“عدن” بين استعمار الإنجليز واحتلال الأعراب

جلال علي الرويشان

 

الاحتفاء والاحتفال بالذكريات والمناسبات الوطنية من قبل الشعوب ، لا يكفي فيه أن تُقام العروض والكرنفالات ومظاهر البهجة والابتهاج ، وإن كانت تلك المظاهر من لوازم التعبير عن ذلك الحدث أو الذكرى .. ولكن المهم ، بل والأهم، هو أن تعي وتعرف أجيال الحاضر والمستقبل ، ماذا حدث بالضبط !؟ وكيف حدث !؟ وما آلت إليه أحداث الماضي القريب !؟ وأين نحن الآن منه !؟

 

الدراسة والبحث والمقارنة والاستفادة من دروس الماضي، هي الأهم في تلك التجارب والأحداث ..

 

تحتفل بلادنا خلال هذه الأيام بالذكرى الـ53 للاستقلال ، ذكرى رحيل المستعمر البريطاني من أجزاء واسعة من اليمن الكبير ، تجاوز احتلاله لها ما يقارب مائة وثلاثين عاماً ..

 

ولست هنا بصدد بيان انتهاكات وجور وظلم المستعمر ، وكيف هب الشعب اليمني وناضل لإخراجه ، وكيف أُجبر في نهاية المطاف على الرحيل مهزوماً مدحورا .. ولست هنا بصدد دراسة وتقييم المراحل التي مرَّت بها المناطق المحتلة – وبالتحديد عدن – بعد رحيل المستعمر البريطاني .. فذلك كله موجود في كتب التاريخ ، ومذكرات وسِيَر وتراجم القادة والساسة والكُتَّاب الذين عاشوا تلك الفترات وعاصروها وتخصصوا في الكتابة عنها ..

 

سأحاول في هذه العُجالة أن أختصر الزمن وأطوي السنين ، وأتحدث معكم حول ما تعيشه عدن حالياً بين مستعمرٍ قديم مضى على هزيمته ورحيله ثلاثة وخمسين عاماً ، ومستعمرٍ حديث مضى على احتلاله لعدن ما يقارب من الست سنوات ..

 

سأدعوكم للمقارنة بين استعمار الإنجليز واحتلال العُربان الذين هم من قومنا وبني جنسنا ..

 

يقول الأستاذ الدكتور عبدالعزيز بن حبتور رئيس حكومة الإنقاذ – في مقالة حديثة كتبها مؤخراً بعنوان : “عدن وظاهرة ازدياد أعداد الحمير” :

 

” تُشير المصادر التاريخيّة لتاريخنا الحديث إلى أنَّ الاستعمار البريطاني أوجد في مدينة عدن أول مشروع للمياه في مطلع القرن العشرين” .

 

ويقول في نفس المقال :

 

“سبقت عدن كلّ مدائن شبه الجزيرة العربية في الارتواء بشربة ماءٍ هنية .. لقد سبقت مدناً صاخبة مثل الرياض والكويت ودبي والدوحة وأبو ظبي” . ويتساءل الدكتور بن حبتور في مقاله – متحسراً – على الحالة التي تمر بها عدن والمحافظات المجاورة لها من أهوال وسوء أحوال – فيقول :

 

” ولكن من كان سيصدق أنَّ هذه المدينة الساحلية الجميلة التي أنيرت شوارعها، ومدت أنابيب المياه فيها ، وخُططت شوارعها وضواحيها بتخطيطٍ حضري قلَّ نظيره في مدائن أخرى ، تعيش اليوم حالةً مأساويةً يُرثى لها” .

 

نعم – أخي القارئ الكريم – هذه هي المأساة التي يجب أن نقف عندها ونحللها .. الفرق بين مستعمرٍ قديم ، وبعيد قومياً ودينياً وجغرافياً ، وبين مستعمرٍ جديد يُفترض فيه، أنه قريب منَّا قومياً ودينياً وجغرافياً .. مستعمر قديم كانت تسكنه حالات الطمع والاستحواذ والسيطرة الاقتصادية ونهب ثروات الشعوب .. ومستعمر جديد تسكنه حالات الحقد والكراهية والسادية الدموية تجاه إخوانه وأبناء عمومته وأقرب الناس إليه ..

 

إن من أبلغ الدروس التي نستنتجها في الاحتفاء بهذه الذكرى – أخي القارئ – هي أننا معشر العرب – وعرب الخليج تحديداً – لا نصلح أن نكون حتى دولاً استعمارية ، ولا يستقيم بنا الحال ، ولا نتحلى – ولو بالجزء اليسير – من القيم والأخلاق التي كان يتحلى بها المستعمر الأجنبي ، وهو ينهب ثروات الشعوب ويحتل بلدانها ..

 

إن من عبث الزمان ، أن تَستَبدِل عدن وما جاورها من محافظات يمنية عزيزة وغالية ، خلال ما يقارب من خمسين عاماً ، مُستعمرها الإنجليزي الأوروبي ، بمستعمرٍ عربي يدعي – زوراً وبهتاناً – أنه يدين بالإسلام ويتحلى بالعادات والتقاليد العربية التي تدعو إلى الإباء والنخوة والشهامة وإغاثة الملهوف ، وجميع تصرفاته وسياساته وأعماله لا تنبئ عن شيءٍ من ذلك .. بل إن حال عدن اليوم ، وازدياد معدلات الفقر والبطالة والجريمة ، وانعدام المياه والكهرباء والخدمات العامة ، ووسائل الحياة الضرورية .. لهو خير دليل على سوء أخلاقه وجوره وطغيانه وحقده ..

 

ويختتم الدكتور عبدالعزيز بن حبتور مقالته بالقول :

 

« خلاصة القول لـ”أشقائنا” الجيران بأنْ يضعوا البصر والبصيرة بوصلةً للتعامل مع جيرانهم وأشقائهم اليمنيين ، وأنْ يتعلَّموا من سردية التاريخ اليمني، أنَّ اليمن وشعبه العظيم ثابتٌ في أرضه ، مُتَّكئ على إرثه الحضاري ، وأنَّ «الغِنى والفقر» غير دائمين ، وأنَّ عليهم احترام إرادة اليمانيين الأحرار”..

 

ذلك هو الدرس ، وتلك هي المقارنة والمفارقة العجيبة في استقراء التاريخ وأخذ العبرة الصحيحة من سياق أحداثه ومُجرياته ..

 

وكل عام واليمن بخير ..

مقالات ذات صلة