نموذج الكمال الإيماني

د. فاطمة بخيت

في بيت النبوّة ومعدن الرسالة ولدت بضعة النور، فكانت نوراً من وهج الأنوار المحمدية التي أضاء الله بها درب البشرية لتكون هادياً لمن أراد لنفسه الهداية والنجاة من الزيغ والضلال، وفي ذلك البيت نشأت وترعرعت الطهر البتول وتلقت تربيتها وتعليمها على يد معلم الأمة خاتم الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وآله وسلم، وأمها خديجة عليها السلام، سيدة نساء الجنة، التي كان لها دور كبير في نصرة هذا الدين ووضع دعائمه ونصرته وإعلاء رايته.
وكلما كبرت تلك الزهرة اليانعة؛ كلما ارتقت في وعيها ودينها وأخلاقها وتصرفاتها، حتى بلغت أعلى درجات الكمال الإيماني والإنساني، فاستحقت أن قال عنها الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم: “فاطمة بضعة مني فمن أذاها فقد أذاني”.

ولم يكن قوله ذلك بدافع المحاباة أو المجاملة كونها ابنته؛ بل لما امتازت به الزهراء عليها السلام من قوة الإيمان ومكارم الأخلاق ومحاسن الصفات والطهر والعفاف، حتى ارتقت لتحصل على أعلى وسام (سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين)، وأصبحت بذلك في موقع القدوة لكل النساء في شتى مجالات الحياة.

فاطمة الابنة التي كانت نعم البنت في حبها واحترامها وطاعتها لوالدها، وعطفها عليه ووقوفها إلى جانبه خاصة بعد وفاة والدتها، فكانت المواسي له لشدة ما لاقاه من الكفار والمشركين، والتخفيف عنه من العبء الثقيل الذي حمله على عاتقه في سبيل إعلاء كلمة الله ونصرة دينه، حتى آخر أيام حياته صلى الله عليه وآله وسلم.

فاطمة الزوجة التي كانت خير قدوة في بيت زوجها الإمام علي عليه السلام (قرين القرآن)، الذي كونت معه أسرة مباركة حملت من القيم والمبادئ الدينية والإنسانية ما لم تنله أسرة قبلها ولا بعدها، حتى أصبحت أنموذجاً لكل الأسر المسلمة على امتداد التاريخ، لما سطرته من مواقف تعجز الأقلام عن كتابتها والحروف عن التعبير عنها، حتى استحقوا أن يكونوا منبعاً ينهل منه المسلمون تلك القيم والمبادئ، واستحقت تلك المواقف أن تُخلّد في القرآن الكريم.

فاطمة الأم التي تتعلم منها الأمهات المعنى الحقيقي للأمومة، وكيف ربت أبناءها التربية الحسنة حتى استحقوا هم أيضاً أن يكونوا خير قدوة لكل الأبناء على مر العصور، للمنزلة الرفيعة التي نالوها بقوة إيمانهم وصبرهم وتفانيهم في خدمة هذا الدين وتضحياتهم الجسيمة في سبيل إعلاء رايته ومواجهة أعدائه.

فما أحوج نساء الأمة اليوم لأن يقتدين بفاطمة الزهراء عليها السلام، وهن يعانين من أزمة الهوية الإيمانية لمدى حجم المؤامرات التي يتعرضن لها والانحرافات التي نالت منهن؛ بسعي أعدائها لفصل المرأة المسلمة عن القدوة التي يجب أن تقتدي بها، ليحطوا من قيمتها وقدرها، لتصبح المرأة بلا دين ولا قيم ولا مبادئ ولا هوية.

فذكرى مولد الزهراء عليها السلام محطة تستلهم منها المرأة المسلمة الرسالة الحقيقية لها في هذه الحياة، لترتقي في وعيها وإيمانها وأخلاقها، وتحافظ على هويتها الإيمانية التي هي سر فوزها ونجاتها.

مقالات ذات صلة