مغامرات بن سلمان بقلم / بلال ضاهر

مقالات | 17 نوفمبر | مأرب برس :

بقلم الكاتب الفلسطيني / بلال ضاهر :

ما الذي يريد ولي عهد السعودية محمد بن سلمان تحقيقه من خطواته الأخيرة؟ وهل حلفه مع الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، ورئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، اللذان أيدا خطواته هذه، ستجعل أميركا وإسرائيل تؤازران السعودية في حال تورطها في حرب، مع إيران مثلا، أو ربما في لبنان؟

ثارت الشكوك حيال بن سلمان عندما تمت الإطاحة بولي العهد السابق، محمد بن نايف بن عبد العزيز، في حزيران/ يونيو الماضي، وبعد ذلك الأزمة التي افتعلها مع قطر ومقاطعاتها وفرض الحصار عليها من دون الإعلان عن سبب مقنع للقيام بخطوات همجية كهذه.

لكن بن سلمان أقدم على خطوات أخطر هذا الأسبوع. فقد تدخل بشكل سافر في شؤون دولة أخرى، عندما أجبر رئيس الوزراء اللبناني، سعد الحريري، على الاستقالة واحتجزه في الرياض. بعد ذلك، أمر بن سلمان باعتقال عشرات الأمراء والوزراء السعوديين بادعاء أنهم مشتبهون بمخالفات فساد.

وتشير التقديرات إلى أن ثروات الأمراء المعتقلين تصل إلى تريليون دولار، بينها أرصدة في بنوك أجنبية، يطالب بن سلمان بإحضارها إلى السعودية من أجل الاستحواذ عليها. لكن معارضين سعوديين يقولون إن هدف بن سلمان الأساسي من هذه الحملة هي اعتقال الأمير متعب بن عبد الله بن عبد العزيز، الذي يعتبر رجلًا قويًا في السعودية كونه يتولى منصب وزير الحرس الوطني، وهو جهاز عسكري وأمني بالغ الأهمية. وقد تم عزله من هذا المنصب في الرابع من تشرين الثاني/ نوفمبر الحالي. ووفقا للمعارضين السعوديين، فإن اعتقال باقي الأمراء ليس إلا تمويها وتغليفا للهدف الأساس، أي اعتقال متعب.

ليس واضحا بعد كيف ستنتهي هذه التحركات داخل السعودية. لكن على الصعيد الخارجي، فإن بن سلمان وضع أهدافا طموحة، تتمثل بالحد من نفوذ إيران في المنطقة. ويبدو أن تحركاته في هذا الاتجاه تواجه فشلا تلو الآخر. فالسعودية لم تتمكن حتى الآن من حسم أي شيء في اليمن، حيث تدعي أنها تحارب الحوثيين المدعومين من إيران، وطائراتها الحربية، وطائرات الإمارات، تقصف في اليمن يوميا وترتكب مجازر جراء ذلك، كما أن حصارها تسبب بانتشار وباء الكوليرا والمجاعة التي تهدد حياة ملايين اليمنيين. ويبدو واضحا أن السعودية منيت بفشل ذريع في الحرب التي تشنها على اليمن. إذ أنه بعد كل هذا القصف، تم إطلاق صاروخ من اليمن باتجاه الرياض وتمكنت الدفاعات السعودية من اعتراضه، لكن هذا مؤشر واضح على عدم نجاح هذه الحرب.

وفي سورية لم تتمكن السعودية من تحقيق أي نجاح، وفقا للتطورات الحاصلة في السنة الأخيرة، وتراجع المعارضة المسلحة، بينها تلك التي تمولها وتسلحها السعودية، وفقدانها معقلا تلو الآخر. كذلك الأمر في لبنان، حيث اضطر ممثل السعودية في لبنان، الحريري نفسه، إلى التعامل والتعاون والائتلاف مع حزب الله، المدعوم من إيران. لكن إجبار السعودية الحريري على الاستقالة واحتجازه في الرياض، حتى الآن، جعل بن سلمان والسعودية تكسب عداء اللبنانيين، الأمر الذي دفع السعودية إلى مطالبة رعاياها، أمس الخميس، إلى مغادرة لبنان فورا.

وأدت ممارسات بن سلمان إلى تصاعد تخوفات في الخليج تجاوزت الأزمة الخليجية وحصار قطر. فقد نبّه أمير الكويت، صباح الأحمد الصباح، نواب مجلس الأمة الكويتي، هذا الأسبوع، إلى “خطورة الأوضاع في الخليج وأثرها على الكويت”. ووصف في رسالة وجهها إلى النواب التطورات في الخليج بـ”الخطيرة والمتسارعة”، رافضا “أي اصطفافات طائفية أو قبلية أو فئوية وعدم السماح بأي خطاب سياسي يثير الكراهية والبغضاء”. وطالب، فيما يتعلق بالأزمة الخليجية، “بعدم الانجرار العاطفي والانفعالي” وأن الكويت تلعب دور “الوسيط الحقيقي” لحل هذه الأزمة.

لكن لا يبدو أن بن سلمان متأثر من فشل بلاده في الحروب التي يخوضها في المنطقة أو بحروب يخوضها آخرون بالوكالة عنه. وتصريحات وزير خارجيته، عادل الجبير، خلال مقابلة أجرتها معه قناة “CNBC”، التي هاجم فيها إيران بشدة ووصفها بأنها “دولة خارجة عن القانون” و”راعية للإرهاب”، كما رفض التطرق إلى التعاون بين السعودية وإسرائيل ضد حزب الله، لكنه اعتبر أن هناك دولا عديدة تريد “صد” حزب الله.

ورغم تعبير ترامب عن تأييده لخطوات بن سلمان، لكن يُستبعد أن تخوض الولايات المتحدة حربا إلى جانبه. فواشنطن، على سبيل المثال، لا تؤيد ممارسات السعودية وحليفاتها ضد قطر. كما أن واشنطن موقعة على الاتفاق النووي مع إيران، ومن الصعب توقع تخليها عن هذا الاتفاق في الوقت الذي تعبر فيه القوى الكبرى الخمس الأخرى الموقعة على الاتفاق عن تمسكها به.

يتعلق بإسرائيل، فإن الأمور معقدة بعض الشيء، لكن من الواضح أنها لن تسارع إلى الدخول في حرب من أجل السعودية وبن سلمان. وكتب السفير الأميركي السابق في تل أبيب، دان شابيرو، في مقال نشره في صحيفة “هآرتس” هذا الأسبوع، أن ثمة احتمال لأن تحاول السعودية نقل الحرب ضد إيران من سورية إلى لبنان، وأن السعوديين “معنيون بأن تقوم إسرائيل بهذا العمل القذر”. ووفقا لتقديرات شابيرو، فإن السعودية تأمل بأن استقالة الحريري من شأنها أن تدفع حزب الله إلى المبادرة لحرب مع إسرائيل. لكن شابيرو حذر قائلا إنه “يحظر على إسرائيل أن تكون مجرورة بأيدي السعودية إلى حرب مبكرة جدا”.

كذلك فإن تقديرات نشرها “معهد أبحاث الأمن القومي” في جامعة تل أبيب، ترى أن إيران وحزب الله لن يسارعا إلى الدخول في حرب، في أعقاب استقالة الحريري، بل أنهما سيسعيان حاليا إلى محاولة تهدئة الأوضاع.

وتشير الأجواء، السياسية والأمنية، في إسرائيل إلى أن الوضع الحالي في المنطقة جيد بالنسبة لها، أو أنه أفضل من أوضاع محتملة أخرى. فإسرائيل على ما يبدو حصلت على ضوء أخضر روسي لقصف شحنات أسلحة في سورية قبل نقلها إلى لبنان (لأن الدفاعات الجوية الروسية البالغة التطور لا تعترض ولا تمنع هذا القصف)، كما أن طيرانها يحلق بحرية في أجواء لبنان، لكنه لا يقصف هناك، لأن يتردد الحديث في إسرائيل عن اتفاق غير مكتوب بين إسرائيل وحزب الله، مفاده أن أي قصف إسرائيلي في لبنان سيعتبره حزب الله عدوانا وسيتم الرد عليه، ولذلك إسرائيل لا تقصف في بلاد الأرز.

كان هناك ردع متبادل كهذا بين إسرائيل وحزب الله، الذي يملك ترسانة صاروخية كبيرة، ليست إسرائيل بحاجة إلى أن يسقط ولو قسم ضئيل منها في جبهتها الداخلية، لماذا يتعين عليها أن تخوض حرب لأي سبب كان. ويبدو أن حسابات بن سلمان تميل نحو الصبيانية والمغامرة، وتشكل خطرا على بلاده ومواطنيه، أكثر مما تميل باتجاه حسابات دول تنظر بالأساس إلى أمنها القومي.

مقالات ذات صلة