1000 يوم من الاجرام 1000 يوم من الصمود والانتصارات

مقالات | 31 ديسمبر | مأرب برس :

بقلم / إبراهيم محمد الهمداني :

لم تكن تتوقع قوى الشر والإجرام والعدوان انها ستتورط في عدوانها على اليمن الى هذا الحد، لأنها عملت على تهيئة البلاد لتقبل هذا العدوان والاستسلام لهيمنته وتسلطه، من خلال الاعداد المسبق الذي استغرق مراحل كثيرة، لعل اهمها مظاهر نفوذ السفارات الذي كان سائدا كأمر حتمي لا مناص منه ولا سبيل لتغييره، وكأن تلك السفارات كانت تمارس الحق الالهي في تدخلها السافر في كل صغيرة وكبيرة من شئون البلاد، حتى بلغ الأمر حدا لم يعد فيه للوزير او المسئول اليمني اي صلاحيات او قرار اونفوذ، ولم يعد لأوامره اي مسار للتنفيذ من قبل موظفيه، وكان عليه الرجوع الى السفير الأمريكي او السفير السعودي لطلب الاذن منهما بإصدار امر ما او طلب مباركتهما في تعيين ما، او طلب وساطتهما في الحصول على ترقية او منصب جديد، في وضع مزرٍ للغاية اقل ما يمكن وصفه بالاستلاب المهين والتبعية المطلقة، وكان هذا هو حال البلاد الفاقدة للسلطة والسيادة واستقلال القرار، ثم تلى ذلك تفتيت مختلف مؤسسات الدولة، وخاصة المؤسستين الامنية والعسكرية من خلال الهيكلة، بالاضافة الى تفتيت بنية المجتمع وإضعاف عرى روابطه، وبث سموم الصراعات والمماحكات الحزبية والمذهبية والسياسية، وايهام عامة الناس بأن القرار بأيديهم وان الشعب يريد، وما يريده الشعب هو الشرعية المطلقة، والامر الواجب التنفيذ على وجه السرعة، ليكتشف الشعب في الاخير، وفي خضم الأحداث السياسية المتعاقبة المتوالية بما تحمله من تناقضات وصدمات وخيبات امل، انه لا يملك من امره شيئا، وانه قد تحول من صاحب سلطة وقرار، الى مسلوب الإرادة موقن بالهزيمة، كل ما يمكنه فعله هو تبرير أخطاء الساسة، واختراع الاعذار الوهمية لتخاذلهم وعجزهم عن نصرة شعوبهم، والاكتفاء بالقول ان تلك هي سياسة ولا يعلم خوافيها الا الله.

نعم كنا نحلم جميعا بقادة وساسة يهتمون لأمرنا، ويضحون من اجلنا، ويرتكبون جرائم كبيرة – ليس بحقنا كما كان حاصلا وانما من اجلنا – ليحققوا قدرا مناسبا من السعادة لنا، كنا نحلم برئيس وحكومة ومسئولين يهتمون بشئوننا، ويشعرون بنا، ويعرفون اننا نختلف فيما بيننا حبا فيهم وتعصبا لهم، لكن ذلك لم يكن بالإمكان، ولم نكن حتى في ادنى خانات حساباتهم، الا كوننا في نظرهم قرابين تقدم على مذبح مصالحهم، والاجدر بالبقاء منهم، هو من سيحصد اكبر عدد من أصواتنا في الانتخابات، ومن سيحصد اكبر عدد من أرواحنا في معاركهم وصراعاتهم، ومن سيحصد اكبر قدر من اقواتنا وارزاقنا لتغذية ارصدتهم وبناء ثرواتهم.

تلى ذلك زعزعة الامن والاستقرار وانتشار الجريمة والاغتيالات والتفجيرات التي طالت كل مكان وكل شيئ، ليسود جو مفعم بالرعب والموت وانعدام الثقة في كل شيئ وبكل شيئ، ليصبح اليأس المطبق هو سيد الموقف، ويكون اضعف الحلول هو المخرج الوحيد وبارقة الامل المتبقية ليحفظ هذا الشعب من خلالها ما تبقى من حياته.
لكن سياسة الضربات المتلاحقة لم تدع هذا الشعب ينعم بأدنى قدر من الحلم، ليفيق مذهولا في ليل السادس والعشرين من مارس 2015م على هول مجازر العدوان الإجرامي، واصوات صواريخه وقنابله، وكان هذا هو الوضع الملائم، الذي تحقق فيه دول العدوان انتصارها على إرادة الشعب وتعلن نهاية ما تبقى من عزته وكرامته، ولكن شعب الإيمان ومهد الحضارات ومواطن الرسالات ومعدن النخوة والعزة، استجمع قواه وتكاتفت جهود الاحرار من أبنائه الذين هبوا للدفاع عنه، والتضحية من اجله.

صحيح ان العدوان على اليمن لم يبدأ الا وهو يرى النهاية بين عينيه، مستندا الى دراسات خبراء ومختصين، والى معطيات الواقع المتهالك، الذي لم يكن ينبئ عن شهر واحد من الصمود، ولذلك طالما كانت تصريحات قوى العدوان استباقية بشأن الاقتراب من الحسم، ولكن الواقع كان يفضح كذبهم ويعري همجيتهم وعنجهيتهم، ويكشف زيف انتصاراتهم المزعومة، الامر الذي جعله يقوم بارتكاب العديد من المجازر بحق المدنيين الأبرياء في مختلف الأمكنة والأزمنة، حتى يمكن القول ان اليمن بأكمله لم يبق فيه موضع شبر الا وهو هدف معلن او مضمر من قبل تحالف العدوان الوحشي البربري.

مضى الف يوم من العدوان والمجازر والحصار والتواطؤ الدولي، والانتهاكات الصارخة لكل القيم والمبادئ والاخلاق والاعراف والقوانين والدساتير الارضية والسماوية، واهدار لقيمة وكرامة الانسان على مرأى ومسمع من العالم، ولكن لم تكن تلك النهاية، ولم تتوقف حياة الشعب اليمني، ولم يتوقف نهر تضحياته ونضاله واستبساله وصموده، في وجه اعتى واقذر واكبر عدوان شهدته البشرية على مدار تاريخها الطويل، ففي المقابل كان هناك الف يوم من الصمود، والاحتفاء بالعزة والكرامة والاستقلال، وكان هناك الف يوم من التحدي والمواجهة على مدى ما يقرب من خمس واربعين جبهة، كان هناك الف يوم من الانتصارات والتقدمات والغنائم والأسرى، كان هناك الف الف لا للعبودية والتبعية والاستلاب للقوى الإمبريالية، وهيمنة القوى الرجعية المتخلفة، كان هناك الف صاروخ تهوي على أهداف عسكرية واستراتيجية لمملكة قرن الشيطان وحلفائها ومرتزقتها، كان هناك الف الف هزيمة نكراء تلحق بهم في كل لحظة وفي كل مكان، وكان هناك الف الف فرحة بالنصر وبشرى بالفوز والنعيم الابدي، كان هناك وما يزال الف الف الف صرخة تنطلق كالسيل الهادر وتدوي كالقنابل الانشطارية وتقطع كالسيف البتار كل اوهام الغزاة واحلام المحتلين، وتقض مضاجعهم وهي تتناغم مع اصدائها في السهول والوديان وقمم الجبال، معلنة عملية واسعة من التطهير والابادة لجيوش العدوان المنهزمة سلفا، وتحالفاته المكبلة بالندم والخزي والعار دائما.

الف يوم ومازالت لغة صواريخنا البالستية عصية على فهم قوى العدوان، الف يوم ومازال ثبات رجال الرجال امام الأفواج الزاحفة في كل الجبهات، مسألة مستحيلة الحل في معادلات الاشتباك عند مختلف جيوش العالم، الف يوم ومازال البالستي اليمني مثار رعب وقلق وهلع عند أقوى ترسانة سلاح في العالم، الف يوم ومازال اليمني في عموده وثباته وتحديه واقتحامه وشموخه، لغزا عصيا على الزمان، وبطولة ترتمي في أحضانها الأساطير مأخوذة بدهشة لا متناهية.

الف يوم والشعب اليمني يرددها ملء اسماع الدنيا، لا والف لا للهيمنة والاستعمار والخضوع لليهود الصهاينة والنصارى، والرضوخ لمنطق القوة ومواضعات الاستعمار، وتدنيس الارض والعرض والمقدسات.

الف يوم ومازلنا نقول – وسنظل – هنا اليمن مقبرة الغزاة ونهاية أحلام الطامعين.

مقالات ذات صلة