الأخوان وأزمة الولاءات “ميكروسكوب”

مقالات | 18 يونيو | مأرب برس :

فائز الأشول :

خرج «الأخوان المسلمون» من أحشاء السلفية الوهّابية، ويعرّف حسن البنّا، حركة «الأخوان» بأنها «دعوة سلفية وطريقة سُنّية»، وتجمع مع الوهابية على الإيمان بأن الإسلام في حالة من التردّي بسبب «الجاهلية المعاصرة»، وأن المسلمين اليوم في حاجة إلى العودة إلى «الإسلام الصحيح».

ويؤكد الناشط الإصلاحي مروان الغفوري، أن «حركة الأخوان المسلمين منتج سعودي تاريخي، وأن حسن البنّا كان تلميذاً نجيباً لرشيد رضا»، الذي يصفه بـ«المفكر الإصلاحي»، ويضيف أن رشيد رضا «كان صديقاً للحكّام السعوديين، وسبق له أن ألّف كتاباً عن الوهابية دافع من خلاله عن كتائب وقبائل الإخوان الوهابية النجدية، التي خاضت حروب الجزيرة العربية تحت راية الملك عبدالعزيز».

كما يحيل المؤرّخ المختص في تاريخ الدولة السعودية، دور غولد، إلى مصادر تاريخية، تؤكد أن رشيد رضا قد حصل على أموال طائلة من الحكام السعوديين مطلع القرن الماضي.

بعد وفاة رشيد رضا، صعد تلميذه الأنجب حسن البنّا إلى الواجهة وخلفه في إدارة مجلة «المنار»، التي نشرت العديد من المراسلات بين المرشد البنا والملك عبدالعزيز، ويصف الأول الأخير في إحداها بأنه «أمل من آمال الأمة الإسلامية لإعادة مجدها وإحياء وحدتها».

كما اختار البنّا لجماعته التي أسّسها في العام 1928م، اسم «الأخوان المسلمين»، تيمّناً بالحركة الوهابية «الأخوان». واليوم، وبعد ما يقارب القرن من التكامل وتوزيع الأدوار والعمل «الدعوي والجهادي» المشترك في سبيل عودة «الخلافة» في أصقاع المعمورة تشهد العلاقة بين «الوهابية والأخوان» أزمة ولاءات أخرجتها إلى العلن الحرب على اليمن والخلافات الخليجية البينية التي أنعشت «بورصة الفتاوى» بين علماء السلطة ووعاظ البلاط لدى الطرفين.

فهذا «اتحاد علماء المسلمين» التابع لـ«التحالف الدولي للإخوان المسلمين»، والذي يترأسه الداعية يوسف القرضاوي، المقيم في الدوحة، يصدر فتوى بعدم جواز مقاطعة قطر وحصارها وأنها «حرام شرعاً». لتردّ السعودية بسحب كتبه من المساجد والجامعات في المملكة والتخلّص منها، ويرد مفتي السعودية، عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ، بجواز مقاطعة قطر «شرعاً».

وقال المفتي إن هناك حملة لتشويه صورة الشيخ محمد بن عبدالوهاب، مضيفاً أن دعوته «كانت دعوة إصلاحية للتطهير من البدع والشرك، وكانت دعوة خير، ومن يحاول تشويهها ونشر المغالطات حولها فهو كاذب».

ولفت إلى أن البيان الذي أصدره أحفاد الشيخ محمد بن عبدالوهاب، مؤخراً، وتضمّن التبرؤ من انتساب أمير قطر السابق الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، للشيخ ابن عبدالوهاب، كان واضحاً للجميع، و«مَن يحاول أن ينتسب للشيخ محمد بن عبدالوهاب، وهو ليس منه، فعليه ترك ذلك».

الدوحة المتحالفة مع «الأخوان المسلمين»، وعبر صحيفة «الراية» في عددها الصادر الأربعاء 14 يونيو الجاري، وصفت هيئة كبار العلماء في السعودية بـ«هيئة كبار المنافقين»، وقالت إن المفتي أقحم الدين في السياسة واستخدم الإفتاء في تحليل قطع العلاقات مع قطر. كما هاجمت «الراية» إمام الحرم المكي، السديس، مستنكرة وصفه لإجراءات مقاطعة قطر بـ«السديدة» من على منبر الحرم. وقالت إن الحصار كشف عن رجال دين يروّجون للعطور والغتر، وآخر يسرق الكتب، في إشارة الى الداعية السعودي عايض القرني، المتهم بسرقة كتاب «لا تحزن».

علماء سلطة

الكاتب والباحث في الشؤون الدينية محمد يحي عزان، يقول لـ«العربي»، إن «الكثير لم يعد يثق بعلماء دين السلطة لأنهم صاروا تبعاً لأي سلطة سياسية تنفق عليهم، ويلوون دين الله ليخدم أمرائهم ويؤدون وظيفة الرفع والدفع كيفما طلب منهم».

و يتساءل القيادي في حزب «الإصلاح» المقيم في تركيا، شوقي القاضي: «هل رأيتم بشاعة استخدام الفتوى في تبرير ظلم ذوي القربى الخليجيين، وبشاعة توظيف عاطفة الدين والتدين في الصراعات السياسية ومكايداتها وسذاجة المشائخ وطلابهم عندما يكونون كالأطرش في زفة ميادين السياسة».

القاضي، الذي يستنكر استخدام الفتوى ضد طرف متحالف مع حزبه، «الإصلاح»، يقرّ في منشور بصفحته الرسمية في «فيس بوك» باستخدام حزبه للفتوى التي أصدرها الشيخان عبدالوهاب الديلمي، وعبدالمجيد الزنداني، في العام 1994م، والتي أجازت «شرعاً» الحرب على جنوب اليمن واجتياحه. يقول القاضي: «هي ذاتها الفتوى التي استخدمناها ضد دستور دولة الوحدة وضد شريك الوحدة في صيف 94م عندما كنا أغبياء ومغفّلين وأحجار على رقعة الشطرنج».

ويضيف: «هي ذاتها الفتوى التي يستخدمها قادة الانقلاب لتحشيد الجموع والمغفلين من مليشيات الحوثي /صالح لحصار تعز وقصف مدنييها». ويختم بقوله: «أعلن توبتي واستغفاري واعتذاري وأؤكد دعوتي لتمييز الدعوي عن السياسي».

لكن الشيخ الزنداني، لا يزال يوظف الدين والفتوى في خدمة السياسة ومصالحها. ففي مطلع العام 2015م، ومع بدء حرب «التحالف» الذي تقوده السعودية على اليمن، أعلن الزنداني تأييده لـ«عاصفة الحزم»، ودعا اليمنيين إلى «النفير العام لتعويض ما يعجز عنه الجيش والأمن الموالين للشرعية». ومؤخراً، وبالتزامن مع الإجراءات التي اتخذتها الرياض وأبوظبي ضد قطر، تداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو للشيخ الزنداني وهو يمتدح قطر ويبكي على تركيا.

تناسل التطرّف

الكاتب والباحث عبدالباري طاهر، يقول لـ«العربي»، إنه «بمجيء أحمد بن تيمية الحراني، من علماء القرن الثامن الهجري، وفي ظل انهيار دولة الخلافة الإسلامية، شكّلت فتاواه نقلة شاملة في التكفير وتعميم إلزامية الجهاد الطلبي، ليس ضد بقايا المغول والتتار إلى جانب الصليبيين، وإنما ضد الفرق الباطنية وبقية الطوائف الإسلامية المختلفة. ومع مجيء محمد ابن عبدالوهاب، تحوّل التكفير ضد الداخل الإسلامي المغاير والمختلف». ويضيف أن «جهاد الوهابية منذ البدء كان في مواجهة أكبر مع العثمانيين ومع الأنظمة و الطوائف الموالية للخلافة الإسلامية أكثر مما هو موجه ضد البريطانيين أو القوى الاستعمارية الأخرى».

ولفت إلى أن الجماعات الجهادية الوهابية بقيادة فيصل الدويش، حملت اسم «الأخوان». وعندما تأسّست جماعة «الأخوان المسلمين» عام 1928م، حملت اسم «الأخوان »، ومنذ البدء كانت علاقاتهم مميزة بعبد العزيز آل سعود. وتكرر حج حسن البنّا، ولقاؤه بالملك عبدالعزيز، وراهن البنّا على السعودية واليمن لانطلاق الدعوة، استناداً إلى بعض الأحاديث. ويؤكد طاهر، على أن «الوهابية والأخوان المسلمين تتوافق في محاربة ومعاداة التجديد والتحديث الآتي من عهود النهضة و التنوير الأوروبية، فالإسلام لديهم مكتف بذاته ولا يحتاج للانفتاح على العصر وتياراته الفلسفية والعلمية الكافرة».

ويضيف أنه «حصل تلاقح وتلاقٍ أكبر بين الوهابية والأخوان ولعب الأخوان، وبالأخص من مصر و سوريا، دوراً تأسيساً في صياغة المناهج التربوية، وفي التأسيس السياسي لتجديد التيار الوهابي والتوجيه الإعلامي والسياسي للدولة السعودية»، مؤكداً أن «التيارات المتطرّفة في الإسلام السياسي كلها تناسلت من تلاقح بين الوهابية والأخوان المسلمين».

نهاية فترة العسل

أطل «الأخوان» من منبر قناة «الجزيرة» القطرية عام 1996م، بخطاب مغاير عن المدنية والديمقراطية والحقوق والحريات والمواطنة، تحت شعار «الرأي والرأي الآخر»، والذي كان غريباً على المنطقة العربية.

هذا الخطاب أسهم في إخراج عدد من رجالات الوهابية في الخليج من المسائل الفلكلورية والقبورية وأصبحوا يتحدثون في مجال السياسات العامة، وهذا المزيج الأخواني الوهابي أنتج مدرسة كان لها التأثير الكبير في السعودية وبقية دول الخليج، وهي ما سمي بـ«الصحوة الإسلامية»، وكان سلمان العودة، وسفر الحوالي، وعائض القرني، من رموزها في السعودية. كما تأسّس تيار داخل السعودية سمى بـ«السرورية»، نسبة إلى «الأخواني» السوري المنشق محمد سرور زين العابدين، وهو مزيج بين الفكر الأخواني والوهابية.

ولكن فترة العسل بين الأخوان والأنظمة الخليجية لم تعمّر طويلاً، إذ قادت هذه التيارات الجديدة (الصحوة والسرورية) معارضة للنظام السعودي، خاصة في حرب الخليج الأولى، باعتبارها تواطؤ من حاكم المملكة مع دول الغرب الاستعمارية، وكان هذا هو نفس موقف زعيم «القاعدة» أسامة بن لادن، الذي مثلت قناة «الجزيرة» الوكيل الحصري لبياناته. ومنذ تلك الفترة، استفحل العداء بين النظام السعودي و«الأخوان»، وسُجن أهم رموز تيار «الصحوة»، وتمت ملاحقة «السروريين» وأصبح «الأخوان» ومن انحدر منهم، العدو الأول والأكبر للمملكة «الوهابية»، وأصبحوا يتهمون بالتآمر على أمن دول الخليج.

العثمانيون الجدد

وفي الأزمة الخليجية الحالية، ظهر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، منحازاً إلى الدوحة، وواصفاً حصار قطر بـ«غير الإنساني»، وهو موقف اعتبره مراقبون ترجيحاً لكفة «الأخوان» لدى النظام التركي، الذي يرى أن علاقته مع التنظيم أهم من العلاقة مع الأنظمة الخليجية، وأن أردوغان يشعر بأن أي اتهام لقطر بدعم «الأخوان» وتمويل الإرهاب، هو في حقيقته اتهام لتركيا التي تتشارك مع قطر نفس السياسات والتوجهات.

أمين حزب «الحق»، وزير الشباب والرياضة في حكومة «الإنقاذ»، حسن زيد، كشف عبر منشور له بصفحتة الرسمية في «فيس بوك»، عن لقاء جمعه بوزير الخارجية السعودية سعود الفيصل، عقب توقيع الأطراف اليمنية على المبادرة الخليجية في العام 2012 م. وكتب: «ما لفت انتباهي خلال حديثي مع الأمير سعود الفيصل، تأكيده عليّ وباستفاضة، على أن مصدر الخطر على المملكة هو الخطر العثماني وليس الفارسي». مضيفاً أن الأمير السعودي كاشفه في اللقاء بقوله إن «العثمانيين احتلوا الدرعية بقيادة إبراهيم باشا»، ملمّحاً إلى خطر وصول الأخوان المسلمين إلى الحكم في مصر آنذاك، كامتداد لحكم «الأخوان» في تركيا ومخاطر سيطرتهم على اليمن من خلال حزب «الإصلاح». وبحسب حسن زيد، فإن الأمير سعود الفيصل، «كان يرى في الأخوان المسلمين عثمانيون جدد».

شرق أوسط جديد

وعقب موافقة البرلمان المصري على منح الرياض حق السيادة على جزيرتي تيران وصنافير، دعت جماعة «الأخوان المسلمين» الشعب المصري للخروج إلى الشارع لإسقاط نظام الرئيس عبدالفتاح السيسي، وقالت في بيان لها إن «هذا النظام الإنقلابي الخائن أسال الدماء، وفرّط في الوطن».

الكاتب والباحث محمد ناجي أحمد، يقول لـ«العربي»، إنه «في الصراع القطري السعودي من الملاحظ أن الهدف منه هو توجيه ضربة للأخوان المسلمين، من خلال ترويض خطابهم وتهجينهم بما يتناسب والمرحلة القادمة التي لم تصبح مرحلة تطبيع ومقاومة، وإنما المطلوب دور فاعل في تحويل الكيان الصهيوني إلى كيان مهيمن على المنطقة، وما إصرار السعودية على انتزاع جزيرتي تيران وصنافير الواقعتين على مدخل خليج العقبة إلا خطوة من خطوات تعمل على جعل إسرائيل رأس المشروع الشرق أوسطي، وتأتي خطوة ضرب الأخوان كخطوة أخرى في هذا المشروع».

ويضيف أن «الأخوان وان كانوا قوى غير ثورية، إلا أن تماسكهم التنظيمي وحضورهم الشعبي الذي بني على ضرب قوى اليسار والقوميين، أصبح يشكل خطراً على المشروع الشرق أوسطي الذي يجب أن يكون شرقاً مفتتاً، محوره وقطب الرحى فيه إسرائيل».

صراع الممولين

وفي اليمن، تتباين ولاءات الجماعات السلفية الوهابية ومواقفها، فالمليشيات السلفية في عدن بقيادة هاني بن بريك، توالي الإمارات، وكتائب «أبو العباس» السلفية في تعز تتلقى التمويل من أبوظبي والرياض، وتخوض صدامات مع الجناح العسكري لحزب «الإصلاح». أما السلفيون في ذمار، بقيادة محمد الإمام، وفي إب بقيادة محمد المهدي، فيدينون بالولاء لـ«هيئة كبار العلماء» في السعودية والجمعيات الخيرية في المملكة والكويت، ويحتفظون بمهادنة مع علي عبدالله صالح، و«أنصار الله». فيما يرتبط الشيخ أبو الحسن الماربي، المصري الجنسية، وتلاميذه في مأرب، بعلاقات ملتبسة مع السلفية الوهابية «الإصلاح» وتنظيم «القاعدة».

في مقابل ذلك، يعيش حزب «الإصلاح» أزمة ولاءات هي الأخطر، كما يقول الكاتب والصحفي محمد عايش، الذي يتساءل: «هل يوالي الإصلاح السعودية التي تموّل قياداته أم يخسرها لمصلحة ولائه لقطر التي تدعمه وترعاه وتموله بالمال والإعلام والسياسة؟ وماذا عن الولاء لتركيا أردوغان؟ هل ستتطوّر أزمة اللاعبين الإقليميين بالإسلام السياسي السُنّي لتضع ولاء الإصلاحيين لأنقرة على المحك بعد أزمة الولاء للسعودية وقطر؟». ويختم عايش بالقول إن «الإصلاح يواجه خطر التشظي والإجتثاث، وتقديمه قرباناً في صراع الممولين».

المصدر: العربي

مقالات ذات صلة