الغرب.. والفساد ؟

|| مقالات || أحمد يحيى الديلمي

 

مما لا شك فيه أن ظاهرة الفساد أصبحت دولية عابرة للحدود ، مع أن الغرب يحاول التنصل من الظاهرة ويرميها على غيره حيث يقول أن ثلثي دول العالم تعاني من اتساع ظاهرة الفساد وأنها تجذرت في تلك الدول بنسب متفاوتة استناداً لما يسمونها مؤشرات الشفافية التي تقول أن كلفة الفساد في العالم العربي تتجاوز 90 مليار دولار بنسبة 4% من معدلات الفساد في العالم فأين الحقيقة؟ هل دول الغرب فعلاً خالية من الفساد؟ كل الوقائع تؤكد أنها دعاوى باطلة ، وأن هذا الغرب هو مصدر الفساد ومظاهره لم تكن تستوطن من قبل في العالم العربي والإسلامي أو دول العالم الثالث بشكل عام ، لكن الغرب وأمريكا وبعد ذلك الأمم المتحدة كلهم عملوا على تصدير الفساد وحولوه إلى ظاهرة دولية ، وكما نعتوا الإسلام بالإرهاب هاهم ينعتون العرب والمسلمين بالفساد من أجل تسخير هذه الدعاية للحصول على المصالح التي يتطلعون إليها وكما يقال في المثل ( رمتني بدائها وانسلت) وهنا نسأل من أين جاءت ظاهرة العمولات (الكميشانات )؟! ومن الذي جعلها تترسخ في الواقع العربي والإسلامي بل والأفريقي لتشمل دول العالم الثالث ؟ إليس هو الغرب بذاته .. وأليست الظاهرة تمارس في وضح النهار أمام مرأى ومسمع دساتير وقوانين تلك الدول التي تدعي أنها متقدمة.

الهدف لا يخفى على أحد وليس مستغرباً ولا يدعو إلى الدهشة خاصة أن تداعياته دائماً تصب في مصلحة أمريكا والغرب بشكل عام ، بحيث أصبحت أرقام الفساد والعبث بمقدرات الشعوب المغلوبة على أمرها صادمة لا تُصدق بالذات الإنفاق المخيف للثروات النفطية ومدخرات الشعوب النقدية ، بما يوحي أن المصالح القذرة الضيقة أعمت الأبصار وأصابت النُخب السياسية والثقافية وأصحاب الحل والعقد من العرب والمسلمين بالإفلاس ، وبالتالي غدا الفساد من الأفعال المحببة في نفوس القادة العرب والمسلمين مع أنه في الأساس ظاهرة محمولة من الغرب سرعان ما تحولت إلى إشكاليات جوهرية كرست العبث والفوضى وقادت إلى استشراء الفساد حتى استوطن في الواقع وتحول إلى فيروس مُعدٍ ومكروب خطير ينخر في جسد الأمة بينما الغرب يستفيد من الظاهرة لإخضاع كل شيء لخدمة مصالحه ويُظهر حالة من التناقض الصارخ بين الأقوال والأفعال ، والغرب يعمل على تكييف كل شيء لتحقيق تلك المصالح بأفقها الانتهازي البشع ولا يُستبعد أن يأتي اليوم الذي تتعالى فيه الأصوات في الغرب لتؤكد أن الإسلام مصدر الفساد وأساس الإفساد ، وهي دعوى باطلة هدفها مسخ الهوية الإسلامية الحقيقة من خلال استخدام أدوات قذرة تدعي التمسك بالدين وهي بعيدة كل البُعد عنه ، لكن الغرب لا ييأس ويحاول أن يوجد موضع قدم للهوية الجديدة بهدف إحداث شرخ عميق في النسيج الاجتماعي والإضرار بمعنويات المجتمع العربي والإسلامي ، وفي النهاية نجد الغرب يُلقي المسؤولية على المواطن العربي المسلم ويتهمه بالجهل والغباء ، لا لشيء إلا لأنه لم يستوعب معاييره وقيمه التي يتباهى بها وهي كلها مصدر الفساد ، بما يؤكد أن ضمير العالم في سُبات عميق وأن المسلمين أيضاً في حالة غياب عن الدين والعقيدة ، بل تعرضوا لخدعة واحتيال عملي أوصل الأمور إلى هذا الوضع البالغ الصعوبة ، إذاً ماذا ينتظرون من مواطن مرعوب خائف يعيش حالة ذُعر ويترقب الأسوأ في قادم الزمن وهو مُطالب بأن يتحرر من هذه الظواهر التي تعبث بحياته ، بينما هو فاقد للإرادة يعيش حالة فاقة شديدة وضائقة مالية صعبة بل ويُصاب بالكمد ويمزقه الألم وهو يشاهد المليارات من ثرواته المفترضة تذهب إلى الغرب لتمول أعمالاً أكثر إجراماً وبشاعة .

أليس في هذا دلالة واضحة على أن الفساد تحول إلى غول رهيب ومخلب قط يستخدمه الغرب لفرض حالة الاستسلام والخنوع وإكراه الشعوب المغلوبة على أمرها لتقبل بما يعتبره جديد ، حيث نجد أن هناك مراكز خاصة في أمريكا والغرب تتحدث عن ما يسمونه بعيوب ومثالب الإسلام لإلصاق هذه الظاهرة بالعقيدة وبمنهجها القويم ، حيث تقول هذه المراكز أن الدول الإسلامية خطوطها تتقاطع وهي بحاجة إلى إصلاح نفسها وتحرير طاقاتها وحل مشاكلها مع نفسها ومع جيرانها ، فقط لكي يفقد الإنسان العربي والمسلم القدرة على التحدي ويسلبونه الإرادة القدرة على الفعل الإيجابي بحيث ينقاد للخطط المعدة سلفاً في أمريكا والغرب بطواعية وشبه استسلام ، وهكذا تحولت ظاهرة الفساد إلى مصدر للقلق ، لا نُنكر أن الفساد استشرى وأصبح موجود في كل مفاصل الحياة العربية ، بالذات في مشتريات الدولة ومناقصاتها الإنشائية وغيرها من المناقصات التي أصبحت مصدر ثراء للتجار والمسؤولين في آن واحد ، ولقد أقسم لي أحدهم بأن بيتاً تجارياً معروفاً ينفق مُرتبات لموظفين معنيين في مؤسسات الدولة توازي (70)مليون ريال في الشهر الواحد ، والموظف يستلمها باعتبارها إكرامية وهي في الحقيقة

مجرد مقدمة للاستحواذ على كل شيء وتحويل المناقصات وفتح المضاريف إلى اجتماعات شكلية لأخذ الصور والمباهاة بينما كل شيء يتم في السر ومن خلال قنوات خاصة لا يعرف بها إلا حمران العيون الضالعين في الفساد ، وعلى هذا فقس في كل معاملات الدولة والصفقات التجارية التي تتم بصورة عبثية لا جديد فيها سوى استهداف المواطن وابتزازه في لقمة عيشه .

الموضوع يطول جداً وهناك تفاصيل أكثر بؤساً ، وعلينا كعرب ومسلمين أن نهتم بنشر الوعي وتنمية مستويات الإدراك لدى المواطنين في كافة الجوانب وفي المقدمة خلق مقومات الالتزام بأحكام الدين الحنيف حتى يتمثلها كل مواطن في السلوك وممارسته في حياته اليومية فتتحول مخافة الله أهم عامل للانضباط السلوكي ودفع المواطن إلى تجنب الأخطاء والممارسات غير السوية ، وعدم الانقياد الساذج للأفكار الغريبة وتقليدها على علاتها ، وفي المقدمة تجنب كل ما يمس منظومة القيم والأخلاق الثابتة في منهج العقيدة ، وكبح جماح المشاعر الزائفة التي تتعاطى بسذاجة مع أي أفكار وافدة .. والله من وراء القصد ..

مقالات ذات صلة