حرب الوقود.. الجريمة المنظمة

|| مقالات || رشيد الحداد

 

تمنع دول تحالف العدوان دخول سفن المشتقات النفطية إلى ميناء الحديدة، متعمدة بتلك القرصنة البحرية فرض عقاب جماعي على الملايين من اليمنيين، هذه الجريمة الجسيمة بتداعياتها على مختلف الجوانب الإنسانية والاقتصادية، لم تكن وليدة اللحظة وإنما يراوح اليوم عمرها ست سنوات، ولكنها إحدى أدوات الحرب الاقتصادية التي يستخدمها العدوان لتضييق خيارات العيش الكريم على أكثر من 30 مليون يمني، ونظراً لارتباط المشتقات النفطية بمختلف الأنشطة الإنتاجية والزراعية والتجارية والصناعية والخدمية، فإن تداعيات هذه الجريمة الممنهجة التي تتم بتواطئو من قبل الأمم المتحدة مست مختلف القطاعات وتسببت بارتفاع معدلات الفقر والبطالة وانتشار الأوبئة والأمراض وتراجع معدلات الإنتاج المحلي من السلع والمنتجات وارتفاع أسعار المواد الغذائية والأساسية التي لا يمكن العيش بدونها ، والتأثير على النشاط الزراعي كزراعة الحبوب أو الخضار والفواكه ، وإعاقة العديد من المشاريع الإنتاجية الصناعية ومنها الزراعية ، وصولاً إلى أن أزمات الوقود المفتعلة من قبل العدوان تعد أحد أبرز التحديات التي تواجه النشاط المصرفي وحركة النقل الداخلي بأنواعه المختلفة، يضاف إلى أن آثار هذه الجريمة تمس حياة السواد الأعظم من اليمنيين في الريف والحضر ولها دور بارز في تدهور القطاع الصحي في العاصمة والمحافظات.

 

خلال السنوات الماضية من عمر هذا العدوان الغاشم والحصار الظالم على شعبنا اليمني الصامد المجاهد الصبور الواثق بنصر الله وتأييده، وقف العدوان وراء افتعال العشرات من أزمات الوقود، ووفقاً للإحصائيات الصادرة عن وزارة التخطيط في صنعاء أو النشرة الشهرية لمراقبة السوق التي تصدرها منظمة الزراعة والأغذية في اليمن، تفيد بأن حرب الوقود تسببت بارتفاع سعر اللتر من مادة البنزين من 150 ريالا وسعر التر الديزل “السولار” من 158 ريالاً عام 2014م، إلى 520 ريالا للبنزين والديزل أواخر العام 2015م، وتشير إلى أن اللتر من مادة البنزين تراجع خلال العام 2016م، بعد إعلان صنعاء قرار تعويم المشتقات النفطية إلى 300 ريال مقابل 310 ريالات للتر من مادة الديزل، وفي ظل معاودة القرصنة البحرية على إمدادات الوقود من قبل العدوان عام 2017م، ارتفع سعر اللتر من البنزين “البترول” وكذلك اللتر من مادة الديزل إلى 350 ريالا ، ليرتفع إلى 395 ريالا للبنزين و380 ريالاً للديزل خلال العام 2018م، ورغم تراجع أسعار النفط في الأسواق العالمية خلال سنوات العدوان والحصار الست الماضية ظلت أسعار المشتقات النفطية في الأسواق العالمية تباع بأسعار تفوق الأسعار الطبيعية بأضعاف، والسبب في حرمان الشعب اليمني من الاستفادة من الطفرة النفطية والركود الذي ضرب أسواق الطاقة في العالم خلال السنوات الماضية من العدوان والحصار والقرصنة البحرية التي يترتب عليها ارتفاعاً في غرامات تأخير السفن والتي تصل في بعض الشحنات إلى نفس تكلفة شراء الشحنة ذاتها، وهو ما كبّد الاقتصاد الوطني مليارات الدولارات وحمل الشعب اليمني تبعات جريمة القرصنة البحرية للسفن من قوت أطفاله ، ورغم استقرار الأسعار الرسمية المحددة من قبل شركة النفط في صنعاء لمادتي البنزين والديزل خلال العامين الماضيين بسعر 245 ريالاً للتر البنزين و345 ريالاً للتر من الديزل ، لكن القرصنة البحرية لسفن الوقود خلال السنوات الماضية كان لها أثر بالغ على قدرات شركة النفط في تغطية احتياجات السوق بشكل كلي ، فآلية التفتيش الأممية «اليونفيل» أكدت أن واردات الوقود لم تتجاوز خلال يناير 2018ـ يوليو 2020م، نسبة 20% من احتياجات السوق اليمني عام 2018، وبلغ معدل الواردات مقارنة بالاحتياجات الشهرية 24% للعام 2019م، أي أن فجوة الاستيراد تتراوح ما بين 75% و80% ، وخلال العام الماضي تجاوزت الفجوة بين الاحتياجات الشهرية من الوقود وبين الكميات التي دخلت قرابة 60%، ولذلك يتعمد العدوان إتاحة هامش واسع لتجار الأزمات والحروب ، فكلما شدد العدوان الحصار على الشعب اليمني وتعمد منع دخول المشتقات النفطية إلى ميناء الحديدة تزدهر الأسواق السوداء التي يقف خلفها ، والتي يستخدمها كأداة لاستغلال حاجة الناس للوقود للكسب غير المشروع وكوسيلة لسحب السيولة من العملتين القانونية والأجنبية من الأسواق المحلية , هذه الجريمة التي تسببت بأضرار فادحة للقطاع الزراعي وتحديداً الذي يعتمد على الري والذي يصل 36 % من إجمالي المساحات الزراعية وكذلك أدت إلى ارتفاع تكلفة الإنتاج للمزارعين في مجال الخضار والفواكه وانعكس ذلك على معدل التالف من الثمار نتيجة صعوبة التسويق أو انعدام الوقود.. وفي قطاع الكهرباء ، أعاقت هذه الأزمات توجه الدولة لاستبدال المولدات التجارية العاملة بوقود الديزل بأخرى كبيرة تعمل بالمازوت ، وأدى إلى عدم استقرار أسعار الكهرباء التجاري التي تتراوح أسعارها ما بين 205 ريالات للكيلو و360 ريالاً للكيلو بسبب الأزمات التي يقف وراءها العدوان ، ونظراً لاستخدام مختلف القطاعات الإنتاجية والتجارية والخدمية توليد الطاقة باستخدام الوقود بنسبة تقديرية تصل 77% منذ سنوات ، فإن أثر أزمات الوقود تنعكس سلباً على مخرجات تلك القطاعات وجودة خدماتها وتتسبب بارتفاع تكلفة خدماتها والتي تنعكس سلباً على حياة المواطنين ، فهذه الجريمة التي تعد أحد أبرز أسباب ارتفاع الأدوية والخدمات الطبية بنسبة كبيرة تصل إلى أكثر من 50% عن أسعارها قبل العدوان ، تعد أحد أسباب وفاة العشرات من اليمنيين يومياً نتيجة تدهور الخدمات الصحية وتهدد الآلاف من مرضى الفشل الكلوي ومن المصابين بالأمراض المستعصية ، يضاف إلى أن انعدام المشتقات النفطية يهدد قرابة 400 مستشفى عام وخاص بالتوقف ومئات المراكز الصحية والعيادات في مختلف أرجاء المحافظات الحرة ، ويهدد نشاط النظافة في المدن الحضرية ويتهدد الأفران والمخابز العاملة بالديزل بالتوقف .

 

أضرار وتداعيات هذه الجريمة لا يمكن حصرها بسهولة ولكن أبرز مظاهر تلك الأزمات المفتعلة من قبل العدوات التي تمس حياة المواطن اليمني لا تحصى بارتفاع فاتورة الكهرباء ولا بارتفاع تعرفة النقل الداخلي بنسب تصل ما بين 50% ــ 100%، ولا ارتفاع تكلفة النقل الثقيل المستخدم في نقل السلع والمنتجات الغذائية، فتداعيات جريمة القرصنة البحرية من قبل العدوان وصلت إلى سعر صهريج الماء الذي ارتفع بنسبة 300% عما كان عليه قبل العدوان في كل حارة وضاعفت معاناة كل أسرة يمنية، وساهمت بارتفاع معدل التالف من السلع والمنتجات في سوق التجزئة، وأضرار كبيرة لحقت بقطاع التبريد ومختلف القطاعات الإنتاجية من مصانع ومعامل ومشاريع صغيرة وأصغر، وتعد أحد عوامل ركود الأسواق المحلية في مواسم عدة ، ولكنها حتماً لن تحقق النصر للعدوان وأدواته من المرتزقة والعملاء بقدر ما كشفت ضعف دول العدوان ووهن قوتها وسقوطها الأخلاقي والقيمي أمام صمود شعبنا اليمني .

 

ووقفت الأمم المتحدة في موقف مخز إزاء هذه الجريمة، رغم صدور العديد من التحذيرات الأممية من تسبب هذه الأزمات بانهيار القطاع الصحي، لكن دورها لم يتجاوز إصدار العديد من البيانات التحذيرية التي يراد بها تسجيل مواقف صوتية أمام الرأي العام المحلي والدولي، والمريب في الأمر أن منظمات دولية ترصد تداعيات الأزمات المفتعلة من قبل العدوان في هذا الجانب بدقة وتسوق معاناة الشعب اليمني الناتجة عن جريمة العدوان والحصار دولياً كل عام للحصول على المزيد من المنح والمساعدات تحت طابع إنساني ، ولكنها لم تقف وقفة جادة للحد من أسباب المعاناة المتفاقمة ولم تجرم جريمة احتجاز سفن المشتقات النفطية من قبل العدوان ، ودأبت خلال العامين الماضيين على تبرئة دول العدوان من هذه الجريمة الجماعية التي تمارس بحق اليمنيين ، واعتبار هذه الأزمات – التي طالت تداعياتها كل يمني ويمنية طفلاً كان أو امرأة أو شيخا في هذا البلد – أزمات ناتجة عن صراع محلي بين حكومتي صنعاء وما تسمى بحكومة المرتزقة ، وهو محض افتراء فما تسمى بحكومة الارتزاق في الرياض أو عدن لم تستطع أن تسيطر على قصر المعاشيق في عدن ، فكيف لحكومة فاقدة للسيطرة على ذاتها أن تملك بوارج وقوارب بحرية في البحر الأحمر ، فالبوارج التي تقف وراء احتجاز السفن لعدة أشهر دون مبرر وإعاقة وصول الإمدادات الأساسية من وقود ودواء وغذاء سعودية.

ورغم جسامة جريمة القرصنة البحرية على سفن المشتقات النفطية وتداعيات هذه الجريمة التي ترتكبها دول العدوان مع سبق الإصرار، إلا أن المجتمع الدولي المتواطئ مع دول تحالف العدوان إزاء جريمة القرصنة البحرية التي تندرج في إطار جرائم الإبادة الجماعية وفق القانون الدولي الإنساني، يحضر في حال الرد على هذه الجريمة كحق مشروع للدفاع عن الشعب اليمني باستهداف منشأة نفطية في المملكة، مواسياً دولة العدوان السعودية ومتضامناً معها.

مقالات ذات صلة