هكذا نكونُ أقوياءً..!

|| مقالات || مصطفى العنسي

 

حتى نكونَ أقوياءً ويكونَ بنيانُنا قوياً يجبُ أن نلحظَ تأسيسَ هذا البنيان من بدايته ليكون بنياناً يقبَلُ ويتحملُ الاستمرارية والبناء فلا يتأثر يوماً وينهار، بل يزداد قواماً وتماسكاً وترابطاً كلما ازداد توسعاً وشموخاً وارتقاءً..

 

والإمام علي-عليه السلام- قد أفصح وأوضح في حُكمه عندما آلت إليه الأمور، وكان معاويةُ والياً على الشام، أول خطوة عملها الإمام علي هو إزاحةُ معاوية عن ولاية الشام ولم يتردّد الإمام علي عليه السلام في ذَلك بل تلا قول الله تعالى: (وما كنتُ متخذَ المضلين عَضُداً)..

 

لم يكن لدى الإمام علي حساباتُ الربح والخسارة، بل كان هدفه واضحاً ومعروفاً ومحدّداً، وغايتُه معروفةً ومحدّدة وواضحة، كان هدفُه المادي الجنة ونعيمها، وغايتُه المعنوية رضا الله وحدَه، وكانت السلطةُ تعني له إقامة القسط والعدل وإحقاق الحق وإبطال الباطل.

 

الكثيرُ حينها نصحه بأن يُبقِيَ معاويةَ حتى يؤسس الإمامُ دولتَه وتقوى شوكته، ولكنه رفض؛ لأَنَّه لا قيمةَ عنده للإمارة إلا أن يقيم حقاً أو يبطل باطلاً.

 

لو نرجع إلى هذا الدرس المهم الذي قدمه الإمام علي عليه السلام، لعرفنا أهميتَه اليومَ عندما تستدعي المرحلةُ استيعابَ الجميعِ تحت مِظلة واحدة، نرى ما تعاني منه القيادة عندما يكون تحت قيادتها مَن هم على نهج معاوية، لا يفقهون ولا يعقلون، بل كُـلُّ هَمِّهم أنفسُهم ومحيطُهم، لا يحملون هَمًّا ولا يقفون موقفًا إلا ولديهم من الاقتراحات والإملاءات والمتطلبات، ما تثقل كاهلَ وعَضُدَ القيادة، إنهم داءٌ وبلاءٌ يتصرفون ويخطئون وتتحمل القيادةُ أخطاءهم.

 

يسرفون ويتكبرون ويمشون في الأرض مرحاً، فيجنون على الأُمَّــة التي هم فيها ويشوهونها بحكم انتمائهم وليس بكونهم أشخاصاً، فالعامة من الناس لا ينظرون إلى من يخطئون بأنهم يمثلون أنفسهم.. بل ينظرون إلى أخطائهم بحكم انتمائهم.

 

وهنا تكمُنُ الأهميّةُ القصوى لما أقدم عليه الإمام علي عليه السلام ضد معاوية، حتى لا يكون في داخل الأُمَّــة من يظلم ويتجبر ويطغى ويحمل غيره تبعات أخطائه ونزواته.

 

حرص الإمام علي عليه السلام على تحصينِ واقعه الداخلي ليكون قوياً ومتمسكاً، فلا يكون معاوية بشره وإجرامه وفساده عوناً له يتحَرّك باسمه ويظلم باسمه ويرتكب الجرائم كوالٍ من ولاته.

 

لا قيمة لأية حكومةٍ في الأرض إلا بإقامة القسط والعدل، وهذه مسؤوليةٌ مشتركةٌ بين القيادة والأتباع، ولكن ما يمثل خطراً ويهدم البنيانَ هو الأَسَاسُ الضعيفُ والذي لا تراعى فيه المعاييرُ والمواصفاتُ التي تضعها القيادة.

 

فأن تراعى تلك المعاييرَ ويكون البناء على أَسَاسها خيرٌ من أن يكون البناء على شفا جرف هار.. {أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أم مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}

 

فكم من الأخطاء التي يستفيدُ منها الأعداءُ كمادةٍ دسمةٍ لدعاياتهم وتضليلهم، وكم من السلبيات التي تقصم ظهر الأُمَّــة فيستثمرها الأعداء ويفرقون بين الأُمَّــة من خلالها.

 

أليست هذه نتاج أقلمت الدين التي صاح منها الشهيد القائد؟

 

إنها البدائلُ عندما يقدمها المجتهدون على حساب القرآن وقرينه.

 

فحذارِ أن نصلَ إلى درجة أُولئك الذين كانوا في صف علي عليه السلام حينما انخدعوا بكلمةٍ واحدة من ابن العاص وأثرت فيهم خديعتُه برفع المصاحف، وفي أوساطهم عليٌّ القرآن الناطق.

مقالات ذات صلة