السعوديّة ولبنان.. من يصرُخُ أولاً؟

مأرب نت || مقالات || د. حبيب الرميمة

 

منذ الهزيمة التي تلقاها التحالفُ الأمريكي وأدواته في المنطقة عام 2٠٠٦م، وفشله في القضاء على حزب الله عسكريًّا، لم يعد هذا الفشل قاصراً على لبنان فقط، وإنما انعكس على تفجير المنطقة برمتها، من الناحية العسكرية ودعم مشروع داعش الوهَّـابي الإرهابي لإقامة ما يسمى (دولة الخلافة الإسلامية في العراق والشام).

 

صمودُ إيران وَلبنان وَالعراق وَسوريا وَاليمن وَتوحيد فصائل المقاومة في غزة عسكريًّا كان المتغير الأبرز في إفشال مخطّط التحالف الصهيوني في المنطقة بعد أحداث ما يسمى الربيع العربي ٢٠١١م، لذا عمد التحالف الأمريكي وأدواتُه إلى تفتيت أجزاء من هذا المحور سياسيًّا، وهذا ما تم في العراق من خلال إسقاط الحكومة السابقة التي كان الجزء الأكبر منها يمثل محور المقاومة، وصعود مصطفى الكاظمي المدعوم أمريكيا وسعوديًّا، وما آلت إليه الانتخابات الأخيرة في العراق والتي شابها الكثير من اللغط السياسي، وبالمحصلة استطاع التحالف الأمريكي وأدواته من إيجاد أرضية أشبه بالثابتة في المعادلة العراقية.

 

مع اقتراب الانتخابات النيابية في لبنان، وتجاوز لبنان لكثير من المطبات السياسية التي جرى عملها منذ سنوات، وخُصُوصاً بعد تبلور محور التطبيع الخليجي الفاضح والواضح، تتجلى حسابات المحور الأمريكي وأدواته بعدم تكرار ما أفرزته الانتخابات النيابية السابقة في لبنان من حصولها على الأكثرية النيابية، وفرضها أمراً سياسياً واقعاً بتشكيل حكومة دياب، والتي واجهت منذ تشكيلها العديد من المطبات السياسية، سواء من خلال تصعيد الاحتجاجات، والتلاعب بالأسعار، والأزمات الاقتصادية، وُصُـولاً إلى انفجار المرفأ كلها كانت تصب في خدمة هدف واحد هو إسقاطها، وإدخَال لبنان في حرب أهلية، خُصُوصاً مع الانهيار الكبير للعملة النقدية (الليرة) الذي رافق تكليف سعد الحريري لأكثر من سبعة أشهر، وما تخللها من أحداث أبرزها أحداث خلدة لجر حزب الله إلى حرب أهلية، وبعد تشكيل حكومة ميقاتي، عمدت بعض القوى المحسوبة لبنانيا على محور التطبيع الخليجي في المنطقة إلى إحداث فتنة الطبونة، لكن حكمة حزب الله وأمينه العام السيد حسن نصر الله، أوصلت رسالة واضحة مفادها ممنوع عودة الحرب الأهلية في لبنان ولا بُـدَّ من إعلاء منطق الدولة والقانون واعتبار الجيش هو الضامن الحقيقي لسلامة العيش المشترك بين كافة الطوائف في لبنان.

 

افتعال محور التطبيع الخليجي بقيادة السعوديّة الأزمة مع لبنان في هذا التوقيت-باعتقادنا- يراد منه تحقيق عدد من الأهداف بعضها داخلية تتمثل في صرف النظر عن الأزمات التي تعانيها تلك الدويلات خُصُوصاً مملكة آل سعود، أكان ذلك بالابتزاز الذي تمارسه أمريكا من خلال تصريحات سعد الجبري (الصندوق الأسود) وكشفه -قبل الأزمة مع لبنان بأيام- عن جزء من جريمة محاولة اغتيال ولي عهد السعوديّة للملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز -الذي كان ولا يزال يحظى بحاضنة شعبيّة كبيرة داخل المملكة- بخاتم روسي مسموم، وهذا التسريب باعتقادنا ليس كُـلّ الحقيقة، خُصُوصاً وأنه منذ موت الملك عبد الله وهناك كثير من التحليلات تحوم حول طبيعة وفاته بين وفاة طبيعية أم اغتيال؟؟

 

هذا من ناحية ومن ناحية أُخرى صرف النظر عن الهزيمة المروعة للسعوديّة في اليمن وتحديداً مَأرب والتي لم تمنع كُـلّ الضغوطات العسكرية والسياسية على المستوى الإقليمي والدولي أن تحول دون تحرير الجيش واللجان الشعبيّة لها.

 

أما على المستوى الخارجي: يتجلى افتعال التحالف الأمريكي وأدواته (محور التطبيع الخليجي بقيادة السعوديّة) للأزمة مع لبنان مع قرب الانتخابات النيابية في تكرار سيناريو العراق أَو بالحد الأدنى منع محور المقاومة من السيطرة على البرلمان المقبل.

 

وهذا ما يفهم بوضوح من خلال تصريحات وزير خارجية آل سعود فيصل بن فرحان، والذي كرّر في أكثر من مقابلة منذ الأزمة” أن أصل الأزمة مع لبنان تعود إلى هيمنة حزب الله، لافتاً إلى أنّ بلاده ستدعم “أية جهود لإصلاح شامل يُعيد لبنان إلى العالم العربي” وهي نفس الأسطوانة التي تم إسقاطها على العراق باسم “الحشد الشعبي” قبل الانتخابات الأخيرة. فالمطلوب من لبنان هو رأس حزب الله كما صرح وزير الخارجية اللبناني بالأمس.

 

إذاً محور التطبيع الخليجي بقيادة السعوديّة يراهن على تفتيت محور المقاومة سياسيًّا بعد أن فشل في مواجهته عسكريًّا.

 

من هذه المنطلقات نعتقد-والله أعلم- أنه لا سقوط أَو استقالة لحكومة ميقاتي أَو للوزير الضحية (قرداحي)، وأن هذه الأزمة ستستمر مع تجييش وتأزيم الشارع اللبناني لحين الانتخابات النيابية..

 

من يدري لعل الوساطات التي تجري الآن تبحث عن كيفية الماكينة الانتخابية التي ستدير الانتخابات، فليس المطلوب أن تكون نفس الشركة الإماراتية التي باعت نظامها للعراق..

 

قد تكون هناك شركة أُخرى ولكن تؤدي نفس الهدف، فهل  فهل ينجح مخطّط التطبيع الخليجي في تغيير المعادلة سياسيًّا -بعد أن يئس من إشعال حرب أهلية في لبنان- أم ستحل خيبة وأزمة خارجية بالإضافة إلى أزمات آل سعود الداخلية (الله أعلم)؟.

 

في لعبة عض الأصابع فقط ننتظر من يصرخ أولاً!.

مقالات ذات صلة