“جمعة رجب” ذكرى للنعمة الإلهية والتوفيق لدخول الإسلام

وهذه المناسبة العزيزة – الجمعة الأولى من رجب – والتي كان فيها دخول جماعي وكبير في دين الله أفواجاً على يد الإمام علي عليه السلام بقي اليمنيون على مر التاريخ يحتفون بهذه الذكرى لأنها ذكرى للنعمة الإلهية، للتوفيق الإلهي، والله سبحانه وتعالى يحث عباده على التذكر للنعم وفي مقدمتها نعمة الهدى وهي أعظم النعم على الإطلاق ونعم الله سبحانه وتعالى جديرة بالتذكر، التذكر للنعم، والتذكير بها هو عامل مساعد في التقدير لها وبالتالي الشكر للنعمة بكل ما يترتب على الشكر من المزيد من رعاية الله سبحانه وتعالى وإنعامه، نجد في القرآن الكريم تركيزًا على مسألة التذكر والذكر للنعم (اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ۚ) (اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ) (فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ) (وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّه)

(قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ)، فالتذكر للنعم ولاسيما النعم الكبرى والنعم العظيمة التي لها أهمية كبيرة في واقع الناس في الدنيا وفي الآخرة، نعمة الهداية لها أهمية كبيرة في مسيرة الحياة في هذه الدنيا وفي المستقبل الأبدي والدائم في الآخرة .

 

فشعبنا العزيز على مر التاريخ يستذكر هذه النعمة ومثلما قلنا في بداية الكلام من أهم ما نستفيد منه لتذكرنا لهذه النعمة هو التركيز على ترسيخ الهوية الإيمانية لشعبنا العزيز، هذه مسألة من أهم المسائل النبي صلوات الله عليه وعلى آله روي عنه أنه قال: (الإيمان يمان والحكمة يمانية) تلكم هي هوية هذا الشعب هوية إيمانية، الإيمان والانتماء للإيمان، الإيمان في مبادئه، الإيمان في قيمه، الإيمان في أخلاقه الإيمان في تشريعاته وتعليماته، هو الهوية التي نبني عليها ثقافتنا وانتماءنا وأخلاقنا ومواقفنا وسيرتنا في هذه الحياة، نبني عليها مشروعنا في هذه الحياة وتوجهنا في هذه الحياة وهذه هي أشرف وأسمى هوية.

 

نحن في السنوات الماضية في مثل هذه المناسبة أشرنا إلى أن كثيراً من الشعوب والأمم في كثير من بقاع الأرض تتمسك بهويتها المعتمدة على كثير من الخرافات والأباطيل وهو حاصل إلى حد اليوم، أما نحن فهذه من أعظم النعم، هوية مشرفة وعظيمة ولها أهمية كبيرة في واقع الحياة وثمرة طيبة بقدر ما نرسخ هذه الهوية ونرتبط بها بقدر ما تتحقق لنا نتائج مهمة في واقعنا التربوي والأخلاقي والعملي، وكذلك في واقعنا في الحياة، مسيرة حياتنا في جانبها الحضاري وفي شتى الجوانب والمجالات فإذن هذه الهوية الإيمانية التي مثلت أهمية كبيرة في صناعة دور هذا الشعب في ماضيه وفي حاضره وفي صناعته في المستقبل والتي إن أضعناها ضعنا وإن فقدناها خسرنا وإن تخلينا عنها كنا متنكرين للنعمة، جاحدين للفضل وخاسرين في حياتنا.

 

عندما نأتي إلى هذه الهوية في كل جوانبها الرئيسية نجد تجلياتها، تجليات هذا الانتماء الإيماني في مسيرة شعبنا في كل جوانب حياته ونتحدث ونستعرض نماذج محدودة على طريقة القرآن الكريم بالاهتداء بالقرآن الكريم عادة ما يعرض لنماذج حتى عندما يعرض لنا المواصفات الإيمانية ويتحدث لنا عن المؤمنين يركز على نماذج رئيسية لأن الجانب الإيماني هو يشمل كل واقع الإنسان، ولكن يمكن في الحديث أن نركز على نماذج رئيسية تدل على بقية التفاصيل وعلى بقية المواضيع، لما نستعرض نماذج رئيسية نأتي أولاً إلى الجانب الروحي وهو جانب أساسي في الهوية الإيمانية وفي الانتماء الإيماني وفي الواقع الإيماني للإنسان.

 

شعبنا العزيز أول ما نتحدث عنه عن هذا الجانب الروحي المتعلق في واقع شعبنا وفي روحية شعبنا العزيز يمكن أن نستفيد، ومن خير ما نستفيد منه في هذا الجانب هو ما ورد عن رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله للوصف لأهل اليمن عندما قال فيما روي عنه (أرق قلوباً وألين أفئدة) هذا النص مهم في التعبير عن الجانب الروحي، الجانب الروحي والمعنوي والنفسي أهم ما فيه هو القلب، المشاعر الداخلية للإنسان ثم يأتي ما يترجم هذه المشاعر، وما يعبر عن هذه المشاعر في الأعمال في السلوكيات في الشعائر الدينية وسنتحدث عنها باختصار إن شاء الله.

 

أرق قلوباً وألين أفئدة في مقابل أن هناك آخرين ممن هم قساة القلوب ممن يتصفون بقسوة القلوب، هذه المشاعر الرقيقة الإنسانية لها أهمية كبيرة جداً في تفاعل الإنسان مع هدى الله في تأثره بهدى الله سبحانه وتعالى، لأن الإنسان إذا كان قاسي القلب فهو بعيد عن التفاعل مع الهدى والتقبل للهدى بعيد عن المشاعر النبيلة والمشاعر الإنسانية التي تجعله قريباً من الفطرة وبالتالي قريبا من الدين في قيمه في أخلاقه في تعاليمه، هذه المشاعر المعبَّر عنها برقة القلوب ولين الأفئدة هيأت الكثير من أبناء شعبنا العزيز من رجاله ونسائه لأن يكونوا على درجة عالية في علاقتهم بالله سبحانه وتعالى، القلوب الرقيقة والأفئدة اللينة هي قريبة من التفاعل مع الله سبحانه وتعالى قريبة من أن تحمل مشاعر المحبة والتعظيم والخشية والخشوع والخضوع لله سبحانه وتعالى، ولهذا نرى أيضاً أنه ورد في ما يتعلق بنص قرآني مهم هو قول الله سبحانه وتعالى (فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ) أن أهل اليمن هم من  مصاديق هذا النص من أهل اليمن من يكونون ضمن القوم هؤلاء المصاديق لهذا النص القرآني المبارك، وفعلا بهذه القلوب والمشاعر الرقيقة القريبة للتفاعل والتأثر مع هدى الله سبحانه وتعالى، قلوب مهيأة لأن تمتلئ بحب الله سبحانه وتعالى عندما تُذكّر بالنعمة عندما تعرف الله في عظمته في ما عرف به نفسه في كتابه المبارك وعن طريق نبيه الكريم تتأثر، تتفاعل، تحب، تنشد/ ليست قلوباَ قاسية ليست قلوباَ مقفلة ومغلًّقة.

 

كذلك على مستوى التفاعل الوجداني، الذي تتجلى تعبيراته في الاهتمام بالشعائر الدينية، بالإقبال إلى ذكر الله، بإحياء فرائض الله، بدءاً من الاهتمام بالصلاة، من عمارة المساجد، بالذكر لله سبحانه وتعالى، والجو الذي كان سائداً على مر الزمن وعبر القرون في المساجد الكثيرة جداً المنتشرة في بقاعنا اليمنية، والتي كان الإقبال عليها كبيراً، والجو فيها جو ذكر لله سبحانه وتعالى، إحياء للصلوات إحياء للأذكار عقب الصلوات بشكل جماعي، إحياء للصلوات الإبراهيمية ما بعد صلاة العشاء وما بعد صلاة الجمعة.

 

عناية بالذكر بشكلٍ بارز عناية بالمناسبات الدينية واهتمام كبير بها بكل المناسبات الدينية، عناية فائقة بشهر رمضان المبارك وإحياء لهذا الشهر المبارك بتلاوة القرآن، بالنوافل، والمستحبات، عناية والتزام كبير بصيامه وقيامه، روحانية بارزة يعيش هذا الشعب في ذكره لله، في إحيائه للشعائر والمناسبات.

 

حتى هذه المناسبة (جمعة رجب) الاهتمام بها يأتي في هذا السياق من هذه الروحية في الإقبال إلى الله، من القلوب والمشاعر والوجدان والتفاعل مع كل ما يعبر عن هذه الروحية، كذلك نجد تجليات لهذا الجانب على مستوى التفاني في سبيل الله سبحانه وتعالى والإقبال إلى الله سبحانه وتعالى في شتى مجالات الحياة، هذا على المستوى الروحي.

كلمة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي بمناسبة جمعة رجب 1440هـ

مقالات ذات صلة