دور وسائل الإعلام في التحريض على الحروب

مطهر يحيى شرف الدين

 

تعدّدت وسائلُ الإعلام والاتّصال الجماهيرية بشكلٍ كبيرٍ على المستوى العالمي، وكثُرت مع ذلك السياساتُ والتوجّـهاتُ التي تعكس طبيعةَ التحالفات بين الدول ومواقفها إزاء القضايا الإقليمية والدولية في منطقة الشرق الأوسط، وظهرت على الساحة العربية في العقود الأخيرة بشكلٍ ملفتٍ ومثيرٍ قوى الاستكبار العالمي، التي تبنّت سياسةَ تهميش القوى المناهضة لها سياسياً وإعلامياً، والعمل على إفشال أيِّ مشروعٍ تحرّري نهضوي يسعى إلى تحقيق استقلال القرار الوطني وسيادة الدولة العربية على أراضيها.

كان من أبرز سياسة تلك القوى هو وقوفها المستميت إلى جانب الدول التي تمتلكُ الآلة المنتجة للنفط والمال؛ بغيةَ حمايتها حسب ما تدَّعيه الدولُ الاستكبارية من الخطر الشيعي المزعوم، مستغلةً قوتها ونفوذها لابتزاز دول النفط التي ارتمت في أحضان الصهيوأمريكية، وجعلت أرضها مرتعاً خصباً تنهشها وتنهب ثرواتها قوى الاستكبار الطامعة، التي تمكّنت من التدخّل في الشؤون الداخلية لدول النفط لتتحكّمَ في صنع القرار الداخلي للدول العربية بما يتناسب مع سياستها الاستعمارية الهادفة إلى إدارة المواقع البرية والبحرية، كما استطاعت أن تؤثّرَ في قناعات وتوجّـهات الأنظمة العربية، وأن تحرِفَ بوصلة العداء نحو إيران وتصفَها بالصفوية الفارسية المجوسية بدلاً عن توجيه العداء لإسرائيل العدوِّ التاريخي للإسلام والمسلمين..

ولذلك تواصل تلك القوى العالمية استخدامَ أدوات ووسائل إعلامية وثقافية مضللة عملت على تعميمها لعملائها وأدواتها، مستغلةً بذلك عمالة الزعامات العربية وسطحية عقولها وارتهانها للأجنبي والخلاف العقائدي والمناطقي الذي لا يرقى حقيقةً إلى أن تكونَ الدولُ العربيةُ على ما هي عليه اليوم من خلافٍ وصراعٍ بينيٍّ يؤثر تأثيراً عميقاً في وحدتها وعقيدتها فتحصد بذلك الفرقة والشتات والانقسام، والتبعية العمياء لقوى الشر الحاقدة الطامعة، ولذلك تتأثر أمزجة الأنظمة العربية بالتماهي والتعاطي مع أساليب القوى، وتبقى لتكيل النعوت المفضوحة لمحور المقاومة الحرّة ضدَّ الأجنبي التي تصل إلى الفجور اللامحدود في الخصومة، وَتتبناها فضائيات عربية ووسائل جماهيرية مسيّسة وموجّهة ومغرضة يخجل القارئُ أَو المستمعُ أن يرى مثل تلك الأساليب الرخيصة الدنيئة تصدر من أصوات محسوبة على العرب والمسلمين، والتي تفتقرُ لأدنى خُلق أَو قيم إنسانية وتفتقد تماماً للمصداقية والمهنية..

وانطلاقاً من هذه الممارسات تقومُ وسائلُ الإعلام والفضائيات العربية بتكريس العنصرية والطائفية، وتُحرّض على الكراهية وتثير بذلك الفتن وتُغذّي الحروب وتُعزّز الصراع بين الشعوب العربية..

وذلك ما يتنافى تماماً مع الإعلان العالمي بشأن المبادئ الأَسَاسية الخَاصَّة بدور ومساهمة وسائل الإعلام في دعم السلام والتفاهم الدولي وتعزيز حقوق الإنسان ومكافحة العنصرية والتحريض على الحرب الذي أصدره المؤتمرُ العام لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم في 28/11/ 1978م..

وكان مؤتمرُ اليونسكو قد قام بهذا الإعلان إسهاماً منه في صون السلم والأمن وتوثيق عُرَى التعاون بين الأمم؛ بغيةَ احترام العدالة والقانون وحقوق الإنسان وحرياته الأَسَاسية والتماس الموضوعية والمهنية وتنمية وسائل التخاطب والتواصل الإيجابي المثمر بين شعوب العالم، في سبيلِ إيجاد سلامٍ عالمي مناهضٍ ورافضٍ لإثارة وتشجيع أيِّ تهديد للسلم أَو أي عمل من أعمال العداوات بين الدول..

ولذلك تقوم قوى الاستكبار العالمي عبر أدواتها وعملائها بتلك الممارسات والسلوكيات المنافية للإعلان المشار إليه، ومنافية للقيم والأخلاق والمهنية، مسخرةً وسائلَ الإعلام الجماهيرية في تضليل الرأي العام وتزييف الحقائق وتشويش المشهد السياسي للشعوب، مكرسةً بذلك الكراهيةَ والعنصريةَ والطائفيةَ والمناطقيةَ بين أبناء الأمَّة العربية الواحدة..

السؤالُ الذي يفرِضُ نفسه اليوم بعد كُـلِّ تلك الممارسات الحقيرة والسلوكيات المشينة الي تنتهجها أدوات وعملاء الدول الاستكبارية في المنطقة العربية، ألا تشعر الأممُ المتحدة بالخجل والعار وهي بصمتها تُشارِكُ في انتهاك مبادئها وإعلاناتها، إضافةً إلى صمتها إزاء الجرائم المروعة التي يرتكبها العدوانُ السعوديُّ الأمريكيُّ بحقِّ الشعب اليمني؟!.

أليس من الواجب على الأمم المتحدة أن تقف موقفاً جادًّا حتى لمرةٍ واحدة أمام ما يحصل من فوضى إعلامية انعدمت فيها المهنيةُ والمصداقيةُ؟!، ألا يكفي صمت مخزٍ وارتهان للمال الخليجي المدنس مقابلَ تمرير وتعزيز الطائفية والعنصرية؟!، ألا يكون لحضور الأمم المتحدة على الساحة العربية وظيفة أخلاقية وإنسانية جادّة؟!، ألا يكفي عمالة وتواطؤ وتعاطف مع المعتدي المستكبر الجبان الذي تمَّ كشفُ وفضح انتهاكاته وجرائمه وقد عرف العالمُ أجمع مدى السقوط المدوي لأنظمة الدول المنتهكة وَالمعتدية ومدى انهيار المنظومة الأممية أخلاقياً وإنسانياً؟!..

سجِّل يا تاريخ واكتب يا قلم

في عالم الاستكبار لا حقَّ يُحترم

ولا عدالة تسود في ظلِّ الأمم

لكن لأننا نعلِّم القيم

سننتصر ونعلن:

في بلادي طفلٌ جريحٌ قاوم الفتن وآثر الوطن

وفي أبراج ظُلمهم سيظهر الندم..

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً

إغلاق