محور المقاومة في 2017: تقييم للأداء ووقوف عند أهم الإنجازات

تقارير | 31 ديسمبر | مأرب برس :

لطالما خطط الإستعماريون الأمريكيون إلى حرب بالوكالة تجتاح منطقة الشرق الأوسط وتدمرها. قادوا خلفهم دول الغرب والحكومات الإقليمية التابعة لهم والكيان الصهيوني. صنعوا تنظيم القاعدة بأيديهم لكنّه ما لبث أن تفكّك، ففبركوا داعش وجماعات تكفيرية أخرى، وجلسوا يشاهدون نتاج ما صنعته أيديهم. إلا أن العام المنصرم كان عكس ما يتوقّعون.

فالعام 2017 كان فاصلا في تعثر المخطط وفشله بفضل نهضة الشعوب وقواها الحية وبفعل وجود قادة كبار وقوى حرة جديرة وكتل مقاومة صلبة وحازمة في سوريا ولبنان والعراق واليمن، تحركت لصد المخاطر الوجودية واستطاعت صناعة التحول التاريخي النوعي وهزمت الفصل الأخطر من خطة التدمير الأمريكية الصهيونية.

وبدعم من الحليف الروسي ومع انخراط إيراني هجومي استطاعت بلدان المنطقة وقواها الحية وجيوشها وفصائلها المقاومة ان تقضي على داعش والقاعدة وتهديدها والصورة انقلبت انطلاقا من ملحمة الصمود السورية التي كلفت تضحيات هائلة لكنها عكست اتجاه الأحداث وأسست عمليا لنواة الحلف الشرقي الذي اشترك في القتال والعمل لتوفير مستلزمات الصمود العظيم الذي يغير وجه العالم .

سوريا

يمكن القول ودون أدنى شك أنّ عام 2017 كان عام الانتصارات الميدانية الكُبرى في سوريا. فقد ابتدأ الجيش السوري العام بانتصار كبير على تنظيم جبهة “النصرة” في ريف دمشق الغربي.

وفي مثل هذه الأيام من العام الماضي، كان الجيش السوري قد استعاد أحياء مدينة حلب بالكامل من سيطرة المسلحين ليبدأ خلال شهر شباط المنصرم بعملياته العسكرية نحو أرياف المدينة ويصل إلى ضفة نهر الفرات الغربية مسيطراً على كامل ريف حلب الشرقي الذي كان مفتاح الدخول إلى ريف الرقة الجنوبي ومنه إلى ريف دير الزور المحاصرة.

وقد عادت المناطق السورية لكنف الدولة سواء بالعمل العسكري أم بالمصالحات الوطنية، ففي الثاني والعشرين من شهر شباط وسّع الجيش السوري من حلقة طوق الأمان حول العاصمة دمشق باتفاق تسوية بلدة سرغايا، مستمراً في جهده التصالحي بأكبر اتفاق تسوية خلال العام كله تمثّل باتفاق حي الوعر الحمصي في الثالث والعشرين من نيسان والذي تزامن مع اتفاق إجلاء مسلحي “النصرة” من بلدتي الزبداني ومضايا بريف دمشق الغربي.

وفي تلك الفترة، كان الجيش السوري قد استأنف عملياته العسكرية على مواقع إرهابيي جبهة “النصرة” في حي القابون الدمشقي بعد تصديه لموجة هجمات عنيفة كان المسلحون قد انطلقوا بها من عمق الغوطة الشرقية بهدف فك إطباق حصار الجيش على مسلحي حي القابون حيثُ فشلت كل تلك الهجمات واستُعيدَ الحي منتصف شهر أيار مع بدء التطبيق الفعلي لاتفاق خفض التصعيد الذي تزامن أيضاً مع خروج حي برزة الدمشقي من دائرة الصراع المسلح عبر اتفاق تسوية خرج خلاله مسلحو الحي نحو محافظة إدلب.

ومع نهاية شهر أيار أطلق الجيش السوري وحلفاؤه عمليات الفجر الكبرى واستطاعوا خلال وقت قياسي تأمين مناطق وسط سوريا واقتربوا من قاعدة التنف الأميركية على مثلث الحدود بين سوريا والعراق والأردن

وتمكنوا من تطويقها وكسر إرادة الأميركيين بلقائهم مع الجيش العراقي شمال تلك القاعدة بخمسين كيلومتراً على الشريط الحدودي بين البلدين وحينها كانت المرة الأولى التي يصل فيها الجيش السوري للشريط الحدودي مع العراق بداية شهر حزيران الذي شهد أيضاً إفشال أكبر معركة تطلقها “النصرة” في ريف القنيطرة بدعم مباشر من العدو “الإسرائيلي.”

وفي شهر تموز، تمكّن الجيش السوري ومجاهدو المقاومة الإسلامية من تحرير كامل جرود القلمون من إرهابيي تنظيمي “داعش” و”النصرة” في أسرع عملية عسكرية شهدت تهاوياً كبيراً للإرهابيين أمام قوات الجيش والمقاومة، لتعود جبهات شرق العاصمة دمشق بعدها إلى واجهة المشهد الميداني حيث افتتح الجيش معركة عين ترما منتصف الشهر ذاته، بالتوازي مع إطلاق المرحلة الثانية من عمليات الفجر الكبرى التي أثمرت عن استعادة بلدة السخنة الاستراتيجية خلال وقت قصير، والتي شكّلت بوابة الحدود الإدارية لمحافظة دير الزور المحاصرة لتُتوّج هذه المرحلة من الفجر الكبرى بنصرٍ مدوٍ على تنظيم “داعش” الإرهابي تمثّل بفك الحصار عن أحياء مدينة دير الزور أوائل شهر أيلول.

ولم تطُل استراحة الجيش السوري والحلفاء بعد فك حصار دير الزور، حتى انطلقت المرحلة الثالثة من عمليات الفجر الكبرى، تحرير كامل أحياء عروس الفرات تمّ خلال مدة قصيرة بعد أيام من استشهاد اللواء عصام زهر الدين وبدء التحرك نحو مدينة الميادين التي استُعيدت منتصف تشرين الأول، كما كانت استعادة مدينة البوكمال آخر معاقل “داعش” الإرهابي أوائل تشرين الثاني عبر عمليات متوازية بين الجيشين السوري والعراقي على طرفي الحدود وبذلك أُنهي وجود التنظيم الإرهابي.

وبعد شهر من استعادة البو كمال، صعّد الجيش السوري من عملياته العسكرية نحو بلدتي بيت جن ومغر المير بريف دمشق الجنوبي الغربي، مُسقطاً بسيطرته عليهما عبر اتفاق إجلاء المسلحين الجاري مشروع العدو الصهيوني في الجنوب.

العراق

أما في العراق فيظل الحدث الأبرز عسكريًا خلال هذا العام على غرار جارتها السورية، هو إشهار نهاية تنظيم داعش الذي كان يسيطر على نحو ثلث أراضي العراق، وكانت الانطلاقة الأكبر لعمليات التحرير من مدينة الموصل التي سبق أن أعلن منها زعيم التنظيم الإرهابي أبو بكر البغدادي، الخلافة في ظهوره العلني الوحيد من جامع النوري، ليتم تحريرها بالكامل في تموز الماضي، وتلحق بها مدينة تلعفر سريعًا في آب الماضي، ومدينة القائم وراوة والحويجة في تشرين الثاني الماضي، الأمر الذي مكّن الجيش العراقي من إحكام قبضته على الحدود السورية العراقية، كما تأتي السيطرة على مدينة كركوك في تشرين الأول الماضي لتضيف المزيد من القوة والسيطرة على الأراضي العراقية.

وبعيدًا عن الميدان العسكري، سادت العراق أجواء سياسية متوترة خاصة في إقليم كردستان الذي راودته أحلام الاستقلال من جديد في حزيران الماضي. لكن سرعان ما تم ردع الطموح الكردي وانطفأت النيران التي اشتعلت في الإقليم، لتُعلن حكومة كردستان في 25 تشرين الأول الماضي تجميد نتائج الاستفتاء والدخول في مفاوضات مع الحكومة العراقية.

اليمن

رغم الجراح وفتك المرض والعدوان، واصل الجيش اليمني واللجان الشعبية تصديهم للعدوان على جبهات الداخل وجبهات ما وراء الحدود، فنفذت مئات العمليات النوعية الهجومية والدفاعية، موقعة خسائر فادحة في الارواح والعتاد في صفوف قوى التحالف السعودي، التي لم تحقق اي تقدم حقيقي على الأرض.

وبحسب إحصاء صادر عن وزارة الدفاع اليمنية، تم تدمير اكثر من ألف ومأتي دبابة ومدرعة معادية، وإسقاط خمس وثلاثين طائرة متنوعة، واستهداف عشر قطع بحرية، ومقتل وجرح الألاف من جيوش العدوان ومرتزقته في عموم الجبهات.

وفي تطوّر ميداني لافت، أعلنت القوة الصاروخية اليمنية يوم 19 كانون الأول إطلاق صاروخ باليستي على قصر اليمامة في الرياض، وتعدّ هذه ثاني مرة في العام 2017 يصل فيها صاروخ أطلق من اليمن إلى كل هذه المسافة، بعد صاروخ بلغ مداه 750 كيلومتراً، كان قد استهدف مطار الملك خالد في الرياض في الرابع من تشرين الثاني الماضي.

كما أطلق اليمنيون صاروخا باليستيا بعيد المدى يوم 22 تموز على مصفاة لتكرير النفط في محافظة ينبع السعودية وأعلنت القوة الصاروخية اليمنية أن الصاروخ أصاب هدفه وأحدث أضررا مادية بالغة.

وعلى خط استهداف الامارات، أعلنت القوة الصاروخية اليمنية ظهر يوم الأحد 3 كانون الأول، عن إطلاق صاروخ مجنح من نوع “كروز” على مفاعل براكة النووي في أبو ظبي.

وقبل هذه التواريخ، أطلقت القوة الصاروخية اليمنية ما يقارب 77 صاروخاً بالسيتياً على الأراضي السعودية وفق اعترافات “التحالف العربي”.

ورغم استمرار العدوان على اليمن من قبل تحالف تقوده السعودية، يؤكد اليمنيون على مواصلة التصدي له، بكل الامكانات المتوافرة، وتشدد القيادة العسكرية للجيش واللجان الشعبية على أن المنشآت العسكرية والحيوية في السعودية والإمارات لن تكون بمأمن عن الصواريخ الباليستية اليمنية، وبات لزاماً على الرياض أن تجد مخرجاً لحربها العدوانية، خصوصاً مع تصاعد الاحتجاجات الغربية على مستوى صناع القرار على استمرارها، وتسببها بالعديد من المجازر، التي ترقى لمستوى جرائم حرب تمارسها دولة بحق شعب اعزل.

فلسطين

ولا تزال المقاومة الفلسطينية تحتل المشهد الأبرز على الساحة السياسية، خاصة بعد أن أطلق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، رصاصته الأولى والأكثر تأثيرًا على الشعب الفلسطيني، بإعلانه في 6 من الشهر الجاري، الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إلى هناك، لينهي عامه الأول بأكثر القرارات السياسية استفزازًا، ويفجر من جديد انتفاضة لا تزال تتوسع لتشمل العديد من الأراضي الفلسطينية المحتلة، على رأسها قطاع غزة والضفة الغربية والقدس.

على الصعيد السياسي، أعاد عام 2017 الحديث مجددًا عن المصالحة الفلسطينية بين فتح وحماس، ووقعت الحركتان في 12 أكتوبر الماضي اتفاق المصالحة الوطنية وإنهاء الانقسام برعاية مصرية في لحظة تاريخية شهدتها القاهرة، وتلا تلك الخطوة إعلان حركة حماس تسليم كافة مسؤوليات قطاع غزة للحكومة الفلسطينية المركزية، ورغم ذلك فلا تزال هناك العديد من العراقيل أمام إتمام المصالحة بشكل جدي، من أبرزها مصير سلاح المقاومة في قطاع غزة.

هذا وانتصرت فلسطين دبلوماسيا في التأييد الدولي الذي حصل عليه قرار مصري ينص على أن “أي قرارات تغير أو تحاول تغيير الشخصية والحالة والتركيب الديموغرافي لمدينة القدس الشريف ليس لها أي أثر قانوني وتعتبر باطلة”، وذلك في اجتماع مجلس الأمن الدولي، وهو القرار الذي أيدته 14 دولة فيما وقفت الولايات المتحدة الأمريكية وحيدة في مواجهته مستخدمة “الفيتو”، ليتبع هذا الاجتماع آخر في الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي أقرت مشروع قرار يرفض تغيير وضع القدس، ويدعو الولايات المتحدة إلى سحب اعترافها بالقدس عاصمة لإسرائيل، وذلك بعد أن صوتت 128 دولة لصالح مشروع القرار، وعارضته 9 دول، وامتنعت عن التصويت 35 دولة.

لبنان

لبنان أيضًا كان في قائمة الدول التي سارت على درب إسقاط الهيمنة الأمريكية، فيما مثّلت السعودية، كذلك، الذراع الصهيوأمريكي لتنفيذ مؤامرات سياسية ضد لبنان، وبرز ذلك في محاولات إحداث فراغ حكومي كبير يكون مقدمة لإسقاط الدولة اللبنانية وارتباك المشهد السياسي بأكمله، كان آخرها احتجاز رئيس الحكومة سعد الحريري في الرياض واجباره على تلاوة بيان استقالته من على رأس الحكومة.

وبعكس ما تم التخطيط له في المؤامرة، مرت الأحداث، وتعاطفت كافة المكونات السياسية اللبنانية وعلى رأسها حزب الله مع الحريري، الذي اعتبرته “مخطوفًا في الرياض”، فيما عارضت كافة الدول الغربية والأوروبية والعربية تواطؤ السعودية مع أمريكا وإسرائيل في محاولتهما إسقاط الدولة اللبنانية، الأمر الذي أدى إلى انحسار الأزمة بشكل سريع وإحباط آمال السعودية وحلفائها خاصة بعد تدخل فرنسا كوسيط لنزع فتيل الأزمة المفتعلة، وعودة الحريري إلى بيروت وإعلانه سحب الاستقالة.

على الجانب العسكري، فقد كان عام 2017 الأفضل أمنيًا بالنسبة للبنان منذ سنوات، وسجل الجيش اللبناني وسائر الأجهزة الأمنية نجاحات لافتة على رأسها تحرير جرود عرسال، حيث حقق الجيش اللبناني وحزب الله انتصارًا سريعًا على مسلحي جبهة النصرة الإرهابية، في آب الماضي، ونجحوا في تأمين الحدود اللبنانية السورية وكسر شوكة النصرة نهائيًا من أي بقعة لبنانية وإبعاد مسلحيها تمامًا عن الحدود السورية اللبنانية، وتلا هذا التحرير عملية أخرى لتحرير مساحات كبيرة من “داعش” و”النصرة” بعد احتلال دام لأكثر من 3 سنوات في البقاع والضاحية الجنوبية. وقد اختتم العام بتمكن مديرية أمن الدولة من توقيف العديد من المتعاملين مع “إسرائيل” والعديد من التكفيريين.

على أنّ الأمل الأكبر يبقى معقوداً أن تكون السنة المقبلة أفضل من سابقاتها، وينتصر فيها أبناء شعبنا في فلسطين على القهر “الإسرائيلي” والتخاذل العربی.

المصدر : موقع الوقت .

مقالات ذات صلة