’’ترامب’’ و’’إسرائيل’’ والسعودية.. الصفقة الأكبر في التاريخ

متابعات | 25 ديسمبر | مأرب برس :

بالنسبة إلى «دونالد ترامب»، فقد كان إعلانه واضحا ودقيقا: «لقد قررت أن الوقت قد حان للاعتراف رسميا بالقدس عاصمة لـ(إسرائيل)». وكانت هناك كلمة واحدة مفقودة، «غير مقسمة»، حيث تمت الإشارة إلى العاصمة «غير مقسمة»، وهو مبدأ محوري سعى «نتنياهو» إليه منذ عقود، لحرمان الفلسطينيين من حقوقهم في السيادة والدولة

وكان خطاب «ترامب» في 6 ديسمبر/كانون الأول، على الرغم من صياغته بلغة شاملة، ذكر فيها حقوق العبادة لليهود والمسيحيين والمسلمين، يمثل تحولا زلزاليا، سيؤدي إلى العنف وسد الطريق أمام حل الدولتين.

وشهد القرار إدانة على نطاق واسع، على الرغم من وجود القليل من الثناء على القرار من هنا أو هناك، بما في ذلك من أحد كبار أعضاء الكونجرس الديمقراطيين، الذين سبق لهم أن صوتوا على توجيه الاتهام للرئيس.

وكان رد المملكة العربية السعودية لافتا نظرا لأن قيادة المملكة على مدى عدة عقود كانت قد دفعت باتجاه حل الدولتين مع وجود القدس الشرقية كعاصمة لفلسطين. ورغم أن السعوديين قد أصدروا بيانا بعد ذلك وصفوا هذه الخطوة بأنها «غير مبررة وغير مسؤولة»، فبالنظر إلى مركزية القدس للقضية الفلسطينية والإسلامية الأكبر، كان رد المملكة أشبه بالصمت، مثل قولها إن «الخطوة الأمريكية تمثل تراجعا كبيرا في الجهود الرامية إلى دفع عملية السلام، وانتهاكا للموقف الأمريكي المحايد تاريخيا على القدس»، وكل ذلك يشير إلى أن السعوديين كانوا مرتاحين للقرار في نهاية المطاف. وكان التصريح السعودي للاستهلاك الإعلامي وحفظ ماء الوجه فقط. فلماذا تخلى العرب عن الفلسطينيين؟

الصفقة الكبرى

أعتقد أن الجواب يكمن في الرغبة الطموحة لترامب في تحقيق «أكبر صفقة على الإطلاق»، إضافة إلى العلاقة بين صهره وكبير مستشاريه «جاريد كوشنر» وولي العهد السعودي الأمير «محمد بن سلمان». ويشارك «بن سلمان» الإسرائيليين والأمريكيين خوفهم من نفوذ إيران المتزايد. وقد أوضح «دونالد ترامب»- منذ فترة طويلة – احتقاره لخطة العمل الشاملة المشتركة (جاستا)، وقد وصف الاتفاق النووي – الذي هو الإرث الإيجابي الوحيد لـ«باراك أوباما» في الشرق الأوسط – بـ«أسوأ صفقة في التاريخ». ومن أجل جمع الإسرائيليين والسعوديين على نفس الخط في جبهة موحدة ضد الإيرانيين، فإنه لابد من الوصول إلى حل للقضية الفلسطينية.

وقد بحث «كوشنر» و«بن سلمان» – فيما بينهما – ما يسمى بـ«صفقة القرن»، التي من المفترض أن تشهد قيام دولة فلسطينية جديدة من خلال الجمع بين غزة وشمال سيناء. وتكون معها المدن والبلدات الفلسطينية في الضفة الغربية – التي تحاصرها حركة الاستيطان حاليا – خاضعة لسلطة الأردن. ويُتوقع من تلك الخطة تهجير الفلسطينيين من الضفة الغربية و(إسرائيل) إلى سيناء، وتخفيف الاكتظاظ السكاني في غزة، ما يؤدي إلى نزع فتيل القنبلة الديموغرافية الموقوتة التي قد يواجهها الإسرائيليون إذا أعلنوا حل الدولة الواحدة، مع حقوق متساوية للجميع، حيث من المحتمل أن يصبح الفلسطينيون الأغلبية حتما.

وفي هذا السيناريو، يكون من المنطقي تماما أن تكون القدس عاصمة لـ(إسرائيل). وبالنسبة للاعبين المعنيين، يعد ذلك إنجازا عظيما وتاريخيا . ولدى «بن سلمان» طموحات كبيرة ليصبح زعيم العالم العربي. ويريد «دونالد ترامب» أن يثبت للجميع أنه أعظم رئيس على الإطلاق. وبالنسبة لـ«كوشنر»، فهو تاجر عقاري ذو طموحات كبيرة أيضا، ولكنه يفتقر إلى أي خبرة على الإطلاق في العالم المعقد لسياسة الشرق الأوسط.

سراب لا معنى له

وكان الأمر بسيطا بالنسبة لـ«كوشنر»، حيث يملك «السيسي» الأراضي المطلوبة، ولدى «كوشنر» المستأجرين المحتملين لاستخدام تلك الأراضي. وبذلك، مع بعض المكافآت المالية السخية (قد تصل إلى عدة مئات مليارات الدولارات التي قد يقدمها السعوديون)، الأمر الذي قد ينجز الصفقة.

لكن يتضح أن «صفقة القرن» عبارة عن قطعة من السراب لا معنى له، تفترض افتراضات لن تحدث. ومن غير المرجح أن يتخلى الرئيس المصري – الذي تعرض بالفعل لانتقادات للتخلي عن جزيرتين صغيرتين للسعوديين – عن جزء كبير من سيناء، على الرغم من أنه قد يرغب في ذلك نظرا لنجاحات الفرع التابع لتنظيم الدولة هناك كما أنه من المستحيل أن يتخلى الفلسطينيون عن جهادهم – المستمر منذ عقود – من أجل وطنهم، ولم نقل شيئا عن المواطنين المصريين الذين تم تهجيرهم قسرا. وكيف سيقدم السعوديون – الذين يعانون من ضائقة مالية متزايدة – الأموال اللازمة لجعل هذا الحلم يحدث؟ هل سيقوم «بن سلمان» بإلغاء مشروع نيوم سيتي – الذي تبلغ قيمته 500 مليار دولار – لتمويل دولة فلسطينية جديدة؟ أشك في ذلك كثيرا.

وربما كان إعلان «ترامب» مقامرة افتتاحية للمناورة، لكنه قد أظهر غباءه الشديد واحتقاره الشنيع لشعب فلسطين، وهو ازدراء مشترك بين الإسرائيليين والأمريكيين – للأسف – وربما الأكثر عارا، من قبل السعوديين أيضا.

المصدر | بيل لو – فير أبزرفر+الخليج الجديد .

مقالات ذات صلة