بين أنصار الله وحزب الله (قراءة مختصرة في التعاون وانعكاساته على القواعد الشعبية وارتداداته على العدوّ)

هاشم الضيقة

 

لا يخفى على متابع مدى الارتباط الوثيق بين أنصار الله في اليمن وحزب الله في لبنان. علاقةٌ لم تنشأ من تقاطع في المصالح الزمكانيّة كما هو حال الكثير من العلاقات الديبلوماسيّة في الفضاء السياسيّ، وإنّما تضامنٌ تضربُ جذورُه في أعماقِ مدرسةٍ واحدةٍ تُعدّ مَشربا ومُنطَلقًا واحدًا لكلٍّ منهما.

تلاقٍ لا يُنكر – بمستوى معيّن – بين أنصار الله والحزب في مراحل سابقة، إلّا أنّه لم يكن واضحا قبل عدوان التحالف السعودي/ الأمريكي. وقد برز بشكل جليّ في المواقف التي أطلقها السيد حسن نصر الله مع شروع العدوان السعوديّ[1]، والتي قوبلت بمواقف عزيزة من السيد القائد عبد الملك الحوثي الذي أعلن وقوفه إلى جانب الحزب في مواجهة العدو الإسرائيليّ[2]. هذا، وإذا رجعنا إلى جذور النشأة لأنصار الله نجد في دروس المؤسّس الملهِم السيد الشهيد حسين الحوثي كلاما متكررا في العديد من المحطّات عن حزب الله، بل كان يتابعُ مع بعض النّخب الإعلامَ الرسمي للحزب، والبرامج ذات الصلة بالشأن السّياسيّ ويعقدون الجلسات لمناقشة التّطوّرات التي تشهدها السّاحة اللبنانيّة والفلسطينيّة في مواجهة العدو الصّهيونيّ والمشاريع الأمريكيّة.

كما أنّ السّيد المؤسِّس كان يستشهد بالإمام الخميني في بعض دروسه، وهو الذي يشكّل مَعلَما أساسيا في حمل مشعل الصحوة في العالم، ويعد المَدرَسَ الأساسَ لانطلاق حزب الله في لبنان، قال الشهيد السيد حسين الحوثي: “الإمام الخميني فهم عمق المشكلة، وواقعها، وفي نفس الوقت قدم الرؤية العملية في الحل”[3].

هي علاقةٌ وطيدة على الرغم من الجغرافيا الممتدة،أمر لائق بتسليط الضّوء عليه، يدفعنا لتحليل منشأ التّعاون الذي يكمن في نقاط الاشتراك بحسب ما نرى، لنحلّل بعد ذلك الآثار التي يتركها على القواعد الشّعبيّة والتّنظيميّة لكل من أنصار الله والحزب، ثمّ الارتدادات التي يخلّفها على العدوّ.

جهات الاشتراك

لعلّه من المتعسّر استيفاء حيثيات الاشتراك بين أنصار الله وحزب الله في هذا المختصر، إلّا أنّه بالمستطاع أن نقف على أهمّها والتي تُعدّ منشأ لمساحة واسعة من التّلاقي بينهما:

البُعد العقائديّ والدينيّ: تتبنّى العديدُ من الحركاتِ السياسيّة والجهاديّة في عالمِنا الإسلاميّ الإسلامَ كدينٍ ومنهج تسير على أساسه بحسب ما يزعم بعضها ويرى بعضها الآخر، ولكننا عندما نتحدّث عن أنصار الله وحزب الله سيكون الأمر مختلفا نوعا ما، ويرجع ذلك إلى أنّ المدرسة التي يقوم عليها كلّ منهما هي مدرسة أهل البيت (عليهم السلام)، أضف إليه والأهم الثورة الحسينيّة والزيدية وما تلاهما، فإنّ لهذه الثورات وَقع خاصّ على الثّقافة والهوّية لكلٍّ من أنصار الله والحزب. ويُعدّ هذا البُعد من أهمّ جهات الاشتراك التي تنعكس طُرًّا على حيثيّات اشتراك أُخَر.

البُعد الجهادي وتبنّي خيار المقاومة: يتجلّى التّثقيف الديني في كلٍّ من أنصار الله والحزب في الأداء السّلوكيّ الذي يظهر بجهاد المستكبرين المعتدين، ومجابهتهم في كلّ بقاع الأرض بحسب القدرات، حتى ولو بكلمة تُقال. ويُعد موقفهما من القضيّة الفلسطينيّة والعدو الإسرائيليّ خير شاهد ودليل، وكذلك موقف حزب الله من الاعتداء السعوديّ/ الأمريكيّ على اليمن، والشواهد أكثر من أن تذكر في مثل هذا المختصر. ففي الوقت الذي تبنّت فيه بعض الحركات أو الأحزاب خيار المُساوَمة مع العدوّ الإسرائيليّ والأمريكيّ ومشاريعهما في المنطقة، تبنّى كلٌّ منهما خيار المُقاوَمة.

وبحسب ما نرى أنّه انطلاقا من البُعد الأول والثاني وُسِمَ أنصار الله بالمشروع القرآني حيث إنّها تغترف من معين القرآن لتعالج المآثم والمآزم، وأمّا حزب الله فقد وُسِم بالحركة الإيمانيّة الجهاديّة.

البُعد المتعلّق بالمبادئ والأهداف: ينطلق كلٌّ من أنصار الله والحزب من مبادئ شبيهة للغاية، سواء في ما يتعلّق بالقيادة والمنهج، أو الرؤية العالميّة ونصرة مستضعفي الأرض، أو الوحدة الإسلاميّة ونبذ الطائفيّة، أو التمسك بمحور المقاومة في المنطقة، هذا على صعيد المبادئ، وأمّا على صعيد الأهداف البعيدة فيشتركان في السعي لإيجاد دولة الاقتدار والعزّة والسيادة في وطنَيهما، وإرساء القيم الإسلاميّة والأخلاق الدّينيّة السّمْحة.

المقبوليّة: يحظى كلٌّ منهما بتأييد وولاء منقطعَي النّظير من قواعدهما الشعبيّة، وثقة قويّة بالقيادة، وفي الوقت نفسه ترى القيادة نفسها خادما لشعبها. علاقة وطيدة ملؤها الولاية، ولا أجد حاجة في الإشارة إلى أنّ منشأ هذا الولاء المشترك بين كلٍّ منهما وقواعده هو التّثقيف على طبق مدرسة أهل البيت (ع)، بالإضافة إلى التّوفيق الإلهيّ الّذي حظيا فأثمر نجاحات وانتصارات في ميادين كثيرة. فقد لعب هذان الأمران – أي التّثقيف الدينيّ من جهة والتّجربة الناجحة – دورا هامّا في توسيع الدائرة الشعبيّة وفي توطيد عُرى الولاء بين الجماهير والقيادة.

العدوّ المشترك: تعمل بعض حركات المقاومة الجادة في منطقتنا وفي طليعتهم أنصار الله وحزب الله على إضعاف عدوّ واحد، وهو المشاريع الأمريكيّة وعملائها في المنطقة إسرائيل والسعوديّة وغيرهما من الدول المتواطئة على شعوبها، بل كان هذا العدو أحد أسباب تأسيس كلٍّ من أنصار الله والحزب.

هذا أهمّ ما نجده من نقاط الاشتراك، وإلا فهي أكثر من أن تحصى.

آثار التّضامن على قواعد كلٍّ من أنصار الله والحزب

ثمّة آثار تنعكس إيجابا على القواعد الشعبية لكلّ منهما، وتشكّل عامل استقطاب واستنهاض للأمم المستضعفة الأخرى:

المدد الغيبيّ والعون الإلهي: يعتقد المسلمون أنّ جبهتهم منتصرة دائما لأنّهم ينطلقون من التّكليف الشرعيّ ومن رؤية أشمل لعالم الوجود، أي يعم الطّبيعة وماوراءها. قال تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِن تَنصُرُواْ ٱللَّهَ يَنصُرۡكُمۡ وَيُثَبِّتۡ أَقۡدَامَكُمۡ ﴾[4]، وهو خطاب جماعيّ لكل المؤمنين، والمدد هو تثبيت الأقدام. وفي آية أخرى: ﴿ ثُمَّ أَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُۥ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ وَعَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودٗا لَّمۡ تَرَوۡهَا وَعَذَّبَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْۚ وَذَٰلِكَ جَزَآءُ ٱلۡكَٰفِرِينَ ﴾[5] لقد خاطب الله في هذه الآية المؤمنين جميعا – أيضا – فإذا ضممناها إلى قوله ﴿ وَلَا تَنَٰزَعُواْ فَتَفۡشَلُواْ وَتَذۡهَبَ رِيحُكُمۡۖ ﴾[6] ستكون النتيجة أنّ هذا النّصر الحتمي حليف المؤمنين مجتمعين؛ فإنّ اجتماع المؤمنين في جبهة واحدة يكون سبب نزول السكينة عليهم جَمْعا ومدّهم بالجنود الغيبيّين.

تضافر القوى والجهود: قال تعالى: ﴿ وَلَا تَنَٰزَعُواْ فَتَفۡشَلُواْ وَتَذۡهَبَ رِيحُكُمۡۖ ﴾ ومفهوم هذه الآية هو أنّ عدم التنازع والتّفرّق سيكون سببا بعدم الهزيمة، فهي تحثُّ على تضافر الجهود والقوى، ومن هنا سيكون الوصول إلى الهدف أقرب، والجهدُ أمضى بالعدوّ، وهذا أمر بديهيّ. وقد ورد في آية آخرى تصف حال جميع المسلمين: ﴿مُّحَمَّدٞ رَّسُولُ ٱللَّهِۚ وَٱلَّذِينَ مَعَهُۥٓ أَشِدَّآءُ عَلَى ٱلۡكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيۡنَهُمۡۖ﴾[7].

نقل التجارب والخبرات: قال تعالى: ﴿ وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا ٱسۡتَطَعۡتُم مِّن قُوَّةٖ ﴾[8] ولا ريب أنّ الاجتماع والتحالف من مصاديق الإعداد، وتناقل الحزب وأنصار الله الخبرات العسكرية والإعلامية والثقافية وغيرها في ما بينهما، هو من مصاديق نقل التّجارب، وبالتّالي إثراء للقوة وتعزيزها لدى كلا الجهتين في جبهة واحدة لمقارعة الاستكبار.

تعزيز روح الأمل والعزيمة: إنّ اجتماع قلوب المؤمنين على عدوّ واحد ومشروع فارد، يعزز روح الأمل بين الشّعوب المؤمنة، ويمدّهم بالرّوحيّة والعزيمة، ولا يترك للعدوّ ثغرة يتسلل منها للتأثير على الإرادات، وشنّ حربٍ لكيّ الوعي، وهذا أمر مشهود بالوجدان.

التمهيد لإعادة بناء الأمة: لقد كان وجود الأعداء والظّلّام سببا في نهوض هذه الأمم ومنها الأمة اليمنيّة واللبنانيّة، وقد كان السيد المؤسس حسين بدر الدين الحوثيّ (رض) يرى أنّ حالة العداء تعتبر إيجابيّة في خلق دافع قويّ لبناء الأمّة[9] وتحويل التّهديد إلى فرصة، والتّضامن والتّعاون بين أنصار الله والحزب مقدمة طبيعيّة لإعادة بناء الأمّة وتأهيلها من جديد.

ارتدادات التّضامن على العدو

يخلّف التّعاون بين أنصار الله والحزب ارتداداتٍ قاسية على العدوّ المشترك، ومن أهمّها:

إرهاب العدو وإخافته: فإنّ إرهابه وإخافته وإثارة الذّعر في صفوفه، هو من الحرب النّفسيّة القاصمة، قال تعالى: ﴿ وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا ٱسۡتَطَعۡتُم مِّن قُوَّةٖ وَمِن رِّبَاطِ ٱلۡخَيۡلِ تُرۡهِبُونَ بِهِۦ عَدُوَّ ٱللَّهِ وَعَدُوَّكُمۡ وَءَاخَرِينَ مِن دُونِهِمۡ لَا تَعۡلَمُونَهُمُ ٱللَّهُ يَعۡلَمُهُمۡۚ ﴾[10]، والتّعاون في جهاد الظّالمين هو من أهمّ مصاديق الإعداد الذي يلقي الرّعب في قلوب المعتدين، كما أنّه من خير البرّ الذي ينبغي تحصيله.

ومن هنا، تجد قوى التحالف وقفت في وجه حزب الله عندما تبنّى موقفا مناهضا للعدوان السعودي على اليمن، فقد قام العدوّ بهجومات متعددة ضد الحزب وعلى مستويات عدّة؛ سياسيّة، اقتصاديّة، وإعلاميّة، حيث حجبت قوى العدوان إعلامَه عن الأقمار الاصطناعيّة، ولم تألُ جهدا في محاربته. كذلك وقوف أنصار الله إلى جانب حزب الله في حربه ضدّ الكيان الصّهيونيّ، فقد أثارت اهتماما بالغا لدى إعلام الكيان الغاصب.

وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ أشكال هذا التّضامن والتّعاون قد تتغاير، حيث تبدأ من الموقف الخطابيّ إلى المشاركة الميدانيّة في الحرب، فكلّها من مصاديق التّعاون.

إلحاق الهزائم بالعدوّ أو تعجيله: من أهمّ الارتادادات السلبيّة الأخرى التي تأتي عن طريق التّعاون هي إلحاق الهزيمة بالعدوّ المشترك، ويتّضح هذا الأثر من خلال كلّ ما تقدّم من النّقاط.

كلمة أخيرة

بعد هذا العرض نستخلص التالي:

تبيّن في المقدمة بعض أشكال التعاون الذي حصل بين الحزب وأنصار الله، كما أنّنا أشرنا إلى تعرّض مؤسس أنصار الله في دروسه لحزب الله، وذكره مرارا كنموذج جيد لحركات النهوض.

نعتقد أنّ تحليل منشأ آثار التّعاون على الجماهير الشعبية لكل من أنصار الله والحزب، وارتداداته السلبيّة على العدوّ، يبدأ من نقاط الاشتراك بينهما، فقدمنا المقالة بالحديث عن أهمّ نقاط الاشتراك.

تعرّضنا للآثار الإيجابيّة التي يتركها التعاون على الجماهير الشعبية وأحصينا حوالي خمس نقاط، ومن ثمّ الارتدادات السّلبيّة التي ذكرنا أهمَّها.

الجدير بالإشارة في النّهاية نقطة اشتراك أخرى لم نشر إليها في المتن، وهي أنّ كلًّا من أنصار الله والحزب قدّم نموذجا راقيا في العمل السياسي والجهاديّ على الصعيد الأخلاقيّ والقيميّ، حتّى مع العدوّ فضلا عن الصّديق. وإن شاء الله نوفّق لكتابة مقال يطال هذه المسألة، أي النّموذج السياسيّ الإسلاميّ القيميّ الذي قدّمه كلّ من أنصار الله وحزب الله في بلدانهم والعالم العربي والإسلاميّ.

والحمد لله رب العالمين.

1 – شعبان – 1441 ه

26 – أذار – 2020م

[1] خطاب الأمين العام لحزب الله في مهرجان التّضامن مع اليمن، 17-4-2015م.

[2] خطاب للسيد القائد عبد الملك الحوثي بمناسبة الذكرى السنوية للصرخة، 20- تموز – 2017م.

[3] محاضرة يوم القدس العالمي، الشهيد السيد حسين بدر الدين الحوثي.

[4] محمد: 7.

[5] التوبة: 26.

[6] الأنفال: 46.

[7] الفتح: 29.

[8] الأنفال: 60.

[9] قراءة في المشروع القرآني للشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي، فاضل محسن الشرقي، ص57.

[10] الأنفال: 60.

مقالات ذات صلة