إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ

| |من هدي القرآن ||

هذا القرآن لا يمكن أن يأتي أحد بمثله: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ) (الإسراء: من الآية88) والقرآن كله من ألفه إلى يائه ما هو؟ هداية، يهدي للتي هي أقوم؟ {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} هداية للبشرية جميعاً، في جميع مجالات الحياة، مهما تشعبت، مهما اتسعت، مهما اتسعت وتشعبت، يبدو القرآن أوسع.
من الغريب عندما تسمع أحياناً عندما يقول لك بعض الناس: هذا العصر اتسع، والشؤون اتسعت، لازم نحاول نؤقلم الدين، يتكيف مع مظاهر هذا العصر، وإلا قد يتجاوزه الزمن، تتجاوزه الحياة، يتجاوزه التطور!. مهما تشعبت الحياة، مهما تقدمت الحياة، مهما اتسعت عمارة الأرض، يظل الإسلام أوسع، ويظل القرآن أوسع، وأشمل، وأكمل. هذا شيء لا شك فيه.
إنما الإنسان هو، المشكلة من داخله هو، أننا لم نستطيع أن نفهم عظمة هذا الدين، وأن نعرف كمال هذا الدين؛ حتى ننشد إليه أكثر، ونثق به أكثر، ونرتبط به، ونحرص عليه، ونعمل على رفع رايته، والجهاد من أجل إعلاء كلمته، والدفاع عنه.
عندما يقول الله سبحانه وتعالى في هذه الآية: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ} التاء هنا هو ضمير يعود إلى الله، وهو الكامل المطلق، هو ذو الجلال والإكرام، هو الملك، هو القدوس، هو السلام، هو المهيمن، هو العزيز، هو الجبار، هو المتكبر، هو عالم الغيب والشهادة، هو الذي يعلم السر في السموات والأرض، هو الرحمن، هو الرحيم، هو الحكيم، هو العليم، الكامل المطلق سبحانه وتعالى.
عندما يقول هو: أنه أكمل شيئاً فإن هذا الشيء فعلاً يكون كاملاً، على أرقى ما يتصور الإنسان. هل يمكن أن يقدم الله سبحانه وتعالى دينا ناقصاً وهو الكامل؟ عندما يقول: إنني أكملت لكم هذا الدين، فبقدر ما تعرف كمال الله سبحانه وتعالى فإن دينه انعكاسا لكماله، كامل بكماله مشرَّعه، كامل بكمال من هدى إليه، ورسم منهجه.
مشكلتنا هي هذه: أننا لم نتعرف على الدين، لم نفهمه بالشكل الصحيح، بل إننا تقريباً لا نهتم به كما نهتم بأي شيء من هامش حياتنا، فتبدو النظرة لدينا وكأن الدين شيء، وشؤون الحياة شيء آخر! وكأن ما يهمنا شيء وما يجب أن نتحرك فيه في هذه الدنيا شيء، والدين شيء آخر.
الدين هو نظام لكل شيء، نظام لكل شيء. ليس هناك شيء ليس للدين علاقة به، ليس للدين وجهة نظر فيه، ليس للدين موقف منه، كل تصرفاتنا مع بعضنا بعض، مع كل ما حولنا من مخلوقات الله سبحانه وتعالى، كلها لا تخرج عن أن يكون للدين موقف فيها، كلمته فيها.
{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} لا حظوا هذه العبارات المهمة: كمال، وتمام، من الكامل المطلق سبحانه وتعالى هو أكمل، وهو أتم هذه النعمة، فلا يمكن أن تتصور أن هناك قصور في هذا الكامل، هذا الدين الذي أكمله الله، ولا قصور في هذه النعمة التي أتمها الله سبحانه وتعالى. لماذا سماه نعمة؟ لأنه يعلم سبحانه وتعالى إذا كنا لا نعلم أننا في أمس الحاجة إلى دينه، وأن حياتنا لا تستقيم إلا على أساس دينه، وأن نجاتنا لا تتحقق إلا على أساس دينه.
فهو يعلم سبحانه وتعالى أنه قدم لعباده نعمة عظيمة، وليس فقط أي نعمة من أطرف ما عنده، أو أي شيء وقعت يده عليه، تفضلوا. أتمها؛ ولهذا قال في القرآن الكريم سبحانه وتعالى، عندما يتحدث عن آياته أنه فصلها تفصيلاً، أنه تنـزيل من حكيم حميد، من حكيم خبير، {قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً}(الفرقان6) هكذا؛ ليقول لنا: هذا الشيء الذي قدمته لكم ليس على هذا النحو، لا تتصوروا أنه هكذا: قدمنا لكم أي حاجة.. الحاصل، مثل ما تقدم لواحد أي شيء، تقول تفضل، الحاصل، من أي شيء لديك.
الله سبحانه وتعالى جعل القرآن الكريم إلى الدرجة التي قال فيه: {قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً}(الإسراء88) لو فكروا جميعاً أن يتعاونوا على أن يأتوا بمثل هذا القرآن، لو لم يكن من منطلق العداء، والتحدي للقرآن، كقانون كما هو حاصل عند كثير من البشر، ينطلقون على أساس ليضعوا أفضل نظام للحياة. هؤلاء لا يستطيعون أن يأتوا بمثل هذا القرآن، ومن ينطلقوا بروح العداء والتحدي للقرآن الكريم، هم أيضاً لن يستطيعوا أن يأتوا بمثله، ولا بسورة من مثله. ماذا يعني هذا؟ أنه كامل، وأنه تام، وأنه نعمة عظيمة.
{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِيناً} ارتضاه هو، وهو من هو سبحانه وتعالى! عندما نرجع إلى القرآن الكريم الله سبحانه وتعالى يقدم نفسه لنا بأنه رحمن رحيم، هو الرحيم بنا، الذي هو عالم الغيب والشهادة، الذي هو حكيم، لا يمكن أن يرتضي لنا شيئاً إلا وهو على أرقى الدرجات التي تعتبر انعكاساً لرحمته العظيمة، مصداقاً لحكمته، ومصداقاً لرحمته سبحانه وتعالى.
{وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً}(المائدة3) قد نكون المسلمين نحن من أجهل الناس بديننا، لكن الغريب في الموضوع أن أعداءنا هم من يفهمون عظمة ما لدينا من هذا الدين، يفهمون؛ لهذا تجد أنهم وهم أعداء لنا يتجهون إلى ضرب ديننا. أليس هذا ما نشاهده؟ حملات ضد القرآن الكريم، حملات تشويهية ضد الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله)، ضد الإسلام، بصورة عامة، عمل متواصل بكل الوسائل على إقصاء هذا الدين عن واقع الحياة، على الفصل بيننا وبينه.
كل الحرب القائمة ضدنا هي تتوجه رأساً من جانبهم إلى الدين نفسه؛ لأنهم يعرفون لو اتجهوا إلى حربنا نحن كأشخاص، ولم يحاربوا ديننا فإنهم سيخسرون، لن ينتصروا إطلاقاً، وأن كل موقف مهما بدا من جانبهم قوياً وحاداً وجاداًً سيكون الرد من جانبا أكثر وأكثر، وسنستفيد من الصراع معهم أكثر وأكثر. إذا ما ظل ديننا سالماً لنا فلن يستطيعوا أبداً أن يقهرونا.
لو تلاحظوا أن هذا الدين نفسه إذا ما ظل سليماً يستطيع أن يستفيد من أعدائه، أن يجعل من يلتزمون به يقهرون أعداءهم، ويستفيدون من الصراع مع أعدائهم! ألم يقل الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِّنَ الْمُجْرِمِينَ}(الفرقان31) يبعث نبي من الأنبياء، ثم يكون هناك أعداء! هذه الآية عجيبة، قد يتصور أي واحد منا أنه كان من المفترض أن تزيح كل الأعداء من أمام هذا النبي الذي بعثته؛ ليتمكن أن ينشر دعوته، فلا يواجه بصعوبات، فكيف قلت: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِّنَ الْمُجْرِمِينَ}؟ هل من أجل أن هذا العدو يقلق النبي ويزعجه؟!.
الله يجل أنبياءه، الله سبحانه وتعالى يعظم أنبياءه، هل سيجعل عدواً يقلقه، ويزعجه، لمجرد الإقلاق والإزعاج؟.
فماذا يعني هذا؟. نقول: أن هذا الدين لسموه، لكماله، هو يحمل نفحة من مشرِّعه الذي قال عن نفسه أنه غالب على أمره، هذا الدين كذلك إذا ما ظل سليماً لأمة تحمله فإنه سيكون غالباً لكل من يناوئه، يغلب كل من يناوئه.
من الذي يمكن أن يجعل هذا العدو مصدر قوة لهذا الدين؟ مصدر قوة لجَلًبة من يلتزموا بهذا الدين؟ هي الحكمة الإلهية، هي الحكمة الإلهية التي ربما أي شيء آخر قد يبدو ضعيفاً أمام العدو، وهذا الصراع الطبيعي، الصراع الطبيعي أن عدواً قد يقهر الطرف الآخر؛ لأنه برز أمامك عدواً أنت معرض لأن يقهرك مثلاً.
لكن أما هذا الدين هو يتحدى إلى الدرجة التي يقول فيه: أنه هو يجعل أعداء في مواجهة الأنبياء؛ لأن الأنبياء أنفسهم، وهم يبلغون هذا الدين، وكذلك من يسير على دربهم، وهم يتحركون في سبيل إعلاء كلمة هذا الدين، ونشره، والدفاع عنه، والدعوة إليه هم من سيستفيدون من الصراع، يصقل مواهبهم، ينمي قدراتهم، يتجلى لهم عظمة هذا الدين كلما دخلوا في الصراع أكثر فأكثر. وهذا من الأشياء العجيبة.
الناس الذين يصارعون من أجل هذا الدين تجدهم هم أكثر الناس فهما لهذا الدين، وأكثر الناس معرفة بعظمة هذا الدين، وأكثر الناس إدراكاً لأهمية هذا الدين! من أين جاء هذا الشعور؟ من الصراع، كلما حصل صراع كلما بدا الإسلام قوياً، كلما اكتشفوا جوانب مهمة فيه، كلما اكتشفوا طاقات هائلة داخله، كلما اكتشفوا جوانب من عظمته غائبة عن الكثير ممن لا يصارع من أجله.
ألم يقل الله سبحانه وتعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}(العنكبوت69) تنكشف لهم أشياء كثيرة، يتجلى القرآن لهم بشكل أكثر مما يتجلى لآخرين قاعدين في بيوتهم، أو في زوايا مساجدهم {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}.
هذا ما يتميز به هذا الدين، وهذا ما يجعل الأعداء أنفسهم يعرفون عظمته فيتجهون أساساً لمحاولة ضربه هو، وهل يستطيعون أن يضربوه هو؟ لا، يضربوه في أنفسنا، يضربوه في واقع حياتنا، عندما نكون بسهولة قابلين لأن نتخلى عنه، نبتعد عنه، نبتعد من طريقهم وهم يتجهون إلينا، نفسح المجال لهم يفسدون كيفما يشاءون، يعيثون في الأرض فساداً.
لهذا نلاحظ دائما أنهم لو كانوا يعلمون أن هذا الدين ليست عزتنا متوقفة عليه، ولا قوتنا مرتبطة به، هو لا يمثل قوة لنا، وأنه لا يمثل عزة لنا، ولا علاقة له بوحدتنا، لما بذلوا دولاراً واحداً في سبيل محاربته، لاتجهوا إلينا شخصياً يحاربوننا بأي طريقة، تصفيات جسدية، محاربة شخصية هكذا، كما هو معروف في الصراع، لكنهم يعلمون على الرغم من أنهم يمتلكون أسلحة فتاكة، أسلحة متطورة، أن هذه الأسلحة لو توجه إلى مسلمين، ملتزمين بإسلامهم، يتحركون على أساس توجيهاته، وهديه، فإنهم سيكونون مهزومين أمامهم، مهما كانت قوتهم.
لذلك يسعون أولاً إلى نشر الفساد الأخلاقي، الفساد الثقافي، نشر ما يخلق فرقة في أوساط الناس، ما يبعدهم عن دينهم، ما يشككهم في مبادئه، ما يشككهم في كتابه، في نبيه، هكذا، هكذا حتى يهيئونا لأن يضربونا بسهولة، ومتى ما ضربونا نكون قابلين لأن نهزم، قابلين لأن نهزم أمامهم؛ لهذا تجد أن الإسلام هو الدين الوحيد في هذه المعمورة الذي يحاربه الأعداء من اليهود والنصارى.

دروس من هدي القرآن الكريم
محاضرة الإسلام وثقافة الإتباع
ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي
بتاريخ: 2/9/2002م
اليمن – صعدة
الله أكبر
الموت لأمريكا
الموت لإسرائيل
اللعنة على اليهود
النصر للإسلام

مقالات ذات صلة