هل ثمة “ربيع عربي” جديد في الخليج؟

مقالات | 16 يوليو | مأرب برس :

ايدي كوهين :

الوضع في الخليج هش وحساس إلى درجة كبيرة، ومن شأن سقوط أية إمارة من إماراته أن يستتبع سقوط (إمارات) أخرى وذلك وفق أثر الدومينو المعروف. فالخليج يواجه إحدى أخطر الأزمات الاقتصادية في تاريخه والتي قد تُلحق الضرر باستقرار عدد من الممالك. وانفجار الغضب ومظاهرات الاحتجاج ضد ارتفاع الأسعار وفرض الضرائب والبطالة الآخذة في الارتفاع، على النحو الذي حدث في كل من تونس ومصر وليبيا واليمن، وكذلك سوريا في 2010 – 2011، والتي هي كابوس لأي زعيم عربي، هي سيناريو ممكن التحقيق ومن شأنه أن يتحول إلى واقع في هذه الأيام.

الأزمة مع قطر لم تنتهِ بعد، وهذه الإمارة قد رفضت بشدة الاستجابة للمطالب السعودية الـ 12 مقابل رفع الحصار وتطبيع العلاقات مع الرباعية

الأزمة مع قطر لم تنتهِ بعد، وهذه الإمارة قد رفضت بشدة الاستجابة للمطالب السعودية الـ 12 مقابل رفع الحصار وتطبيع العلاقات مع الرباعية

لقد تدهور الوضع الاقتصادي في المملكة العربية السعودية خلال السنوات الأخيرة بشكل غير مسبوق. إذ أدى استمرار تدهور أسعار النفط في السوق العالمية، والمساعدات الضخمة التي تقدمها لمصر منذ عام 2013 في أعقاب صعود عبد الفتاح السيسي إلى سدة الحكم، وكلفة تمويل التحالف الذي يحارب ضد الحوثيين وحلفائهم الإيرانيين، وبطبيعة الحال الدعم الكبير الذي تقدمه السعودية للمتمردين في سوريا، كل هذه الأمور ألحقت الضرر بالخزينة العامة وبجيوب حكامها. وكنتيجة لذلك اضطرت الرياض إلى خصم حوالي 900 ريال (حوالي 300 دولار) من رواتب العسكريين والعاملين في القطاع العام وذلك كجزء من عملية التخفيضات الكبيرة في (نفقات) الإدارات العامة والتي اشتملت على إلغاء الزيادات في الرواتب ومنح العمال.

 

 

وحتى أن السلطات قد اضطرت مؤخراً لرفع الضرائب على السجائر وعلى مشروبات الطاقة إلى نسب بلغت 100% من قيمة المنتَج، وذلك بعد أن تم في حزيران / يونيو فرض ضرائب جديدة. وأحد مؤشرات الأزمة الذي يجسد خطورتها هو فرض رسوم على الطرقات والتي سيدخل العمل بها حيز التنفيذ اعتباراً من شهر نيسان / أبريل 2018 وذلك لقاء استخدام الطرق في منطقة الرياض، وكذلك عند المداخل والمخارج التي تربط السعودية مع الدول العربية المجاورة. وبالإضافة إلى تأثيره الواضح على مواطني المملكة فإن من شأن الوضع الاقتصادي في السعودية  أن يؤثر أيضاً على دول أخرى في الخليج وفي مقدمتها البحرين، التي تعاني من أزمة عميقة ومتواصلة ومن نشاطات تخريبية من جانب طهران التي تسلح وتمول جماعات شيعية في هذه الإمارة بهدف تقويض الاستقرار فيها.

 

هذا ويجيد الإيرانيون استغلال المشاكل التي تواجهها السعودية في البحرين. فقد أحبط السعوديون، منذ فترة ليست بالبعيدة، محاولة لتنفيذ عملية تخريبية كان من المقرر تنفيذها في مكة. ومن غير المستبعد ان تتصاعد النشاطات التخريبية الإيرانية في محاولة لتقويض الاستقرار في المملكة (واستقرار البحرين أيضاً) وذلك عن طريق استخدام ميليشيات مسلحة داخلها. وعلاوة على ذلك فإن إيران الشيعية تساند قطر التي كان من المقرر وفق الخطة (السعودية) أن تتوسل لإلغاء المقاطعة المفروضة عليها، وهي بذلك قد دقت إسفيناً بين إمارات الخليج العربية وعززت موقعها كقوة مهيمنة في المنطقة. وفي هذا الإطار تقوم طهران كل يوم بإرسال عشرات الأطنان من المواد الغذائية والمواد الخام عبر البحر، مجاناً، والتي أغرقت الأسواق ومراكز التسوق في قطر. إلا أنه لا توجد وجبات مجانية. إذ يُنظر إلى إيران اليوم على أنها هي من أنقذت قطر، وستضطر الإمارة في المستقبل لسداد هذا الدين وتعويض إيران عنه. وقد أعطت المساعدات الإيرانية المؤشرات على نجاحها وذلك من خلال ضعف التحالف السياسي – العسكري السني الذي جاء لمواجهة التطلعات التوسعية من جانب طهران. والمثال على ذلك هو انسحاب قطر من التحالف (الذي يخوض الحرب) في اليمن.

 

إن الوضع في الخليج هش وحساس إلى درجة كبيرة، ومن شأن سقوط أية إمارة من إماراته أن يستتبع سقوط (إمارات) أخرى وذلك وفق أثر الدومينو المعروف. فالخليج يواجه إحدى أخطر الأزمات الاقتصادية في تاريخه والتي قد تُلحق الضرر باستقرار عدد من الممالك. وانفجار الغضب ومظاهرات الاحتجاج ضد ارتفاع الأسعار وفرض الضرائب والبطالة الآخذة في الارتفاع، على النحو الذي حدث في كل من تونس ومصر وليبيا واليمن، وكذلك سوريا في 2010 – 2011، والتي هي كابوس لأي زعيم عربي، هي سيناريو ممكن التحقيق ومن شأنه أن يتحول إلى واقع في هذه الأيام.

 

أضف إلى ذلك أن الأزمة مع قطر لم تنتهِ بعد. وهذه الإمارة قد رفضت بشدة الاستجابة للمطالب السعودية الـ 12 مقابل رفع الحصار وتطبيع العلاقات مع الرباعية (السعودية ومصر والإمارات العربية المتحدة والبحرين)، بما في ذلك تخفيض مستوى التمثيل الدبلوماسي مع إيران، ومغادرة أعضاء الحرس الثوري الإيراني الموجودين في قطر، وإغلاق القواعد العسكرية التركية فيها، وقطع علاقات قطر مع كل من الإخوان المسلمين وحزب الله والقاعدة وداعش ووقف تمويلها، وتسليم الإرهابيين الموجودين في قطر لدول الرباعية، وإغلاق شبكة الجزيرة، ودفع تعويضات للرباعية.

 

وإن لم يكن كل ذلك كافياً فإن فشل الجهود لعزل قطر وإجبارها على القبول بمطالب الرباعية قد أثار المخاوف من احتمال حدوث تدخل عسكري سعودي في الإمارة. وفي مقابل ذلك فإن إيران قد فازت بالكثير من النقاط من العرب بسبب دعمها لقطر وذلك كجزء من اللعبة الإستراتيجية طويلة المدى التي تسعى في إطارها إلى الفوز بتعاطف بعض الدول العربية في بداية الأمر، وتسليح وتشغيل جماعات مؤيدة لها في الخليج في مرحلة لاحقة. إن إيران تسعى إلى تقييد النفوذ الأمريكي والسعودي في الخليج، وهي تحاول السيطرة على العالم الإسلامي، وعلى الثروات الطبيعية في الخليج، وكذلك الحال على الأماكن المقدسة، وذلك عن طريق وكلائها كالحوثيين في اليمن، القريبين منها، والذين يتشاطرون الحدود مع السعودية.

 

وإذا ما نجحت الخطة الإيرانية فإنه سيتم تقاسم الخليج بينها وبين روسيا، وهو وضع غير جيد لإسرائيل. صحيح أن الأزمة الحالية غير مرتبطة بإسرائيل، وهي ليست طرفاً فيها، إلا أنه يجب عليها متابعة ما يجري عن كثب، عبر طرق كثيرة من بينها واشنطن – على الرغم من أن الوضع الحالي يبدو للوهلة الأولى جيداً للأمريكيين إذ أنه ليس هناك توقيت أفضل للجمع بين التوتر وبين مبيعات الأسلحة والعتاد العسكري على النحو الذي حدث خلال زيارة الرئيس ترامب إلى الرياض. ومع ذلك، فإنه كان من المستحسن، حتى في ظل البحث عن المكاسب الاقتصادية، مهما كانت كبيرة، أن تسعى واشنطن إلى تعزيز الاستقرار الإقليمي حتى لا تتدهور المنطقة إلى “ربيع عربي” جديد.

 

ترجمة: مرعي حطيني

مقالات ذات صلة