جائزة نوبل للسلام.. تأمل في واقعها!

مقالات | 20 سبتمبر | مأرب برس :

جائزة نوبل للسلام ودون أي منازع هي الجائزة الأكثر شهرة على الصعيد العالمي. وهي واحدة من أصل خمسة جوائز تُعطى للشخصيات البارزة في مجالات الكيمياء، الفيزياء، الأدب والعلوم الطبية إضافة للناشطين في مجال السلام العالمي. وقد أخذت هذه الجائزة اسمها من مؤسسها مخترع مادة البارود العالم السويدي الشهير ألفرد نوبل.

عام 1901م كان عام انطلاق الجائزة التي أعطيت في حينها لمؤسس منظمة الصليب الأحمر الدولية “هنري دونانت” وذلك لجهوده في المجال الإنساني. وتتألف اللجنة التي تشرف على اختيار الشخصية المؤهلة للحصول على الجائزة من خمسة أشخاص يتم انتخابهم من قبل البرلمان السويدي. والجائزة عبارة عن ميدالية ذهبية، شهادة افتخارية ومبلغ من المال يقدر بمليون دولار.

أما اللافت في هذه الجائزة أنها ومنذ السنوات الأولى لانطلاقتها كانت موضع تشكيك وانتقاد بسبب بعض الحائزين عليها والذين تحوم حولهم شبهات ومشاكل تتنافى مع أصل فكرة السلام. هذا الأمر حوّل هذه الجائزة إلى جائزة (على الرغم من شهرتها الواسعة) ذات طابع سياسي ومشكوك في صدقيتها من قبل المحافل الأكادمية وحتى السياسية. هنا سنورد بعضٌ من جملة الانتقادات الواسعة التي تطال هذه الجائزة ومعاييرها.

ازدواجية المعايير

هي ملاحظة مهمة جدا حول جائزة نوبل وهي أن معظم الحائزين عليها إلى اليوم هم من الغربيين باستثناء موارد قليلة، وكأن هذه الجائزة وجدت في جغرافيا غربية لتبقى هناك. وكأن ألفرد نوبل مؤسس هذه الجائزة سطّر منذ أكثر من قرن قاعدة مهمة تقول أن السلام والعدل لا يمكن أن يعمل على بسطه سوى شخصيات وجمعيات غربية. وكأن المجتمعات الشرقية غير قادرة على إنتاج السلام والترويج له. والمثال الصارخ الذي يطرح نفسه هنا هو الهندي المهاتما غاندي الذي لم يكن في زمانه أحد أكثر لياقة منه بالحصول على هذه الجائزة ولم يحصل عليها رغم ترشيحه لها لخمسة مرات.

الملاحظة الثانية هي أن شخصيات العالم الثالث التي حصلت على الجائزة ومنهم نلسون مانديلا كان سبب حصولهم عليها نشاطهم من أجل بسط السلام في بلادهم فحسب. أما الشخصيات الغربية فكان نشاطها عالميا، أي أوسع من رقعة سكنهم. وكأن دول العالم الأول لم تكن يوما بحاجة لهذه المساعي ولم تكن يوما هي المبادرة إلى حروب كما الحال في الدول الأخرى.

الأهم من الناحيتين المذكورتين أعلاه هو حقيقة أن بعض من حصل على جائزة نوبل للسلام من الشخصيات الغربية وغيرها ليسوا فقط غير ناشطين في هذا الإطار، بل حتى إن البعض منهم يعتبرون رأس الهرم في نشر التطرف والحروب حول العالم. ومن هؤلاء يمكن الإشارة إلى ثلاثة من رؤساء الكيان الإسرائيلي مناحيم بيغن (1978) اسحاق رابين وشيمون بيريز (1994) وهم من رموز اضطهاد الفلسطينيين وتضييع القضية الفلسطينية. يكفي أنهم شغلوا منصب رأس الدولة التي تأسست على أجساد الأطفال والنساء من فلسطين. الشخصية الأخرى التي يمكن الإشارة إليها هي هنري كسينجر وزير خارجية أمريكا في عهد نيكسون، هذا الوزير صاحب عقيدة كسينجر في الأمن القومي الأمريكي. هذه العقيدة التي كانت منشأ الحركات المتطرفة في أفغانستان والتي تحولت فيما بعد إلى طالبان والقاعدة.

من الشخصيات الحديثة كان باراك أوباما الرئيس الأمريكي السابق، الذي تقول وزيرة خارجيته هيلاري كلينتون في مذكراتها وبصراحة: “نحن من أوجدنا داعش لنقسم الشرق الأوسط”.

الأمثلة كثيرة وهنا لا يتسع المقال لذكرها جميعا، ولكن من الضروري ذكر آن سونغ سوتشي التي حصلت على هذه الجائزة عام 1991م والتي تنفذ اليوم مجزرة منظمة بحق أقلية الروهينغيا المسلمة في ميانمار على مرأى ومسمع العالم أجمع. حكومة الأخيرة اليوم ترفض حتى الإدانات الدولية بحق ما يحصل مع مسلمي الروهينغيا لعلمها أن الغرب والعالم المنافق معها يقف خلف مشروعها للسلام في المنطقة.

طبعا ليست وحدها جائزة نوبل للسلام باتت موضع شك، بل حتى الجوائز العلمية هناك من يشكك في طريقة انتخاب أصحابها، حيث أن الغالبية القصوى للحائزين على هذه الجوائز هم من الأمريكيين، وكأن مسيرة التقدم والتطور العلمي باتت لزاما أن تمرّ من عند العم سام. وهذا الكلام والتشكيك صادر من قبل علماء وباحثين غربيين وليس من دول العالم الثالث فحسب.

جائزة نوبل لخدمة مصالح الغرب

حقيقة هذه الجائزة وأسلوب انتخاب الفائزين بها تؤكد يوما بعد آخر حقيقة مهمة وهي أنها باتت وسيلة لتمرير المصالح الغربية في مختلف أصقاع الأرض.

كل من حصل على هذه الجائزة هم ممن يحملون فكرا ليبراليا غربيا، وهؤلاء يؤمّنون المصالح الفكرية الغربية قبل أي شيئ (من حيث يدرون أو لا يدرون). وقد يكون مثال غورباتشوف أكثر الأمثلة وضوحا في هذا السياق. غورباتشوف وبفضل سياساته الإصلاحية أودى إلى سقوط الاتحاد السوفييتي إلى ما لا نهاية. أنور السادات الرئيس المصري مثال آخر، وتحت عنوان نشر السلام كان أول من أطلق عملية السلام والتطبيع مع الكيان الإسرائيلي الغاصب لفلسطين.

ختاما وفي خلاصة مقالنا نُدرك أن جائزة نوبل للسلام باتت وسيلة للتسويق لفكر غربي يؤدي لمصالح الغرب فقط، وفي حال وصلت هذه الجائزة لعربي أو مسلم أو لفرد من العالم الثالث فإن هدفها فتح المجال لمزيد من الغزو الفكري والثقافي والتوسع في عالمنا الشرقي بالخصوص ودول العالم الثالث بشكل عام وتثبيت واقع ينفع الغرب ويضرّ بمصالح دولنا.

*الوقت .

مقالات ذات صلة