5 أسباب تفسّر تجميد إدارة ترامب مساعداتها لمصر؟

مقالات | 26 اغسطس | مأرب برس :

 

تساءل كثيرون عن أسباب، حجب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مساعدات واشنطن للقاهرة بقيمة إجمالية 290 مليون دولار. القرار الذي وضعه البعض في إطار الفوضى التي تخلقها أمريكا في المنطقة، حمل رسائل عدّة للجانب المصري.

 

لا تنحصر الإجابة على هذا السؤال، بأحد الجانبين، بل هناك عدّة أسباب تفسّر القرار الأمريكي، بعضها يتعلّق بالجانب الأمريكي حصراً، والآخر مصري، في حين أن هناك أسباب مشتركة تتعلّق بالجانبين المصري والأمريكي معاً.

 

وبما أنّه لا بدّ من شمّاعة لكل قرار أمريكي، استخدمت واشنطن شمّاعتها البالية المتمثّلة في حقوق الإنسان بغية تبرير قرار حرمان مصر من جزء من المساعدات السنوية، فقد رحّب رئيس لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ الأميركي السيناتور الجمهوري جون ماكين بقرار ترامب لعدم إحرازها تقدما على صعيد “احترام حقوق الإنسان والمعايير الديمقراطية” التي وضعها الكونغرس. وهذا ما جاء في نص قرار الرئيس ترامب أيضاً، ولكن هل يحقّ لمن يدعم العدوان السعودي على اليمن أن يتحدّث بحقوق الانسان؟ ماذا عن العراق وأفغانستان؟ ماذا عن الغارات التي تستهدف المدنيين في الرقّة وبقيّة المدن السوريّة والعراقيّة؟

 

القرار الذي بدا غريباً لكثيرين بسبب الدعم المتبادل بين ترامب والسيسي سواءً إبان الحملة الانتخابية، أو في المئة يوم الأولى في البيت الأبيض، لم يخرج عن سياق قرارات ترامب التي تراجع عنها سواءً في السعوديّة، سوريا اتفاقيّة المناخ، ومؤخّراً أفغانسان، وبالتالي اعتاد ترامب أن ينقلب على عقبيه والوعود التي أطلقها، ومصر ليست عن هذا الأمر ببعيد.

 

لندع جانباً، الغموض الأمريكي وضبابيّة البيت الأبيض بعد إقالات طالت قيادات الصفّ الأوّل، وبصرف النظر عن انقلاب ترامب على السيسي، قد يكون مناسباً الإشارة إلى نقاط عدّة تفسّر حقيقة القرار الأمريكي ضدّ مصر:

 

أوّلاً: وفي الأسباب المصريّة، ربط كثيرون قرار قطع العلاقات الأمريكية بقانون الجمعيات الأهلية، وهذا ما كشفه مسؤول أمريكي لـ “نيويورك تايمز”. كذلك، يرى أمين سر لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب، النائب طارق الخولي، أن قانون الجمعيات الأهلية، سبب رئيسي، لقرار أمريكا بحجة عدم إحراز تقدم في مجال احترام حقوق الإنسان ومبادئ الديمقراطية. المراكز البحثية الأمريكية، التي تلعب دور كبير في عملية صنع القرار الأمريكي، قد شنت حربها على القانون بعد أن أغلقت فروع هذه المراكز في مصر لمخالفتها القانون، وهو ما حدث بإغلاق المعهدين الديمقراطي والجمهوري بسبب المخالفات فيما يعرف بقضية التمويل الخارجي، وهو ما أثار حفيظة هذه المراكز التي تولت الحرب على القانون والضغط لتخفيض المعونة الأمريكية. على سبيل المثال تطرّق معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى إلى القانون بمقال تحت عنوان: قانون الجمعيات الأهلية في مصر حيث لفت الكاتب إلى هذا القانون يعدّ خطوة أولى للإجهاز على المنظمات الحقوقية في مصر.

 

ثانياً: في الأسباب الأمريكية، هناك سعي أمريكي واضح لتشحيل المساعدات المقدّمة إلى الدول وبقيّة المنظّمات. هنا نستذكر موقف ترامب من الناتو ومطالبته للدول برفع حصصها فضلاً عن مطالبة السعودي، البقرة الحلوب كما يسمّيها، بدفع الجزية مقابل الحماية. اليوم، يستكمل سياسته التي بدأها برفع الإيرادات وخفض المصاريف لإعادة امريكا عظيمة مجدّداً وفق شعاره الانتخابي. يرشح هذا النهج في قرارات ترامب الداخلية أيضاً، ففي حين يتمّ الحديث عن خفض لميزانيّة وزارة الخارجيّة الامريكية، وقع ترامب، أمس الجمعة، وثيقة أمر بموجبها وزارة الدفاع بالتوقف عن تجنيد متحولين جنسيا، مشيراً إلى أنّ البنتاغون لن يتحمل بعد اليوم تكاليف العلاجات الطبية للعسكريين المتحولين جنسيا. الرئيس التاجر، رجل الأعمال وعملاق العقارات يعمل على إدارة الدولة بعقلية تجاريّة محض، الأمر الذي سيتسبّب بخسائر سياسيّة فادحة لواشنطن خلال الفترة القادم.

 

ثالثاً: وفيما يتعلّق بالأسباب المشتركة، هناك سبب رئيسي يفسّر القرار الأمريكي. نتحدّث هنا عن بوادر عودة العلاقات المصرية السوريّة إلى دفئها السابق. في الحقيقة، ترى واشنطن أن العودة المصريّة إلى سوريا لا تزال مبكرة لأن موقف القاهرة سيعزّز من استقرار سوريا، ويكون مدخلاً للعديد من الدول العربيّة. وبالتالي، ستؤثر هذه العودة على مكاسب واشنطن

من الأزمة السوريّة، خاصّة أنها لم تعد تمتلك سوى الورقة الكرديّة التي فتحت على نفسها جبهات عدّة كانت بالغنى عنها.

 

رابعاً: في الأسباب المشتركة أيضاً، لا يمكن لواشنطن التغافل عن مواقف مماثلة من مصر، ففي حين تمتلك القاهرة علاقات قويّة مع كوريا الشماليّة (أوعزت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية قطع المساعدات لهذا السبب)، تعدّ مصر لاعباً بارزاً في المشهد الليبي عبر دعمها لحفتر الذي توجّه مؤخّراً إلى روسيا. أي أنّ مصر تقبع في الساحة الدوليّة على النقيض من الموقف الأمريكي.

 

خامساً: البعض ربط مسألة المساعدات بموقف مصر من القضيّة الفلسطينية، وفتحها للعلاقات مع حماس مؤخراً. يسعى الرئيس ترامب، وفي إطار دعمه لصهره اليهودي جاريد كوشنر كبير مستشاري الرئيس الأميركي لبحث سبل دفع عملية السلام في الشرق الأوسط، يسعى لإتمام صفقة القرن وإنجاح هذه الوساطة عبر الضغط على مصر، بغية ضغط الأخيرة على الجانب الفلسطيني، لاسيّما المحاصر في غزّة باعتبار أنّ تملك البوابة الاخيرة لأهالي القطاع من وإلى العالم.

 

اللافت أنّ هذه الأموال المجمدة من المعونة، سيتم وضعها في حساب خاص، ويمكن لمصر الحصول عليها إذا تحسن سجلها في مجال الديمقراطية، وفق صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية. أيّ أنّ واشنطن تركت الباب مورباً أمام القاهرة للتراجع عن قراراتها في الملفات التي تزعج واشنطن، فهل سترضخ القاهرة للضغوطات الأمريكية، أم أنّها ستردّ بانسحاب أكبر نحو الشرق، سوريا وروسيا وغيرهما؟

* الوقت .

مقالات ذات صلة