التنمية الزراعية والاكتفاء الذاتي

عبدالفتاح علي البنوس

 

تضمنت الرؤية الوطنية لمشروع بناء الدولة المدنية الحديثة جملة من المحاور والمرتكزات الرئيسية التي تمثل الدعائم الرئيسية لبناء الدولة ، حيث أفردت الرؤية في جانب المحور الاقتصادي والتنموي مساحة للتنمية الزراعية والتي تعد هدفا رئيسيا من أهدافها ، شملت العديد من التوجهات والخطط والبرامج الهادفة إلى إنعاش النشاط الزراعي من خلال توفير بيئة محفزة ومشجعة على الزراعة ، وخصوصا فيما يتعلق بتنوع المحاصيل الزراعية والتركيز على المحاصيل النقدية ذات القيمة الشرائية المرتفعة ، والتي من شأن تصديرها للخارج رفد الاقتصاد الوطني بالعملة الصعبة..

 

ويعد القطاع الزراعي من القطاعات الواعدة بالخير والتي يعول عليها في تخفيض كلفة فاتورة الاستيراد التي تقصم ظهر الاقتصاد الوطني على طريق تحقيق الاكتفاء الذاتي ، والذي يمثل أحد أهم أهداف القيادة الثورية والسياسية التي تسعى لترجمتها على أرض الواقع ، وتجسيدا لهذا الهدف بدأت الحكومة ممثلة بوزارة الزراعة بالتنسيق والمشاركة مع القطاع الخاص والمجتمع باتخاذ الخطوة الأولى على طريق تحقيق التنمية الزراعية من خلال إقرار مشروع الخطة الطارئة لتنمية القطاع الزراعي في محافظة الجوف بموازنة تقديرية تبلغ 480 مليار ريال ، حيث تتضمن 22 برنامجاً رئيسياً و32 برنامجاً فرعياً ، بالإضافة إلى عشرات المشاريع والأنشطة الزراعية التي تضع ضمن أولوياتها العمل على تنمية الموارد الطبيعية واستصلاح الأراضي وتهيئتها للزراعة والتركيز على جانب تنمية وإنتاج الحبوب والبقوليات والخضروات المختلفة بجودة عالية وبكميات تغطي نسبة كبيرة من مستوى الطلب في السوق المحلية..

 

هذه الخطة من شأنها أن تسهم في إنعاش النشاط الزراعي في محافظة الجوف التي تعد من المحافظات اليمنية ذات التربة الخصبة والتي تتوفر فيها كافة مقومات النهوض الزراعي ، مساحات شاسعة من الأراضي الخصبة ، كفيلة برفد السوق المحلية بأجود أنواع الحبوب والفواكه والخضروات ، وقس على ذلك بقية المحافظات التي تمتلك ذات المقومات ولا تحتاج سوى للإرادة السياسية القوية والحريصة على المصلحة الوطنية ، لو زرعنا الأراضي الزراعية في حضرموت وأبين وذمار وإب وصنعاء وعمران ومارب وتهامة وفي بقية المحافظات لشهدت اليمن تحولا نوعيا في مسار التنمية الزراعية دون الحاجة للاعتماد على الاستيراد.

وإذا ما أردنا تحقيق ذلك فإن الحكومة مطالبة بالعمل على تشجيع القطاع الزراعي ودعم المزارعين بالبذور والأسمدة ومشاريع الري الحديث ، وتوفير أسواق محلية لتسويق هذه المنتجات لضمان عدم تعرضها للبوار ، وللحيلولة دون تكبد المزارعين خسائر كبيرة تجبرهم على التوقف عن ممارسة النشاط الزراعي ، مع ضمان تسويق الفائض منها للخارج ، مع ضرورة العمل على منع الاستيراد من الخارج لضمان عدم منافسة المنتجات المستوردة للمنتجات المحلية ، فالمزارع عندما يلمس ثمرة نشاطه الزراعي يزداد نشاطا ويذهب لتوسعة نشاطه بغية الحصول على أكبر الفوائد المالية ، ومن هنا يبدأ حلم الاكتفاء الذاتي يشق طريقه نحو التنفيذ والترجمة على أرض الواقع..

 

بالمختصر المفيد: الاهتمام بالزراعة وتوسيع نطاق رقعة الأراضي الزراعية خطوة إيجابية من شأن توجيهها بطريقة مدروسة تحقيق نهضة وتنمية زراعية غير مسبوقة في اليمن ، هناك مشاريع وتجارب مجتمعية ناجحة نفذتها بعض المؤسسات التنموية في جانب التنمية الزراعية ، وهذه بحاجة إلى الدعم والتشجيع لتطبيقها في مناطق أخرى كي تؤتي ثمارها وتحقق أهدافها ، وما دمنا ننشد الاكتفاء الذاتي فلن يتحقق ذلك إلا بزراعة كافة الأراضي الزراعية ، بحيث تقوم الحكومة بشراء هذه المحاصيل من المزارعين بهدف تشجيعهم ، حينها فقط لن نكون بحاجة إلى استيراد القمح والحبوب والخضروات والفواكه من الخارج ، لأننا سنأكل مما نزرع ، ولنا في التجربة السورية في زراعة القمح خير مثال على ذلك ، فعندما توفرت الإرادة السياسية الداعمة للاكتفاء الذاتي تحولت سوريا إلى دولة مصدرة للقمح ، ونحن في اليمن تحرر القرار اليمني من الوصاية الدولية ، ولم يعد بإمكان البنك الدولي أن يمنعنا من زراعة القمح ويربط المنح والقروض التي يقدمها بذلك ، فأرضنا واعدة بالخير ، ولو زرعناها فلن نكون في حاجة لقروض ولا منح ولا مساعدات تثقل كاهل الأجيال القادمة.

 

هذا وعاشق النبي يصلي عليه وآله.

مقالات ذات صلة