العقوبات الجديدة ضد إيران وحزب الله: رهانات أمريكية فاشلة!

مقالات | 28 اكتوبر | مأرب برس :

بقلم / محمد علي جعفر :

(باحث في إدارة المنظومات والشؤون الاستراتيجية)
شكَّل حزب الله خلال الأيام الماضية حديث الإعلام، لا سيما الغربي منه. اجتمعت في واشنطن أركان جيوش دول، إضافة الى قيادات من الجيش الإسرائيلي للتشاور في كيفية مجابهة خطر حزب الله المتعاظم. أحب المسؤولون الأمريكيون أن يعودوا في هذا التوقيت بالذات الى ثمانينات القرن الماضي، للحديث عن تفجير مقر المارينز عام في 1983 في بيروت. في ظل حملة إعلامية وسياسية تستهدف محور المقاومة وعلى رأسه إيران وتشمل الترويج لعقوبات ضد الحزب وطهران. كل ذلك يأتي ضمن سياسةٍ مدروسة، تُعتبر جزءاً من استراتيجية كسينجر الاحتوائية. لكن هذه المرة، يجري ذلك في ظل ظروفٍ إقليمية ودولية جديدة. فكيف يظهر التخبط في السياسة الأمريكية؟ وما أدوات الحرب الجديدة ضد حزب الله وإيران؟ وكيف تسعى واشنطن لشيطنة حزب الله كمقدمة لاستهداف إيران؟

مخاض البيت الأبيض: السياسة الدولية لأمريكا تتخبَّط!

وصل ترامب لرئاسة الجمهورية ليكون الرئيس الأمريكي الأكثر جدلاً. سعى ترامب لإدارة السياسة الأمريكية بمنطق رجال الأعمال. استنفر القيِّمون على القرار الدولي وأصحاب الغيرة على الهيبة الأمريكية. فتمَّت إقالة العديد من المساعدين المقرَّبين له، لتدخل الى مراكز القيادة في الإدارة الأمريكية مجموعةٌ أكثر رصانة شكَّلت جوقةً حول الرئيس تلجم أفكاره المُتطرّفة بما هو متاح منعاً لوضع أمريكا على طريق الحرب العالمية الثالثة، بحسب تصريح بوب كوركير رئيس لجنة السياسة الخارجية في مجلس الشيوخ. وبالتالي، ليس لدى واشنطن نية لخوض حربٍ مع أحد. فهي باتت تُدرك أن الحروب لن تكون في صالحها. لكنها عزمت على خوض حربٍ من نوعٍ آخر. حربٌ تدخل تكتيكاتها ضمن منظومة الحرب الناعمة، والتي ترتبط باستراتيجية الاحتواء. العمل على شيطنة الأعداء، لتبرير سياساتٍ معينة ضدهم لا تخلو عن محاولة إيجاد تناقضٍ استراتيجي في المصالح بينهم.

العقوبات ضد إيران وحزب الله

بحسب ما خرجت تحاليل هنري كسينجر ورؤيته المستقبلية، فإن أفضل وسيلةٍ لضرب محاولات إيران للتمدّد في الشرق الأوسط، هي سياسة منعها من الاستفادة من كل ما خرج به الاتفاق النووي لصالحها عبر فرض عقوبات جديدة. قراءةٌ منطقية لعرَّاب الاستراتيجيات الأمريكية، تُفسِّر حجم الهجمة على إيران وحزب الله. فبحسب القراءة الأمريكية الحالية، فإن ما استفادت منه طهران اقتصادياً بعد الاتفاق النووي، لم يخدم الهدف الأمريكي في ضرب السياسة الخارجية الإيرانية. بل استطاع العقل الإيراني تحويل هذه الفائدة وتجييرها لخدمة مصالح إيران الاستراتيجية وتعزيز دور حلفائها وفي مقدمتهم حزب الله. وليس بعيداً عن هذا الهدف، باتت تؤمن أمريكا بضرورة العبث بصورة الطرفين عبر صبغهم بصفة الإرهاب. من هنا كنت العودة لثمانينات القرن الماضي.

العودة لثمانينات القرن الماضي: حينها ولد حزب الله!

القصة باتت واضحة. في ثمانينات القرن الماضي وُلد حزب الله من رحم الثورة الإسلامية. لذلك كانت العودة لهذه الحقبة من الزمن. فماذا تريد واشنطن؟
أولاً: لم يكن بمقدور أمريكا إقناع الغرب بالخروج من الإتفاق النووي. بل لم تأخذ أمريكا هذا القرار، ووضعت الأمور بحسب ما يبدو في خانة إعادة العقوبات تحقيقاً لرؤية كسينجر التي ذكرناها.
ثانياً: تحتاج واشنطن لكسب الرأي العام الأمريكي والغربي لقضيةٍ تصبغ إيران وحزب الله بصفة الإرهاب. وهو ما لا تخدمه إلا قضية تفجير المارينز عام 1983، كونه يتعلق بأمريكيين ويلقى أثراً لدى الرأي العام الغربي.
ثالثاً: إن سياسة واشنطن المُعتمدة في الحرب على الإرهاب، تنادي بمحاربة داعش. لكنها تعتبر أيضاً أن إيران تقف خلف دعم الإرهاب المُتمثل بحركات المقاومة لا سيما حزب الله الذي بات يُشكل نقطة قوة الأطراف المتحالفة في سوريا.
كل هذه الأسباب، كفيلة لخروج العقل الأمريكي بضرورة ضرب إيران عبر الإستفادة من الحرب الحالية ضد الإرهاب. ليكون حزب الله المقدمة لشيطنة إيران، والرابط تفجير المارينز 1983.

 

ماذا يجري على المقلب الآخر؟

صعَّدت طهران من لهجتها ضد السياسة الأمريكية الحالية. وأوصلت رسائلها المتعددة الى من يعنيهم الأمر من أعداء وخصوم وحلفاء. تصعيد ينطوي على قوةٍ في الموقف وتقديرٍ استراتيجيٍ مدروس في وقتٍ دقيق تمر به المنطقة. فالعمل على تجاهل الدور الإيراني في المرحلة الحالية والمُقبلة، يعني عدم الوصول الى حلول. فقد تسعى واشنطن لإيجاد شرخٍ بين الحلفاء، أو ضرب العلاقة بين الأطراف عبر إيجاد التناقض الاستراتيجي في المصالح المشتركة. لعبةٌ ذكية لكنها لن تنطلي على من يقرأ التاريخ جيداً. فإذا سلَّمنا أن العلاقة الروسية الإيرانية هي علاقة مصالح نجح الطرفان في إدارتها، فإن الرهان الأمريكي على ترويض الطرف الروسي هو رهانٌ فاشل. وما التنسيق الروسي الإسرائيلي الحالي، إلا لهدف إبعاد الجنون الإسرائيلي عن حسابات المرحلة الحالية.
إذن، ليست تهمة الإرهاب ضد حزب الله من قِبَل واشنطن بالشيء الجديد. بل هي دليلٌ على أنه يقف في الخط المقابل لأمريكا وحلفائها الإرهابيين. وليست محاولة توريط الحزب لشيطنة إيران إلا بدايةً لخروج الحرب المُستعرة من إطارها الإقليمي الى بُعدها الدولي. ولن تُفلح استرتيجيات العجوز كسينجر لاحتواء إيران عبر فرض العقوبات، بل ستُدخل العالم في صراعٍ أكثر وضوحاً وقوة نتيجة الواقع المُعقَّد الكفيل بإسقاط الخطوط الحمراء، إن لم تُتقن الدول فنون صناعة السياسات. صراعٌ لن يكون في معادلاته حسابات الجغرافيا والديموغرافيا، وستقوده الأطراف هذه المرة أكثر من الدول. لنقول أن الحرب الأمريكية والتي تُعتبر العقوبات جزءاً منها، تأتي ضمن مسلسلٍ من الفشل الأمريكي، يبدو أنه سيفشل في رهاناته الجديدة مرة أخرى.

 

*العهد الأخباري .

مقالات ذات صلة