الشهيد القائد ..صوت الحق في زمن الخنوع

|| مقالات || صادق البهكلي

 

مثلك سيدي لا يُكتب عنك حبرٌ وتبرٌ، بل دماء ووفاء ومواقف.. وها أنا أقف في حضرتك وكلما حاولت أن أكتب عنك تهزمني سطوة العجز، وتهتز في مشاعري مظلوميتك، تتناثر من بين أناملي أبجديات الحروف، وتتلاشى الكلمات تحت جاذبية الخجل.. في حضرتك سيدي نتذكر شجاعة علي، وصرخة، الحسين، وإباء زيد.. وجهاد الهادي.. من لا يعرفك فهو ينكر العظمة أو يجهل السمو، من لا يعرفك فحتما لا يعرف شيئاً اسمه الإباء ولا يعرف خُلقاً اسمه الوفاء…

 

أنت يا سيدي أشرف من أن يتشرف بالكتابة عنك، فأنت أشهر من نار على علم. لقد تركت مالا يستطيع تركه إلا أمثالك وأعطيت عطاء في هذه المرحلة من لا يستطيع إعطاءه إلا أنت وحدك.

 

سيدي الشهيد القائد أنت أكبر من أن يقال فيك، وأكمل من أن يكتب عنك، وأوسع من أن تستقرأ برؤوس الأقلام.

 

فما أروعك حينما قررت فمضيت، وما أذكاك عندما جعلت كتاب الله دليلك وهاديك، بل ما أنبلك يوم نهضت فمضيت، وسموت فعلوت، فعقبى لك ولحظك العظيم الذي سما بك نحو مراتب العظمة فخلد ذكرك في الذاكرين.

 

سيدي لقد عشت مع القرآن فعاش القرآن في قلبك وبين جوانحك يتدفق حكمة وبصيرة نافذة ومن بين بصائر القرآن رأيت أمة الإسلام وهي غارقة في وحل الثقافات المغلوطة فقدمت لها العلاج، ورأيتها وهي تستباح من قبل أعدائها فسعيت لاستنهاضها ومدافعاً عنها قولاً وعملاً، تحركت بالقرآن الكريم فلامست به حقيقة مشاكل الأمة، وأنزلت النص القرآني إلى الواقع بهدايةٍ وبتوفيقٍ من الله سبحانه وتعالى، بمعرفةٍ صحيحة، ونضجٍ ثقافيٍ كبير ورؤيةٍ عميقة.

 

ومن ثقافة القرآن الكريم قدمت للأمة مشروعك القرآني التنويري الذي صنع وعياً عالياً وبصائر تجاه الواقع وتجاه المسؤولية، وقدم تقييماً صحيحاً وقراءةً واقعيةً للأحداث والمتغيرات وفي كل ذلك كان القرآن الكريم دليلك ومرشدك.

 

لقد عييت المرحلة بحق فكنت رجلها واستنرت بالقرآن فنطقت به وتحركت بالأمة فنهضت بها.

 

نتذكرك يا سيدي .. لأن دفء العزة والصمود والتحدي والثبات التي تعمر بيوت اليمنيين اليوم هي بفضل ثباتك وصمودك ونخوتك وإبائك يوم رفضت الظلم ولم ترض بالضيم  فصدعت بالحق حين سكت الآخرون، وأيقظت الأمة حين أرادوا لها السبات العميق، وحررتنا في زمن الاسترقاق والاستعباد، وأعدت لنا الكرامة في زمن الخضوع والاستكانة.. صفعت كبرياء الظالمين وقوضت مضاجعهم وزلزلت عروشهم بصرختك التي أعادت للمستضعفين عزتهم وكرامتهم ..

 

لقد كنت الفضيلة في أبهى حلة..

 

كنت الشهامة في أبلغ صورة..

 

كنت الشجاعة في أصعب موقف..

 

كنت الوعي بمنطقه..

 

وكنت القرآن بحكمته وهداه..

 

كنت بسيطاً ولكنها بساطة هزمت أُبّهتهم..

 

كنت متواضعاً ولكنه تواضعاً كسر كبرياءهم.

 

كنت متزناً ولكنه اتزانا حطم غطرستهم..

 

***

 

ومن صرخة الحسين الأغر إلى صرخة حسين العصر وما بينهما زمنٌ يتأرجح بين ثورات المستبصرين وطغيان المستكبرين، ومن (هيهات منا الذلة) إلى (نعيش أعزاء أو نسقط في ساحات القتال كرماء) يتواصل السجال ويحتدم الصراع بين الحق والباطل، بين الحرية والعبودية، بين مَن هم امتداد للحسين ومَن هم امتداد ليزيد.. ومن حيث وقف الحسين (عليه السلام) وأصحابه ليقدموا الدرس الخالد بأن الحرية لا يمكن أن تموت وأن الذلة والخضوع لن تشتري العظماء، هناك وقف الحسين ليخيّر أصحابه بين التضحية أو بين خسيس العيش والخضوع فأنفوا الضعة وفضلوا الموت في سبيل الله عوضاً عن الاستسلام والعيش تحت حكم الطاغوت فقدموا أعظم الدروس لكل الأحرار على امتداد التاريخ

 

وأنت يا سيدي الشهيد القائد تلميذ الحسين (عليه السلام) وحفيده قدمت أروع الصور وأعظم الشواهد على عظمة المشروع الحسيني، وعلى أن مدرسة الحسين هي مدرسة الرجال فمن ميدان كربلاء إلى ميادين التصدي للطغيان اليزيدي المتمثل بأمريكا وأدواتها في المنطقة كنت أنت أول الصارخين بـ ” بهيهات منَّا الذلة” وكنت أنت أول القائلين في وجه الطغيان الأمريكي وأدواته من المنافقين “والله لا أعطيهم إعطاء الذليل” فوقفت وقفة الإباء والشموخ والكبرياء كما وقف جدك الحسين

 

وها هم -يا سيدي- رجالك أسياد النزال وفرسان القتال أبهروا العالم كله بصمودهم وثباتهم الحسيني، وزلزلوا أركان الطاغوت فلا فرق بين ميادين صحراء ميدي والبقع والمخا وذو باب والأجاشر ورمال مأرب وبين ميدان ورمال كربلاء ولا فرق بين أصحاب الحسين في ذلك الزمن وبين أصحابك في هذا الزمن فكلّهم رجال العهد والوفاء والشهامة.. وكما يقول هارون هذه الأمة السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي (يحفظه الله) ((إننا طلابٌ في مدرسة الإسلام الكبرى، والتي الإمام الحسين فيها من أعاظم أساتذتها، منه اقتبسنا العزيمة والثبات والحرية والعزة والإباء والكرامة مع كل الشرفاء والأحرار في شعبنا وأمتنا، سنتحرك باستمرار وبكل ثبات، بكل إيمان، بتوكلٍ على الله سبحانه وتعالى، لمواجهة كل أشكال الظلم والطغيان اليزيدي والفرعوني المتمثل بأمريكا وإسرائيل، والمتمثل بجلاوزتها وعملائها وخدّامها السيئين الذين ينفذون مؤامراتها داخل البلد.))

 

يا سيدي.. هذه هي ثمرتك وهذا سرج حصانك.. وفي كل نصر وعند كل منعطف لا تزداد إلا حضوراً في وجداننا ومشاعرنا، حضورا في موقع القدوة والقيادة والهداية وأيضا حضورا بمشروعك القرآني العظيم، حاضراً في الساحة بما فيها من أحداث، وبما فيها من تحديات، بما قدمته من نور وهداية وبصيرة وبما تركته من أثر عظيم في وجداننا ومشاعرنا ومن أثر يتزايد يوما بعد يوم.

 

إنّا على دربك -يا سيدي- ماضون، وعلى درب الشهداء العظماء سائرون، لن يغرنا بالله الغرور وسنواصل الدرب، ونلبس الصبر ولن نبرح أرضنا حتى يحكم الله لنا وهو خير الحاكمين.

مقالات ذات صلة