الرياض.. من العنتريات إلى ضبط النفس.. ما السر؟

مأرب نت || مقالات || علي الدرواني

 

وفرت السعودية عنترياتها هذه المرة، لصالح النحيب والعويل ليس على نفسها، وإنما – وشر البلية ما يضحك – على الطاقة العالمية التي قالت أنها تخلت عن مسؤولياتها في توفيرها مع استمرار الهجمات اليمنية، بعد عمليات كسر الحصار الأولى والثانية بمراحلها الثلاث، والتي استمرت أكثر من 24 ساعة لأول مرة في تاريخ عمليات الردع اليمنية، وأوسعها وأكبرها، وهي المرة الأولى تقريباً، التي تنتشر كل تلك الصور والمشاهد للحرائق والدمار الذي يلحق أرامكو والمنشآت الحيوية، بعد أن دأبت السعودية على حظر نشر أي منها طوال سنوات.

 

بيان شركة أرامكو الذي نص على أن «المملكة العربية السعودية تعلن أنها لن تتحمل مسؤولية أي نقص في إمدادات البترول للأسواق العالمية في ظل الهجمات التي تتعرض لها منشآتها النفطية من المليشيات الحوثية الإرهابية المدعومة من إيران»، وفقا لوكالة الأنباء السعودية الرسمية- يمكن قراءته من زاويتين، الأولى وهي مقصودة من البيان الذي سعت السعودية من خلاله إلى تجييش المجتمع الدولي ضد اليمن، تحت عنوان حماية إمدادات الطاقة، ونصت على ذلك صراحة بأن: على المجتمع الدولي الاضطلاع بـ”مسؤوليته في المحافظة على إمدادات الطاقة ووقوفه بحزم ضد المليشيات الحوثية الإرهابية»، حسب تعبير البيان.

 

بالمباشر، تخوض سعودية ابن سلمان حرباً معلنة ضد إدارة بايدن، على خلفية عدم اعترافه بولي العهد السعودي، ورفضه حتى هذه اللحظة إجراء أي اتصال معه، ولو هاتفيا فضلاً عن اللقاء الثنائي، وترسل الرياض هنا رسالة إلى واشنطن من شقين، الأول: دفع بايدن إلى التنازل أمام ابن سلمان، والتعامل معه كقائد للمملكة الجديدة، بما يعنيه أيضا من توفير الحماية اللازمة وتأمين وصول ابن سلمان إلى العرش، في حال تدهورت صحة الملك قبل انتهاء فترة بايدن الرئاسية. والشق الثاني هو دفع واشنطن للقبول بالبحث الجدي عن إنهاء حرب اليمن، التي تنهي عامها السابع ، وعدم ترك السعودية في هذا المأزق دون أي آفاق قريبة ولا بعيدة لنهاية مرجوة أو نصر مأمول فيها، لا سيما وأن القدرات اليمنية تتصاعد يوما بعد آخر، ولا أحد يدري أين ستكون غدا، وما الزخم الناري للصواريخ البالستية والمجنحة والطيران المسير في العمليات الأخيرة، إلا مثال بسيط على ذلك.

 

غير المباشر، هو الزاوية الثانية التي يجب أن ينظر منها إلى البيان، وهي الأهم هنا، فعمليات كسر الحصار كانت عمليات (مركزة وفق بنك الأهداف الخاص بعمليات كسر الحصار) وفق بيان القوات المسلحة اليمنية، أدخلت اليمن كلاعب رئيسي في ميدان الطاقة العالمية، يجب أن يؤخذ برأيه، وأن ينظر في طلباته، وكأن الرياض في بيانها طالبت المجتمع الدولي بالتفاوض مع صنعاء، لكي تكف عن استهداف السعودية لكي لا تتضرر إمدادات الطاقة، وبطبيعة الحال هو أيضا اعتراف يتم انتزاعه على حين غرة من الرياض المكابرة والمنكرة عن فعالية الضربات اليمنية الرادعة لعدوانها وحصارها.

 

بالمقابل لا تريد صنعاء أكثر من رفع الحصار ووقف العدوان وترك اليمنيين يقررون مصيرهم دون تدخل او وصاية لا سعودية ولا أمريكية، وهذا وحده ما يمكن أن يقبل به اليمنيون.

 

نعم.. اليوم لم تتحدث الرياض بلغة العنتريات، والتهديد والوعيد، ولم ترسل طائراتها لقتل وترويع المدنيين في صنعاء وصعدة وبقية المحافظات، اكتفت فقط بضبط النفس، وإتاحة المجال للحوار، ليس هذا كرم أخلاق منها، بل هو إظهار لعجزها عن فعل أي شيء، بعد حملتها الجوية قبل شهرين على صنعاء وادعاءاتها بتدمير مراكز الصواريخ والطائرات ومنصاتها ومخازنها، فماذا عساها ستقصف اليوم، وكيف ستقابل الرأي العام غدا عندما تعود أسراب الطائرات المسيرة، وصليات الصواريخ الدقيقة، وتشتعل النيران في محطات التكرير والتوزيع النفطية.

 

مع هذه المعطيات الجديدة يستقبل اليمنيون عام الصمود الثامن، بكل إيمان وقناعة بأن النصر صبر ساعة، وأن هزيمة تحالف العدوان قاب قوسين، فهل تنهي السعودية لعبة الرعب التي بدأتها، وتستخدم سلم الظروف الدولية والإقليمية للنزول من شجرة المكابرة والعنتريات، هذه فرصتها لو اغتنمتها.

مقالات ذات صلة