التداعيات التي أسفرت عن هذا الضعف فنجدها في ثنايا هذا الخطاب وبشكل مقتضب مقتصرة على تراجع حالة التحرر وهشاشة ثقافة الاستقلال والحرية وسيطرة حالة التبلد تجاه الغزاة وأطماعهم وصولا إلى تقديم المجتمعات فريسة سهلة للعدو وبين افتقاد اليمن للاستقلال الحقيقي والكامل وغياب الإستراتيجية الشاملة تجاه عدونا وواقعنا حملت السنون أخطر تداعيات ذلك ومع تعاقبه ولدت أطرافا لديها ليس فقط قابلية بالمحتل وسيطرته ونهبه للثروة واحتلاله للأرض، وإذلاله للبشر، بل والاصطفاف بصفه والتبرير لاحتلاله و”تقديمه عاملا للحضارة” والتعبير المتهكم والساخر للسيد القائد.

الخونة دعامة الغزو

بعد هذا الاستطراد في هذا الخطاب السيد القائد يعتبر الخونة دعامة من دعائم الغزو الأجنبي فدائما ما كانوا على مدى التاريخ عاملا مساعدا على غزو بلدانهم بل وعبرهم أمن ويؤمن الاستعمار عمرا أطول له وهذا ما يراه الشعب اليمني ماثلا ويشهده مذ خمس سنوات من العدوان الأمريكي السعودي وهو ما يفصل الحديث عنه السيد القائد ولكن في خطاب ذكرى استشهاد الإمام زيد 1439 وذكرى الرابع عشر من أكتوبر 2017 م.

هنا يلتقط السيد القائد العامل الأهم والأخطر من العوامل التي استند إليها المستعمر البريطاني في إطالة عمر احتلاله لجنوب اليمن لقرابة 129 عاما وهو وجود ” أطراف آنذاك وفي كل تلك المراحل، ممن ارتبط بالمحتل وقاتل لحسابه وبرر تواجده، وتجند لحسابه ومارس صنوف التعذيب البشعة بحق الثوار الأحرار في مراحل متفاوتة وصولا إلى الاشتراك مع المحتل في جرائم إبادة جماعية جرائم قتل، جرائم تنكيل بحق الأهالي، في مناطق متعددة، وفي مراحل متعددة من تاريخ الاحتلال البريطاني “.

وهو ما يتورط فيه اليوم الخونة الجدد وطابور العملاء للعدوان الأمريكي السعودي بعد أن فتح ــ غياب الإستراتيجية الشاملة التي يبنى عليها واقع البلد في المناهج التعليمية والثقافة والإعلام ــ فتح الباب واسعا أمام ما يشهده اليمن برأي السيد القائد من ” حالة استقطابية واسعة، من توجه لقوى سياسية كثيرة في هذا البلد، من توجه لكثير من الناس في صف الأجنبي، ومناصرة الأجنبي الذي يحتل بوضوح بلدنا في الجنوب وفي مناطق كثيرة “.

وفي التعليل المؤكد لهذه الحقيقة المرة يقول في ذات الخطاب ” كان من المفترض أن يشكل ما حدث من الاحتلال البريطاني ولمدة طويلة من الزمن لأكثر من 100 عام في عدن والجنوب أن يشكل عاملا مهما جدا في كل واقعنا في البلد، إضافة إلى ما سبقه من استهداف لبلدنا في كل المراحل التاريخية، لتعزيز الثقافة التي تحفظ لنا في بلدنا الوعي، وتحفظ لنا روحية التحرر والاستقلال والممانعة، والتصدي لأي احتلال أجنبي “.

وفي سياق مقارنة اهتمام اليمن بتجاربه التاريخية مع الاستعمار والغزاة من جهة ودول وشعوب أخرى يؤكد أن لا مقارنة ويصدر ذلك بيمين يقول “يا إخوة والله لم يشهد بلدنا من الاهتمام بهذه المسألة بقدر ما لدى الصينيين أو ما لدى بعض البلدان الأخرى تجاه أقوام استعمرتهم، كان ذلك عاملا لهم -مثلا- على مستوى الاسترتيجية الشاملة، مثلا: السياسية التي يبنون عليها واقعهم الاقتصادي، كيف يكونون أمة قوية عصية على أولئك الذين غزوها في ما مضى، واحتلوا أرضها، ونهبوا ثروتها، وأذلوا شعبها، أن يكونوا أقوياء حتى لا يتكرر ذلك، أن يكونوا عصيين أمام أي احتلال جديد، أمام أي غزو أجنبي جديد ” …

في خلاصة حديث السيد عبد الملك الحوثي في الخطابين المذكورين فإن ذكرى ثورة الرابع عشر من أكتوبر تستوقفنا جميعا عند مهام عدة منها :

أولا: تعزيز ثقافة الحرية والاستقلال والروح الوطنية المسؤولة، وتعميم حالة التحرر كضرورة وطنية ومبدأ إنساني وقبل هذا وذاك معلم إسلامي

ثانيا: الوعي تجاه خطورة الأجنبي وأطماعه وأهدافه وما يترتب عليه

وما يقترفه من جرائم كما هو الحال مع المستعمر البريطاني وانتهاكاته بدء من الاختطافات للمواطنين والثوار قبلهم وإخضاعهم لأنواع التعذيب مرورا بجرائم القتل والإبادة للمزارعين ولسكان المدن، وما فعله سواء في هجماته الجوية أو البرية، وغير ذلك.

ثالثا: الحذر من التقصير والتنصل عن المسؤولية والأخذ بعين الاعتبار كارثية التنصل عن سبل دفع الهوان والإذلال والاستعباد والقهر والظلم وصنوف الاضطهاد الذي يمارسه المستعمر.

رابعا: الإفادة من تاريخنا من رموزنا العظام، من منهجنا، من ديننا، من قيمنا، من مبادئنا، والأحداث المعاصرة وعلى أن يكون ذلك على مستوى عام في الثقافة العامة في الاستراتيجية التي ننطلق منها في هذا البلد كشعب يمني في كل شأننا، باعتبار ذلك تجربة مهمة نستفيد منه اليوم في مواجهة الاحتلال والاستعمار الجديد.

مقالات ذات صلة