انقذوا البراءة من مناظر العنف الدموية

أستاذة علم الاجتماع الدكتورة سكينة هاشم تصرخ عبر “قضايا وناس”:

بينما أسرهم وأهاليهم يجتهدون في حجبهم عن ألعاب “البلاي ستيشن” التي تظهر فيها مشاهد العنف وتدفع لاعبيها إلى تقليدها وتطبيقها على أرض الواقع.. وجد أنفسهم أطفال اليمن أمام مشاهد ومناظر جرائم في حق الإنسان تفوق بكثيرما يدور في تلك الألعاب.
مشاهد وصور بشعة يخلفها العدوان والحروب الدائرة في بعض المحافظات.. أبرزها جرائم “القتل والسحل والحرق والتمثيل” التي شهدتها مدينة تعز مؤخراً.. يشاهدها المجتمع اليمني بمن فيهم الأطفال.. ما يترتب على مشاهدتها أضرار صحية ومجتمعية ونفسية تحدثت عنها في هذا اللقاء المقتضب الأستاذة المساعدة بقسم الخدمة الاجتماعية ـ كلية الآداب والعلوم الإنسانية جامعة صنعاء ـ الدكتورة سكينة أحمد محمد هاشم.. وهنا التفاصيل:

لو تحدثنا في البداية عن وجهة نظر الدكتورة سكينة في الجرائم التي شهدتها مدينة تعز مؤخراً ؟
ـ في أشد الحالات كابوسية لم يكن يخطر على قلب يمني/ يمنية ما حدث من جرائم قتل وسحب وحرق وذبح في مدينة تعز وهي جرائم تذبح كل ما حققته الإنسانية عبر أديانها وقيمها وقوانينها.
جرائم تعز هي اعتداء على مدينة تعز وثقافتها وحضارتها وتسامحها, وذبح لكل جمال, مثلته وتمثله هذه المدينة في وجدان اليمنيين الذين أرعبتهم هذه الجرائم وحوطت مستقبل التعايش بمخاوف جمة.
تلك الجرائم التي ارتكبها المهووسون ليست بالخصوم الذين أسروهم فحسب بل باليمن كله.. بأمن إنسانه وبفطرة بنيه وبناته.. والتي بدون شك سيكون لتلك المظاهر والمشاهدات الحية آثارها المستقبلية.
ما هي الآثار السلبية لمشاهدة مناظر الحرق والسحل.. ؟
ـ مشاهدة المناظر الدامية (القتل، السحل، الحرق…) لها آثار سلوكية ونفسية وخيمة على الكبار والصغار تتجسد في زيادة العنف سواًء الجسدي أو اللفظي على مستوى المجتمع أو البيت.
فتلك المشاهد الدامية لها انعكاسات سلبية مدمرة على نفسية الأطفال الذين يكونون عرضة لسلوكيات عصبية ونفسية قاتلة.. فنلاحظ أن من أهم الآثار تبلد الإحساس والذي أصبحنا نراه ونلمسه لدى الأغلبية فالتأثر أصبح وقتيا فمن الممكن أن ترى شخصا يبكي لمثل هذه المشاهد وبعد أقل من دقيقة يضحك من نكتة وردت إليه فلم يعد للموت ولا لهذه المناظر الرهيبة هيبة، والبعض الآخر بلغ به التوتر منتهاه فتجده يستفز من أي شيء مهما كان بسيطا كل ذلك جراء متابعته لهذه المشاهد.
أما بالنسبة للأطفال فالأمر أشد خطورة بالنسبة لهم, في حين أن الأسرة تخاف وتخشى على أطفالها من ألعاب “البلاي ستيشن” التي يتضمن تفاصيلها عنف وقتل, تجد الأسرة نفسها في جبهة مصيرية قد تأخذ بسمة وبراءة أطفالها, في معركة واقعية وعنف أكثر مما تظهره تلك الألعاب ومشاهد دماء بشكل مستمر.
هل من السهل معالجة آثار هذه المشاهد على الأطفال..؟
– معالجة مثل هذه المشاهد والمناظر صعبة جداً.. لكن الحل الذي ننصح به هو إبعاد الأطفال عن هذه المشاهد بقدر المستطاع, لأن مشاهدة هذه المناظر بالنسبة للأطفال قد تسبب لهم بعضًا من العقد مما يشعرهم بالخوف والرعب والقلق والانطواء والإرهاب الاجتماعي خاصة بوقت الليل إذ قد تأتي هذه الصور بالمنام ويسترجع ما رآه من هذه المشاهد وقد يعيش الدور مما يكون لديه عقدة الخوف من أي صوت مرتفع أو الخوف من الظلام، وبالنسبة للأشخاص الأكبر سنًا فعدم مشاهدة هذه المناظر من قتل ودمار قد يريح الأعصاب ويهدئ البال.
ما هي الأعراض التي قد تظهر على الأطفال نتيجة مشاهدة مناظر العنف..؟
ـ مشاهدة الطفل للأحداث الدامية قد تظهر آثارها بشكل عضوي أو نفسي ونذكر من ذلك تشتت انتباه الطفل، التبول اللاإرادي، الانطواء، الخوف، الاكتئاب، التوتر وتدني الأداء المدرسي حيث يعاني الطفل صعوبة في الاندماج في صفوف المدارس ما يؤدي إلى تدهور الأداء المدرسي لديهم. كما أن هناك عوامل أخرى قد تؤدي إلى تدهور الأداء المدرسي، منها حدوث حالة وفاة أو طلاق في العائلة، تغير عائلي مفاجئ، الإصابة بنوبات مرضية غير متوقعة، مشاكل في أداء الواجب المدرسي نتيجة مواجهة إحدى صعوبات التعلم، القلق أو الاكتئاب، عدم كفاية النوم أو النوم بأسلوب غير مريح وإساءة معاملة الأطفال.
وقد يتعرض الطفل إلى بعض المشاهد القاسية في “التلفزيون” أو من خلال بعض وسائل التواصل الاجتماعي والتي يتعرض فيها الأطفال إلى الإبادة الجماعية فضلا عن مشاهد التعذيب إلى عدم القدرة على الصبر، الإدلاء بتعليقات غير ملائمة وإبداء المشاعر من دون ضبط النفس والتصرف من دون اعتبار للعواقب والعدوانية.
كيف تتخطى الأسرة هذه التأثيرات على أطفالها؟
ـ لكي نتخطى ذلك التأثير علينا ما يلي :
1 –   أن نحدد ما يمكن أن يشاهده الطفل .
2 –   أن نتواجد معه قدر الإمكان ونتحكم فيما يعرض له وهو بمفرده بحيث لا يشمل قنوات التغطية اللحظية للأحداث
3 –   نسمح له بالتفريغ عما شاهدته
4 –   نجيب على تساؤلاته
5 –   ندعمه دعماً معنوياً بان نعبر له بأن هذه الأمور حدثت فى الماضى وتحدث وقبلها وبعدها يبقى العالم
6 –   نجعله يساهم معنا فى عمل إيجابى يشارك به كأن يضع شارة في حجرته –فى السن الصغيرة- أو يذهب لأماكن يقدم فيها الدعم ليشعر بأنه فاعل ، وليس دائماً مفعولاً به لأنه يتوحد مع الأطفال الذين يتعرضون للأحداث .
هل هناك رسالة تود الدكتورة سكينة إرسالها عبر الصحيفة..؟
ـ أدعو عبر صحيفة “الثورة” كل أطراف الصراع إلى إيقاف الحروب والمعارك وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الوضع النفسي والاجتماعي للمجتمع الذي أصبح يعيش في قلق وخوف وتوجس وعدم استقرار نفسي.. وكل هذه وغيرها من الأمراض ناتجة عن الحروب والصراعات.. ولا يمكن معالجتها نفسياً حين ترتفع نسبة الإصابة بها.. كما هي رسالتي ونصيحتي للأسر بأبعاد أبنائها عن هذه المشاهد والمناظر البشعة والمنافية للإنسانية.

#فج عطان:

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً

إغلاق