أيهما البدعة إن كنتم تعقلون؟!

منير الشامي

 

التناقُضُ قرينةٌ من قرائن الدجل والتضليل، سواءٌ أكان صاحبُه مسلماً أَو غير مسلم، شخصاً عادياً أَو شخصية اعتبارية، وقد يكون من غير المسلم أمراً طبيعياً لكن حينما يكون من مسلم فهو أمرٌ غير طبيعيٍّ بالمرة؛ لأَنَّه في هذه الحالة إن كان في شهادةٍ ألحقَ بها البطلانَ المطلق، وإن كان في عبادة أفسدها وجعلها كأن لم تكن، وإن كان في معتقد دلَّ على نفاقِ صاحبه وفضح حقيقته، وكَثيراً هي المتناقضات التي نراها اليوم في المجتمع الإسلامي ونسمع بها من مصادر مختلفة، أفراداً وأنظمة ومنظمات، ولعلَّ ذكرى المولد النبوي الشريف أكثرُ حدثٍ نجد فيه التناقض كُـلّ عام بمواقف ظاهرة، لأنظمة ودول ومنظمات دينية ورجال دين.

 

نسمع ونرى كُـلَّ عام مثل هذه الأطراف يسفّهون كُـلَّ من يُحيي ذكرى المولد النبوي الشريف، ويُحرّمون ذلك ويفتون بأن الاحتفاء بهذه المناسبة العظيمة بدعة محرمة وضلالة مهلكة تفضي بصاحبِها إلى النار، وَإذَا طُلب منهم ما حجتكم ودليلكم على ذلك، تلعثموا وتتأتوا واسودَّت وجوهُهم وصالوا وجالوا بتفكيرهم في كُـلِّ اتّجاه للبحث عن إجَابَة مقنعة، وسرعان ما يعود تفكيرُهم بخفي حنين، وأقصى ما يحتج به أعلمهم هو “ما ورد هذا الفعل عن السلف وما فعله الصحابة”، فيا الله ما أوهن حجتهم؟!

 

وفي المقابل نرى أنظمتهم ونراهم كَثيراً منهم يحيون مولد المسيح -عليه السلام- وَيستعدون له كُـلَّ عام من قبل موعده بأسابيع ينفقون فيها مئات المليارات في تزيين الشوارع والطرقات والأشجار والبيوت، بنفس الأُسلُـوب الذي يحييه اليهود والنصارى، فيا لعمري أيهما البدعة والضلالة:

 

فعالياتهم التي فيها الانحلالُ والرقصُ والانحطاط والتعري، والاختلاط للذكور والإناث والعراة والعاريات في الشوارع والساحات، بعد أن يكثروا من شرب الخمور ويغلبهم السكر والثمول، وتكون كُـلُّ أفعالهم وأقوالهم تفسخاً ومجوناً ومياعةً ومعاصيَ ومنكرات تندى لها الرمالُ والراسيات؟!

 

أم فعالياتنا التي فيها الذكرُ والصلوات، والتعظيم والإجلال لسيد المخلوقات والدعوة إلى التمسك بدينه ورسالته، وإحياء هديه وسنته، والتأسي بسيرته وجهاده، والاقتداء بعبادته وأخلاقه؟!

 

ألا يكفي التناقضُ في أقوالهم دليلاً على دجلهم وعلى افترائهم على الله وعلى رسوله والمؤمنين؟!

 

ألا يكفي التناقضُ في أفعالهم ومواقفهم دليلاً على ضلالهم وسعيهم لإضلال الناس وعلى نفاقهم والإفلاس؟!

 

ألا يكفي هذا التناقضُ ليعتقد كُـلُّ مسلم عاقل بمشروعية إحياء المولد النبوي الشريف اعتقاداً قاطعاً، ويتيقن أن ذلك ليس بدعة ولا يمثل هذا العمل ضلالة، وأن إحياء ذكرى ميلاد المسيح هو المحرم، وهو البدعة وهو الضلالة المهلكة؟!

 

ربما يرى البعضُ أن ذلك غيرَ كافٍ، وربما لا يدرك عامةُ الناس أن ذلك حجّـة دامغة وبرهان قاطع على حقيقة ما ذكرت؛ ولذلك فما على مثل هؤلاء سوى متابعة المقال القادم والذي سنوضح فيها الأدلّةَ القطعية على مشروعية إحياء ذكرى المولد النبوي الشريف وعلى فضله ووجوبه علينا، فليكونوا على الموعد.

مقالات ذات صلة