رسائل وأصداء المجنَّح اليماني

سند الصيادي

 

عديدٌ من الرسائل الآنيّة وَبعيدة المدى تلك التي حملها المجنّحُ اليماني قدس2 في طريقه إلى مدينة جدة، وَهدفُه الدقيقُ المتمثّلُ بنقطة توزيع شركة أرامكو النفطية أبرز مفاصل الاقتصاد السعودي، رسائلُ أحدث وَقْــعُها الموجعُ أصداءً تجاوزت الجغرافيا التي سمع فيها وَقْـــع وصوله وَقوة حضوره، بعد رحلته التي قطعها وَتجاوزت 700 كيلو متر.

 

الرسالةُ الأولى حملت عنواناً عريضاً متجدّداً، مفادُه ثباتُ البوصلة نحو الطريق الضامن للخلاص، وبأن اليمنيين لا يمكن أن يظلوا تائهين في تفاصيل الصراع الداخلي المفتعل مع الأدوات دون أن ينال الفاعل والمحرك الإقليمي لهذه الأدوات نصيبَه من جحيم الحرب التي أوقد فتيلها، وَما فتئ يزيد وقيدها زيتا وَحطبا.

 

أما الثانية، فَــإنَّ عنوانَها كان في كفاءة المؤونة للرحلة وَحسن اختيار المستقر وطريقة الوصول الدقيق إليه، وَهي رسالة أحسنت تمثيلَ اليمني وأظهرت عزمه وَحكمته وَتاريخه المشرف في الحروب بإتقانه لقواعدها الدينية وَالأخلاقية بتحييد الأبرياء والعزل عن مخاطرها، قبل أن يسن العالم وَيتشدق بقوانين وَقواعد الحرب التي لم يطبقها وَلم يرعها في كُـلِّ حروبه الغابرة والمعاصرة.

 

والثالثة كانت في تكريسِ هذا المجنَّح لحقيقةِ الفشل السعودي الأمريكي الصهيوني في اليمن، وهي حقيقةٌ باتت تفاصيلُها تخرُجُ من دائرة المكابرات والخجل اللذين ظلا يحيطان بها طوال السنوات الست من العدوان على اليمن، وَالفشل هنا استراتيجي وَيمثل المفهوم الشامل لهذه المفردة بكل أبعادها السياسية والعسكرية وَالاقتصادية وَالإنسانية والإعلامية.

 

كما يعزز هذا الحدث على الجانب اليمني، قصصَ النجاحات وَالإنجازات النوعية وَعظمة التحولات التي تحدث في هذا البلد على وقع الانتكاسات التي يُمنى بها خصومه، وَرغم الأوجاع والجروح التي أحدثها ولا يزال عدوانهم وَحصارهم الشامل عليه، وهي معادلة ملحمية غير كيمائية ولا يمكن تحضيرها إلَّا في معامل الصمود اليماني وَتحت ظروف إيمانية كاملة الحضور، أعادت تهيئة مناخاتها قيادة أعلام الهُدى الربانية لهذا الشعب، وَمنذ أن تبوأت دفة قيادته قلبت كُـلَّ الموازين وَأعادت صياغة كُـلّ المفاهيم وقولبتها على الطريقة القرآنية النافذة في كُـلِّ عصر وَمرحلة.

 

وَإلى جانب العديد من الرسائل الباقية في محفظة هذا المسافر، فَــإنَّ الأصداءَ التي لحقت وقعه كانت بحجم التطلعات التي أرادها اليمنيون أن تتردّد من خلاله، أولها أن النظام السعودي الذي لطالما هدّد وأرعد وَاستصغر واستضعف شوكةَ هذا الشعب وَتوعده بالهزيمة وَدكدكة كُـلِّ أحجارِه وأشجاره وَإيهان كُـلّ مفاصل قواه وعزائمه، بات اليوم يشربُ من كأس المرارة التي لطالما تجرعها اليمنيون في زمن نشوته وانتشائه، وأصبح هو من يناشدُ المجتمع الدولي إلى إيقاف الهجمات اليمنية عليه، متوسلا من دفعوا به إلى هذا المنزلق بالتدخل تحت مبرّر أن هذا الاستهداف لا يمثل تحدّيا له فقط، وَخسائره ستنعكس على اقتصادهم وَأمنهم، يحدث هذا اليوم دون أدنى شفقة عليه، بعد أن ظل دهرا ينكر وَيهوّن من أثرها وَيتفاخر بقدراته الدفاعية على ردعها.

 

أما ثانية ردود الفعل، فهي الإدانات التي تهافتت الدول والمنظمات على إصدارها وَنعت ما حدث بصفة الإرهاب والإجرام وما إلى ذلك من المصطلحات رغم عدم سقوط مدني واحد، وَبعد استهداف ملايين الأطفال والنساء وَالعزل في اليمن، قتلاً وَجرحاً وَتشريداً وَتجويعاً وَتدميراً لكل فرص حياتهم ومعيشتهم دون أن تنبس هذه الدولُ ببنت شفة.

 

وَهي سلوكيات وأفعال بقدر ما تكشف حالةَ الضياع للقيم الإنسانية العالمية، وَتمثل واقع النفاق الأممي الراهن، فَــإنَّها مثيرةٌ للضحك والسخرية معًا، وَدافع لمواصلة المسير بالاستعانة بالله وحده، وَبحقِّنا في العيش بحرية وعزة وَاستقلال.

مقالات ذات صلة