ضرورة وأهمية واحدية القاعدة والتوجهات والخطة والأساليب في مقام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

|| من هدي القرآن ||

 

فلا بد في مقام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الخير أن يتحركوا من قاعدة واحدة، من توجيهات واحدة، وخطة واحدة، وأساليب واحدة حتى يكون فعلًا أمرًا بمعروف ونهيًا عن منكر ودعوة إلى الخير بنَّاءة، تكون نتيجتها تصب في قالب تأهيل الأمة فيما يتعلق بوحدتها، فيما يتعلق باهتماماتها بأمر الدين، وفيما يتعلق باهتمامها في مواجهة أهل الكتاب سواء في الداخل أو في الخارج.

 

أليست هذه هي هداية حقيقية إذا أحد تأمل فعلًا، تجعلك تثق بالله، يجعل الإنسان يثق بأنه يضع الخطط الحكيمة للأمة لتمشي عليها. وهو يعلم ما سيعمل أهل الكتاب، وكيف ستكون أساليبهم، وأنهم سيغزون الأمة من الداخل فيجعلوا الأمة تقف مستسلمة أمامهم، طائعة لهم، متولية لهم، كبارها جنود لهم، وصغارها ضحية لفسادهم، فتتجمد وتتعطل كل وسائل القوة الأخرى.

 

البترول في الأرض يصبح لا يمثل ما يمكن أن يمثله من آلة ضغط عليهم، هذه الخيرات المنتشرة في معظم البلاد الإسلامية كذلك لم تعد تمثل وسيلة للضغط على دول الغرب: اليهود والنصارى، هذه الأسلحة المتطورة التي يمتلكها هذا الشعب وهذه الدولة وهذه الدولة وتلك الدولة هي أصبحت قطعًا متجمدة لا معنى لها لا قيمة لها، بل ستصبح قطعًا تتحرك بفاعلية في خدمة أمريكا وإسرائيل لضرب الشعوب نفسها! أليس هذا من الدهاء اليهودي؟ أليس هذا من الخبث اليهودي الشديد؟

 

وفعلًا كم وجدنا أن الأسلحة العربية والجيوش العربية تحركت لخدمة إسرائيل وأمريكا – سواءً من حيث تشعر أو لا تشعر – عندما تحركت جميعًا في مواجهة [الثورة الإسلامية] في إيران ومواجهة [الإمام الخميني]، الذي برز كأعظم قائد يحمل أفضل نظرة منبثقة من القرآن الكريم في مواجهة اليهود والنصارى، تتحرك جيوش من مختلف الدول العربية، وقطع عسكرية من مختلف دول العالم، قطع أسلحة تتحرك في مواجهة هذه الدولة المسلمة وهذه الثورة الإسلامية! فتكون النتيجة في الأخير هي أنهم حموا إسرائيل من أخطر جهة كان يمكن أن تواجهها في هذا العصر، كان يمكن أن تقضي عليها فعلًا، كان يمكن أن تقضي على إسرائيل.

 

وكان [الإمام الخميني] رحمة الله عليه يرفع شعار: ((أن إسرائيل غُدّة سرطانية يجب أن تُسْتَأصَل))، وكان فعلًا جادًا في أن يستأصل هذه الغُدّة، لكن العرب الذين يصرخون الآن من إسرائيل، العرب الذين تحولوا إلى جنود لإسرائيل هم الذين وقفوا في وجه ذلك القائد العظيم، وذلك الشعب العظيم، والثورة العظيمة؛ لتقف إسرائيل محميّة دون أن تخسر شيئًا. ومتى ما انتهى خطر ذلك الشبح المخيف تستمر إسرائيل في عملها، لا تقدر – على أقل تقدير – لا ترعى جميلًا: أن هؤلاء خدموها فتتعامل معهم بوداعة وسلام، لم يحصل هذا.

{هَا أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ} (آل عمران: من الآية 119) مهما عملتم لهم لن يقدروا لكم جهودكم، لن يرعوا لكم جميلًا، لن يكافئوكم بإحسان، وهذا ما حصل، وهذا الذي نشاهد الآن، أما كان من المفترض أن إسرائيل ترعى ذلك الجميل لهذه الدول العربية التي انطلقت لتقف بدلًا عنها في مواجهة [الثورة الإسلامية] و[الإمام الخميني] فتزيح ذلك الخطر عن وجهها، أما كان من المفترض أن إسرائيل تتحول إلى دولة مسالمة؟ دولة تهتم بأمر العرب وشأنهم.

 

[لاحظ العرب] كانوا يقولون: لا بد من تحرير فلسطين حتى آخر ذرة من تراب أرض فلسطين؟ أصبحت المسألة بالعكس سيخدمون إسرائيل حتى آخر ذرة، وآخر جندي من أبناء أوطانهم، لكن تحت عناوين أخرى، اليهود هم يعرفون كيف يرسمونها، وكيف يشغّلون الأمة ويشغّلون الشباب في التحرك تحتها.

 

إذًا فإذا غاب العمل على تصحيح الوضع من الداخل تحت العمل في إطار الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فلن تقف الأمة على قدميها أبدًا، أبدًا مهما امتلكت من أسلحة في مواجهة اليهود والنصارى؛ لأن هذا الأمر أتى في إطار وضع الخطة الحكيمة، الخطة المستمرة التي تؤهل الأمة لمواجهة أهل الكتاب اليهود والنصارى، سواء في حماية أنفسهم منهم كي لا يتحولوا إلى كافرين مرتدين بعد إيمانهم أوفي رفع ظلمهم عنهم، وفي قطع أيديهم عن بلدانهم، لا بد من تفعيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الخير.

 

 

 

ولكن ما الذي حصل؟

 

من جَنى على هذا المبدأ هم الفقهاء أنفسهم، من جنى على هذا المبدأ نفسه هم أصحاب [أصول الفقه]، وأصحاب كتب [علم الكلام] والفقهاء أنفسهم، الذين حولوا المسألة إلى مسألة فردية: [أنت يجب عليك شخصيًا أن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر]، متى؟ قال: [متى ما امتلكت القدرة أو ظنيت التأثير! ما لم فما عليك].

 

فجعلوا كل شخص ينظر إلى هذا الواجب العظيم، وهذا المبدأ المهم، وهذه الهداية الربانية العظيمة، كل شخص ينظر إليها بنظرة فردية ومن منطلق ذاته واستطاعته أو عدم استطاعته، وكل شخص منا سيرى في الأخير نفسه عاجزًا عن أن يعمل شيئًا، أليس هذا الذي سيحصل؟، فلنكن عشرة آلاف في منطقة سيرى كل شخص نفسه عاجزًا عن أن يعمل شيئًا هو، فيقول: إذًا ارتفع الوجوب عني، إذًا أنا لا أستطيع، والثاني مثلي، والثالث مثلي، والرابع مثلي، وهكذا.

 

ناسين أن القرآن، أن الله سبحانه وتعالى يقول: أنه في تحقيق هذا الأمر من المعلوم أنه لا يتأتى – وهو الشيء الطبيعي والغالب – إلا بأن يكون الناس يتحركون بشكل جماعي متوحدين؛ لذا فعليهم أن يؤهلوا أنفسهم ليصبحوا أمة قادرة حينئذٍ عندما يتوحدون، عندما يكون منهجهم واحدًا، عندما يكون منهجهم قائمًا على الاعتصام بحبل الله مجتمعين، عندما يكونون صادقين متعاونين فيما بينهم حينئذٍ سيصبحون أمة قادرة على أن تدعو إلى الخير، وتأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر.

لكن وتعال فيما بعد طبِّق هذا المبدأ على أفراد هذا المجتمع المتوحد تقول له: واجب عليك إذا استطعت، ما تستطيع أنت شخصيًا ما عليك.. فعزلت أنت هذا ثم تعزل الثاني بعده والثالث بعده حتى تخرج من آخر الصف وما أحد يستطيع ستجد كل واحد يقول: والله أنا ما أستطيع أنا خلاص ارتفع الوجوب عني ولي عذري عند الله! هكذا انطلق فقهُنا، انطلقت القواعد التي تسمى [أصول فقه] لتوجه كل الخطاب الذي هو في القرآن خطاب جماعي للأمة من خلال الفرد أنه يجب عليه أن يتحرك في إطار أمة في تأهيل نفسه والآخرين ليكوِّنوا صرحًا شامخًا بأمة.

 

انطلقت الأشياء لتخاطب الأفراد كأفراد، وكل شخص يرجع إلى نفسه سيرى نفسه عاجزًا فيقول لله: [أنا لا أملك شيئًا، أنا لي عذري عندك ومع السلامة]!

 

الله هنا يقول: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ} يعلم أن كل فرد بمفرده لا يستطيع أن يعمل شيئًا، أحيانًا يحتاج الإنسان هو في تربية أسرته في الداخل في تربية أولاده إلى من يعينه من الآخرين قد تحتاج إلى هذا داخل أسرتك يحتاج إلى من يعينه من الآخرين على تربية أولاده، على تنظيم شؤون أسرته ليكونوا أسرة منضبطة.

 

ثم لأن المسألة في مقام الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لابد أن تكون بشكل واعٍ، وخطة واحدة، ومنهج واحد، وأسلوب واحد، وعمل واحد، وإلا فهو من المنكر أن تتحرك أنت بطريقتك الخاصة فتوجه توجيهات تعتقد أنها دعوة إلى الخير وأمر بمعروف ونهي عن منكر، وآخر له خط آخر وأسلوب آخر ووجهة أخرى وثالث ورابع على هذا النحو فين‍زل في المجتمع ثقافات متعددة، وجهات نظر متعددة، دعوة إلى أشياء متعددة منهم من يرى أن هذا مهم بالغ الأهمية، ومنهم من يرى أن هذا لا معنى له من أصله، وكلٌ يخاطبك باسم الدين، ويخاطبك باسم النصيحة. فهذا سيصبح نفسه من المنكر؛ يؤدي إلى تفريق المجتمع، يؤدي إلى تباين وجهات نظره، يؤدي إلى تشتت وتعدد مواقفه وتباينها.

 

فلا بد في مقام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الخير أن يتحركوا من قاعدة واحدة، من توجيهات واحدة، وخطة واحدة، وأساليب واحدة حتى يكون فعلًا أمرًا بمعروف ونهيًا عن منكر ودعوة إلى الخير بنَّاءة، تكون نتيجتها تصب في قالب تأهيل الأمة فيما يتعلق بوحدتها، فيما يتعلق باهتماماتها بأمر الدين، وفيما يتعلق باهتمامها في مواجهة أهل الكتاب سواء في الداخل أو في الخارج.

 

قد تأتي أحيانًا أساليب دينية تُقدم إليك سواءً عن طريق خطب جمعة أو حلقات درس أو مدارس تقدم إليك الدين بشكل اهتمامات معينة تغيب أمامك الأشياء الأخرى المهمة، ويأتي آخر يتحرك إليك يطلعك على الأشياء التي يراها مهمة، فهذا يقول: هذه أشياء لا تشكل أي مشكلة، هذه أشياء لا يُعد الاهتمام بها شيء ضروري، ما الذي سيحصل؟ أليس سيحصل تباين في المجتمع نفسه: فمنهم من يصدق هذا ويمشي على نهجه، ومنهم من يقبل من هذا ويمشي على طريقته، فيؤدي إلى ماذا؟ أليس يؤدي إلى خلخلة وحدة الأمة حتى وإن كانت قد توحدت، حتى وإن كانت قد توحدت سيؤدي إلى ضرب وحدتها، وضرب كيانها فتخلخل صفها من جديد.

 

{وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} (آل عمران: من الآية 104) بهذه الصِّيغَة {وَلْتَكُنْ}، أليس هذا أمر مؤكد يجب أن تكونوا على هذا النحو: أمة تتحرك، ويأتي بصيغ الفعل المضارع {يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} من الصِّيَغ التي تفيد – كما يقولون – الحدوث والتجدد والحركة المستمرة في الدعوة إلى الخير، يتحرك كل إنسان باستطاعته يدعو إلى خير يدعو إليه، لكن في إطار الخطة، في إطار وجهة النظر الواحدة، وإلا فحَذَارِ حذار من دعوات إلى خير بأساليب متعددة، إلى أمر بمعروف بأساليب متعددة إلى نهي عن منكر بأساليب متعددة، من منطلق توجيهات متعددة، وإلا فكلما كان منها منفردًا عن الآخر فلا بد أن يكون له تأثيره المباين لتأثير الآخر، وما النتيجة؟ هي: تفريق كلمة الأمة تحت عنوان: دعوة إلى الخير وأمر بمعروف ونهي عن منكر.

توجيهات تؤكد لنا ضرورة إصلاح المجتمع من الداخل وهذا ما يؤكد السنة الإلهية بأن الله سبحانه وتعالى كما قال: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} (الرعد: من الآية 11) وبهذا نعرف نحن كيف نرد على أولئك الذين يقولون: [ماذا سنعمل نحن بإسرائيل وأمريكا، عندها قوة جبارة وعندها وعندها ونحن ماذا سنعمل ضدهم]؟

 

نقول: اعمل على هذا النحو، ابدأ تحرك بشكل أن تبنى أمة تكون مؤهلة للدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، متوحدة، معتصمة بحبل الله جميعًا، وسيحصل كل شيء مما تراه مستحيلًا سيحصل، المستحيل هو في نفسك أنت وليس في واقع الحياة، وليس فيما هدى الله إليه، أنت في نفسك التي لا تثق بالله، في نفسك العاجزة، في نفسك المهزومة، في نفسك الضالة التي لا تعرف كيف تعمل، هناك المستحيل، أما فيما يهدي الله إليه، أما في واقع الحياة، أما في السنن الإلهية، أما في السنن الكونية فليس هناك شيء مستحيل، إذا ما سرت على ما هداك الله إليه فسيصبح ما بدا أمامك مستحيلًا يصبح يسيرًا وسهلًا.

 

 

 

[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]

 

دروس من هدي القرآن

 

سلسلة دروس أل عمران

 

الدرس الثالث: (ولتكن منكم أمة)

 

ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي

 

بتاريخ: 11/1/2002

 

اليمن – صعدة

مقالات ذات صلة