«ستراتفور»: «نيوم».. لماذا سيفشل الحلم السعودي؟

متابعات | 13 نوفمبر | مأرب برس :

مع كل الأخبار القادمة من المملكة العربية السعودية على مدى الأسابيع القليلة الماضية، سيكون من السهل أن نغفل عن الإعلان عن أحدث اقتراح للبلاد لبناء مدينة ضخمة جديدة. وقد كشف ولي العهد الأمير «محمد بن سلمان» مؤخرا عن خطته لمشروع بقيمة 500 مليار دولار لبناء مدينة جديدة تعمل بالروبوت تهدف إلى تغيير طريقة العيش والعمل إلى الأبد. تشبه نيوم، كما سيتم تسمية المدينة، في العديد من النواحي العديد مما يطلق عليها المدن الجديدة المقترحة أو الجارية في المملكة العربية السعودية وحول العالم. وقد كشفت الصين النقاب عن خطة مماثلة هذا العام لتحويل مساحة 100 كيلومتر (حوالى 60 ميلا) جنوب العاصمة إلى منطقة ضخمة باسم شيونغان ستكون مقرا للأعمال غير الحكومية بالعاصمة، كما قامت الهند بإطلاق برنامج «المدن الذكية» الذي يهدف إلى بناء 100 منطقة حضرية جديدة في جميع أنحاء البلاد.

وعلى الرغم من أسماء وتوقيتات هذه الإعلانات، فإن هذه المدن الجديدة ليست جديدة حقا. ويبدو التاريخ مليئا بأمثلة للحكومات ومخططي المدن الذين يخلقون المدن من لا شيء، بدرجات متفاوتة من النجاح. وتسلط نظرة إلى الوراء على نجاحات ومشاكل المدن الجديدة الماضية الضوء على آفاق التطورات المستقبلية للمدن من هذا النوع، بما في ذلك نيوم.

بناء فضاء سياسي جديد

ولعل أكثر أشكال المدن الجديدة شيوعا هي العواصم السياسية المخططة. وبالنسبة للبلدان ذات المناطق المتفرقة وجماعات المصالح المتنافسة فإن إنشاء عاصمة وطنية جديدة هو الحل الطبيعي. إذا تم تسمية مدينة جديدة كعاصمة فسوف يكون لدى الحكومة الحجة من أجلل تقديم مصالح هذه المدينة على الأماكن الأخرى من البلاد، كما يمكن أن تكون مدينة جديدة بمثابة إقليم محايد بين مجموعات المصالح المختلفة في البلاد. تتمتع هذه الإستراتيجية في المجمل بسجل جيد، وكانت واشنطن العاصمة الأمريكية أشهر الأمثلة على هذا النوع من المدن حيث تم استحداثها كحل وسط بين الشمال والجنوب، كما تعد عواصم بلدان مثل البرازيل وأستراليا وباكستان ونيجيريا أمثلة نشأت عن اعتبارات مماثلة. ويتيح وجود حكومة وطنية في إحدى المدن حافزا قويا للنمو في ذلك المكان، شريطة أن تنقل أجهزة الحكومة مكانها هناك.

وتطور الحكومات النوع الثاني من المدن الجديدة كي يكون بإمكانها أن تطبق عليها لوائحها الخاصة. ويمكن للبلدان أن تنشئ مناطق اقتصادية خاصة – في المجالات التي تكون فيها التجارة أكثر انفتاحا – باعتبارها أرضية وسطية مريحة بين الرقابة الحكومية الصارمة على الاقتصاد وبين التحرير المطلق. بالنسبة لقادة الدول ذات الاقتصادات المنظمة بشكل كبير، فإن تبني التجارة الحرة على الصعيد الوطني قد يبدو وكأنه دعوة للاضطرابات الاقتصادية والاجتماعية، وفي هذه الحالة فإن المناطق الاقتصادية الخاصة يمكن أن توفر بعض الفوائد من التجارة العالمية مع التقليل من المخاطر. غير أن إنشاء هذه المناطق في المدن الرئيسية القائمة سيترتب عليه ظهور التحديات الاجتماعية والاقتصادية نفسها التي قد يطرحها التحرير على نطاق واسع، كما يمكن أن يعطي بعض مجموعات المصالح في البلد ميزة على غيرها. ولتفادي هذه المشاكل، غالبا ما تختار الحكومات تطوير مدن جديدة للمناطق الاقتصادية الخاصة للتخفيف من آثارها على المدن القائمة.

وتعد مدينة شنغن الصينية تجسيدا لهذا التكتيك. في عام 1980، أصبحت المدينة، التي كانت في ذلك الحين مدينة تجارية صغيرة يبلغ عدد سكانها 30 ألف نسمة، مركزا لأول منطقة اقتصادية خاصة للصين، فتحت لتسهيل التجارة الأكثر تحررا مع المجتمع الدولي. واليوم، تعد شنغن موطنا لأكثر من 10 ملايين شخص وهي مركز بارز للتكنولوجيا الفائقة فى اقتصاد الصين المتطور وتعد المدينة الجديدة الأكثر نجاحا فى البلاد. ويرجع جزء كبير من نموها المذهل إلى الظروف الاقتصادية المحددة التي أنشئت بموجبها. وفي ظروف مختلفة عن هذه الظروف (بلد بإمكانات اقتصادية كبيرة مع سياسات تقييدية)، فإن المنطقة الاقتصادية الخاصة ربما لا تستطيع تحقيق نفس النتائج. ومن شأن إضافة منطقة ذات لوائح تجارية أكثر تحررا أن يؤدي إلى تحقيق مكاسب هامشية للبلدان التي قامت بالفعل بتحرير اقتصاداتها. وعلى نفس المنوال، فإن الدول التي لا تتمتع بإمكانات اقتصادية كبيرة محبوسة في ظل سياسات تقييدية لن تستفيد كثيرا من إنشاء مناطق اقتصادية خاصة.

مجاراة العالم الحديث

وهناك نوع ثالث من المدن الجديدة لا علاقة له بالحكومة والسياسة بقدر ما يتعلق بالخدمات اللوجيستية. نشأت العديد من المدن في جميع أنحاء العالم قبل وقت طويل من بزوغ فجر الأعمال الحديثة، ونتيجة لذلك، فهي غير مناسبة لمطالب الصناعات اليوم. غالبا ما تكون المدن القديمة مكتظة وصعبة في التنقل وفقيرة في وسائل الراحة وسائر الإمكانات التي تحتاجها الشركات الحديثة. ويعد بناء مدينة جديدة قريبة وسيلة للتخفيف من هذه المشاكل مع تخفيف الضغط السكاني على المراكز الحضرية. في الهند، شهدت مدينة دلهي هذه العملية مرتين على الأقل في تاريخها: شكلت نيودلهي في أوائل القرن العشين لتخفيف الازدحام في دلهي القديمة، وفي أواخر القرن نفسه، أسست مدينة جورجاون مع أخذ هدف مماثل في عين الاعتبار. وتعد منطقة بودونغ فى شانغهاى مثالا نموذجيا لهذا النمط حيث يقع فندق بودونغ على الجانب الآخر من النهر من شنغهاي التاريخية، ويوفر وسائل الراحة الحديثة – وأفق رائع – تحتاجه المدينة في القرن الحادي والعشرين.

لا تقتصر ممارسة بناء مدن جديدة لاستكمال المدن القائمة أو تحديثها على العالم النامي. وقد أضافت العديد من العواصم الأوروبية المناطق التجارية الحديثة الشاهقة، مثل كاناري وارف في لندن و لا ديفنس في باريس وعشرات من المراكز الفرعية الإقليمية المخططة حول لوس أنجوس، مثل مدينة القرن وإرفين. وقد ذهبت العديد من الاقتصادات المتقدمة إلى أبعد من ذلك، عبر «إعادة تطوير» الأنوية الحضرية التقليدية إلى حد كبير، وإعدادها لمناسبة الأعمال الحديثة.

«نيوم» في السياق

ومن بين هذه الاستراتيجيات الثلاث، فإن خطة المملكة العربية السعودية لنيوم تتناسب بشكل وثيق مع الاستراتيجية الثالثة. ومن المفترض أن توفر نيوم للمملكة بيئة حديثة لاستيعاب العالم المتطور بشكل أكثر فاعلية من مراكزها الحضرية الأخرى. لقد تحدثت مؤخرا مع «شيريش باتل»، وهو مخطط حضري هندي متمرس وأحد كبار المهندسين المعماريين في نافي مومباي، حول كيفية تطوير مثل هذه الأماكن. مع قدوم السبعينيات، كانت بومباي كما كان يطلق عليها آنذاك، تفتح المجال لبناء البنية التحتية المناسبة للسكن والبنية التحتية للنقل، حيث تقع على طرف جزيرة ضيقة طويلة، وحينها قرر باتل وزملاؤه بناء حاضرة جديدة مخططة جيدا، نافي مومباي، عبر الخليج من وسط المدينة القديمة لتمديدها.

خلال محادثتنا، حدد باتل ثلاثة شروط أساسية حاسمة لأي مدينة جديدة لتكون ناجحة، إذا لم يكن مخططا لها كمركز سياسي. أولا، يجب أن يتحرك عدد كبير من العمليات التجارية إلى هناك. ثانيا، يجب أن توفر المدينة الجديدة وسائل نقل ملائمة إلى منطقة اقتصادية راسخة، وتسهل نقل النشاط التجاري. وأخيرا يجب أن تساعد البيئة التنظيمية على جعل المكان الجديد أكثر جاذبية للناس والشركات. كافحت نافي مومباي من أجل تحقيق هذه الأهداف الأساسية، على الرغم من أن المدينة ولدت إيرادات كافية لتمويل بنائها. لم يتم بناء الجسور والعبارات عالية السرعة المقترحة لربط مومباي القدديمة والجديدة في حين حافظت الشركات على الجزء الأكبر من عملياتها في المدينة القديمة، ونقلت فقط مكاتبها الإدارية بشكل رئيسي إلى نافي مومباي. وعلى الرغم من أن الحكومة قدمت بعض الحوافز لسحب السكان والشركات عبر الخليج، إلا أنها حيدت هذا الجهد من خلال مواصلة تشجيع التنمية في وسط المدينة القديمة.

وبالنظر إلى ما تحتاجه مدينة جديدة لتزدهر، تبدو فرص نيوم للنجاح خافتة. لا تخطط السعوددية لنقل رؤوس أموالها إلى المدينة الجديدة ومن شأن منطقة اقتصادية خاصة حول نيوم أن تفعل القليل بالنسبة لآفاق المدينة، حيث أن اقتصاد المملكة مفتوح بالفعل في معظمه للعالم. علاوة على ذلك، سوف تقع نيوم بعيدا عن المدن الأخرى في البلاد، وهذا يعني أنها لن تكون قادرة على التواصل مع المراكز الاقتصادية الأخرى.

ونظرا للعوامل التي تعمل ضدها، فإن أفضل أمل لنيوم هو أن تنتقل الشركات المحلية والدولية الكبرى إلى هناك. وقد تحاول الحكومة السعودية حث شركات البلاد على إقامة منافذ في المدينة، ولكن ما الذي سيشجع بقية الشركات في العالم على التحرك؟ وتحتفظ معظم الشركات متعددة الجنسيات حاليا بمقرها الإقليمي في الإمارات العربية المتحدة وسوف يكون إقناعهم باقتلاع عملياتهم من الدولة المجاورة، مع حصيلتها من المراكز التجارية والمالية، ومجتمعها الليبرالي نسبيا، وعلاقاتها الأكثر دفئا نسبيا مع المجتمعات الشيعية في المنطقة، مهمة صعبة للرياض.

قد تؤتي نيوم ثمارها بشكل أو بآخر، ولكن تبقى الاحتمالات ضئيلة في أنها ستكون قادرة على الوفاء بوعودها في تأسيس منطقة حضرية مترامية الأطراف أكبر بـ 33 مرة من حجم مدينة نيويورك، وتمتد عبر ثلاثة بلدان وتدير تسعة صناعات متطورة مختلفة. وخلافا لما يصوره الفيديو الترويجي، لن تكون نيوم أبدا «المكان الذي يمكننا أن نستعد فيه معا للحقبة القادمة من التقدم الإنساني». ومع ذلك، فإنها ستوفر درسا قيما لبناة المدن في المستقبل.

المصدر | الخليج الجديد+جاسون لوباتا – ستراتفور .

مقالات ذات صلة