القرآن يتحدث عن معاناة رسول الله وهو في مكة يواجه الكافرين ويصدع بما يؤمر

|| من هدي القرآن ||

 

فالقرآن الكريم هو في هذه المرحلة معرض لحرب شديدة، ونحن معرضون لثقافات متعددة، عندما تنـزل (ملزمة من وزارة الأوقاف) تثقف الناس حول طاعة ولي الأمر، تجمع كل تلك الأحاديث التي لا يقبلها حتى ولا الأمريكيون، لا يقبلها حتى ولا الأوربيون، بوجوب طاعة الحاكم وإن كان ظالماً، وإن كان غشوماً، وإن كان لا يهتدي بهدي ولا يستن بسنة، وإن أخذ أموال الناس، وإن استبد بخيرات البلاد له ولأسرته، يجب أن تسمع وتطيع وتصبر وتسأل الله ما لك وأَدِّ ما عليك، أدّ زكاتك، وأدّ ضريبتك، وعندما تقول نريد كذا ؟. لا. اسأل الله، ولا تعترض، ولا تنقد إلا إذا تمكنت أن تأخذ بيد الحاكم وتحادثه وتشاوره سراً، أما أن تنقد، أما أن تعترض، أما أن تهاجمه. فلا، هذا يعتبر تشهير بالسلطان، لمن هو ظل الله في أرضه وهكذا.

ملزمة تنـزل وتعمم، ويُراد منها أن يتثقف بها الخطباء والمرشدون؛ ليخاطبوا المجتمع بها، هذا شيء مما يُعد حرباً للقرآن نفسه، وتمهيداً لأن يسيطر علينا عملاء أمريكا، وتمهيداً لأن يحكمنا حتى اليهود أنفسهم.

من العجيب أن هذه الملزمة نفسها في آخرها لم يكتفِ بمسألة أن تسمع وتطيع للحاكم الظالم، بل وحتى وإن كان هناك كفراً وهيمنة كفر، أنت يمكن أن تعيش في ظله، عندما ترى نفسك، عندما يرى الناس أنفسهم أنهم لا يستطيعون أن يزيلوا هذا الكفر، إذاً فليعيشوا وبسْ، فيكذبون على الناس كذبه رهيبة جداً، وقد يُخدَع الناس بشكل كبير عندما لا يفهمون.

قالوا (رسول الله هو عاش في ظل الكفر ثلاثة عشر سنة في مكة). أليست هذه من تقديم حياة رسول الله الجهادية، حياة وهو يصدع بما يؤمر، حياة وهو يباين أقاربه، ويباين قومه، حياة وهو يُعذَّب أصحابُه، وهو يلصق به أسوأ التهم، تارة يقولوا شاعر، وتارة يقولوا مفتري، كذاب، ساحر، ويقولون عن القرآن الذي جاء به أساطير الأولين، وهو يتصارع مع أولئك تفسر في الأخـير أنها ماذا؟ أنها عيش في ظـل نظـام الكفر، فكمـا عاش ثلاثة عشـر عاماً – وهو النبي – إذاً ممكن كلنا نعيش في ظل الكفر. ماذا يعني هذا؟.

هذا يعني خطوة أولى تمهيداً لهيمنة اليهود علينا، فيكون لدى الناس قابلية لهيمنة اليهود؛ لأنه الآن هناك نظرة قائمة إكبار لأمريكا وإسرائيل، حينها أي واحد سيقول: نحن لا نستطيع أن نعمل شيئاً. أما إذا قد قُدِّمت على هذا النحو إذاً فبالإمكان أن تعيش ولا مسؤولية عليك في ظلهم، أما إذا قالوا لك رسول الله هو كان هكذا، إذاً فالجنة مفتحة لك أبوابها، وإن كان الشر هو الذي يحكمك.

هذا شيء سيئ جداً، وسيئ جداً أن ينـزل من إدارة هي معنية بالوعظ والإرشاد في عموم الجمهورية كلها، وأن تنـزل نزولاً ليس تلقائياً إلى المكتبات، بل نزولاً في دورات تأهيلية تدريبية لمرشدين وخطباء لينطلقوا ليثقفوا الناس هم بهذه الثقافة، أليس هذا إبعاداً للناس عن روح القرآن؟ الذي يأمر الناس بمواجهة أعداء الله، بمواجهة الكافرين، الظالمين، الفاسقين، أهل الكتاب، أن يكونوا عمليين مجاهدين {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} (التوبة:29) يعطونها وهم يعترفون بأن أيديكم فوق أيديهم، يعترفون بصَغارهم تحت هيمنتكم، {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ}.

عندما تخرج من قراءة تلك الملزمة، وعادةً القارئ يكون أقرب شيء ملاصقة لذهنه آخر ما يخرج به من كتاب معين من ملزمة معينة، فكان آخر ما تخرج به من تلك الملزمة هو ماذا؟ كلام (للفوزان وللألباني) الذي كان عالم السنة قبل فترة، وعالم معتمد في تصحيح الأحاديث وتضعيفها – عندهم – أنه قال هو بالحرف الواحد (أنه لا يجوز الخروج على الكافر المقطوع بكفره إطلاقاً) – بالعبارة هذه – عندما يكون الناس في وضعية يرون أنفسهم أنهم لا يستطيعون أن يزيلوا الكفر،،

نعم .. كان ممكن أن تترك الكلام إلى هذه الدرجة، أما أن تقول فقد عاش رسول الله في ظل هيمنة الكفر ونظام الكفر ثلاثة عشر عاماً، هذا مسخ للحقيقة، وهذا إساءة للرسول (صلى الله عليه وعلى آله وسلم)،

القرآن يتحدث عن معاناة رسول الله وهو في مكة، عما كان يعانيه من صراع مع الكافرين، وهو مباين للكافرين، كيف يقال بأنه عاش في ظل نظام الكفر وهو يدعوهم بالحرف الواحد إلى أن يطيعوه؟!. هو رسول الله إذاً يجب عليهم أن يطيعوه، يجب أن يتخلوا عما هم عليه، لدرجة أنه لم يقبل منهم مجرد أن يكون حاكما عليهم على ما هم عليه. ألم يعرضوا عليه أن يحكمهم إذا أراد أن يكون ملكاً ؟.

المسألة أرقى من أن يكون ملكاً، فكيف يقول هذا بأنه عاش في ظل هيمنتهم، وهم قد بلغ بهم الحال، وأوصلهم هو إلى درجة أن يعرضوا عليه أن يكون ملكاً عليهم؟!. المسألة أرقى من هذه، هي أن يطيعوه نبياً يأتمروا بأمره، يهتدوا بهديه، يتخلوا عما هم عليه. أليس هذا قمّة الصراع.

مسألة أنه لم يدخل معهم في قتال ميداني؛ لأنه لم يتوفر له جنود، لم يتوفر له أنصار، وإلا فكان يفكر، وكان يعرض نفسه على القبائل من الذي سينصره، ما معنى (سينصره)؟ أن يقف في وجه الكافرين فيضربهم، فعلاً،

ثم يقال عنه في الأخير: كان يعيش في ظل هيمنة الكفر. وهي عبارة ستخدع الناس؛ لأن كثيراً من الناس لا يعرفون سيرة رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم).

عاش في مكة ثلاثة عشر سنة لأنه كان رسولا إلي الكفار في مكة، كل نبي يبعث في وسطٍ كافر، هل يمكن أن تقول: إذاً فالكفر هو قضية يمكن العيش في ظلها؛ لأن كل الأنبياء كانوا يبعثون في ظل وسطٍ كافر، وفي مجتمع كافر؟. ماذا كان يعمل النبي ؟. ألم يكن النبي عبارة عن ثورة على هذا المجتمع؟ عبارة عن خروج على واقع هذا المجتمع؟. يصرِّح، يصدع بما يؤمر، يجاهد، يتحداهم {فَأَجْمِعُواْ أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءكُمْ} (يونس71) {قُلِ ادْعُواْ شُرَكَاءكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلاَ تُنظِرُونِ} (الأعراف: 195) هذا منطق الأنبياء، ثم يقول في الأخير هذا يعتبر مبرر شرعي لأي إنسان مسلم يعيش في ظل الكفر!!.

هيمنة أمريكية الناس مقبلون عليها لليهود، هذا من التمهيد لها؛ سواء شعر الذين كتبوها ووزعوها أو لم يشعروا؛ لأنه في الأخير ماذا؟ إذا كنت أنا وأنت أو أي إنسان سمع هذا الخطيب الذي قرأ هذه الملزمة وتأثر بها، أنه يمكن أن يعيش في ظل الكفر.

معلوم أن اليهود النصارى درجة ثانية عند أهل السنة، هم لا يصنِّفونهم كمشركين كما نصنِّفُهم، يعتبرون أنهم فوق الكافرين، لا زالوا أحسن من الكفار، ويُعتبر اليهود والنصارى عند كثير من المسلمين، لا يزالوا أحسن من الكفار، أهل الكتاب وضعية أحسن، فإذا كان قد جَوَّزَتْ وسوَّغَتْ لي تلك الملزمة أن أعيش في ظل الكفر الصريح فبالأولى في ظل اليهود، فسيحكمنا اليهودي ونحن لا نشعر بحرج، أقول: لماذا يحكمنا ؟. قالوا: نحن لا نستطيع أن نعمل ضده شيئاً.

هذا ما قلناه سابقاً أنه لا يجوز، ولا يجوز بحال أن نتعامل مع القرآن من منطلق مشاعرنا وتقييمنا نحن للوضع بالشكل المغلوط، فنعكس ضعفنا على القرآن؛ لأنه هكذا صنعت هذه النفسية بالشخص الذي قدم لنا مثل تلك الملزمة، ضعيف قدم للناس ما يبرر حالة الضعف، فما يبرر حالة الضعف هو يعطي ماذا؟ يعطي تمهيداً للكفر، للشرك، للفساد، لليهودية، للنصرانية أن تهيمن؛ ولهذا قلنا إنه يجب أن نتعامل مع القرآن بروحية عالية، نتعامل معه وفق منطقه، نتركه هو يعلمنا ويزكينا، لا أن نأتي إليه فنميته ونجمِّد آياته ونقدمه للآخرين ميتاً، هكذا سيكون الإنسان الذي يحمل علماً في الأخير كل ضعفه كل تقديراته، كل ثقافته المغلوطة، في الأخير يخدم ماذا؟ يخدم أعداء الله.

أليس من يثقف الناس بهذه الثقافة سيصنع لديهم ذهنيةً تجعلهم قابلين لهيمنة اليهود؛ لأن كل واحد من الناس يقول: نحن والله ما نستطيع أن نعمل شيئاً، ليس لدينا قنابل ذرية. فكل شخص يكتفي بأنه ينظر فيقارن بينه وبين أمريكا وإسرائيل، أمريكا تمتلك قنابل نووية، نحن لا نمتلك هذه، إذاً فلنعيش في ظلهم، وليس علينا أي حرج أمام الله.

ستكون القنبلة الذرية هي نفسها أقوى من القرآن الكريم، تمنحك شرعية أن تعيش في ظل الكفر ولا تنفع القنابل القرآنية، ولا تنفع الآيات القرآنية أن تشدك إلى العمل في مواجهة الكفر.

لاحظوا كيف تُقدم المسألة في الأخير، سيكون اهتمام هؤلاء بالثقافة التي تهيئ المجتمع الإسلامي – من حيث يشعر أولئك أو لا يشعرون – لقابلية هيمنة اليهود، وهي المرحلة في الواقع التي يفترض القرآن أن يكون عملَ العالِم عمل المرشد الخطيب كل إنسان مسلم أن يحرك الآخرين ويدعو الآخرين ويوعيهم توعية جهادية، تربية جهادية، لأن يحملوا مشاعر التصدي لأولئك فيكونوا مستعدين أن يقفوا في وجوههم، هذه هي المرحلة التي يجب أن تكون الثقافة فيها والتوعية فيها على هذا النحو.

[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]

دروس من هدي القرآن الكريم

ملزمة (الثقافة القرآنية)

ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي / رضوان الله عليه.

بتاريخ: 4/8/2002م

اليمن – صعدة.

مقالات ذات صلة