صفقة القرن.. حقيقة أم خيال!

صحافة عربية ودولية | 5 فبراير | مأرب برس :

IUVM Arabic
إن المراقب للسياسة الخارجية والمسار السياسي التي تتبناه الولايات المتحدة تجاه القضية الفلسطينية والصراع “العربي – الإسرائيلي” يجد بأنها كانت دائمًا منحازة إلى الطرف “الإسرائيلي” نتيجة لعدة عوامل تتعلق بالموقع والدور الجيو – استراتيجي بعناصره الجيو سياسية والعسكرية والاقتصادية والمعلوماتية التي تتمتع بها “إسرائيل” في المنطقة.
اليوم، وبعد عقود من المحاولات في إنهاء “القضايا العالقة” بين الجانبين الفلسطيني و”الإسرائيلي”، عرضت الإدارة الأميركية الحالية برئاسة ترمب، وبالتشاور مع أطراف عربية نافذة رؤيةً جديدة لتسوية القضية الفلسطينية سميت أو عرفت إعلامياً “بصفقة القرن”.
وتتضارب المعلومات حقيقةً عن شكل ومضمون هذه الصفقة، إلا أن الأكيد أنها قادمة في سياق تصفية القضية الفلسطينية، طالما أن عرّابها اليهودي جاريد كوشنير صهر مستشار ترمب وجيسون غرينبلات (المبعوث الأميركي لعملية السلام في الشرق الأوسط)، وهو يهودي أرثوذكسي عمل محاميًا في مجال العقارات، وكان مقربا لترمب منذ عقود.
وعلى رغم من غياب خطاب أمريكي رسمي واضح حيال هذه الصفقة، إلا أن مسؤولين أميركيين أوضحوا أن هذه الخطة ستكون شاملة، وتتجاوز الأطر التي وضعتها الإدارات الأميركية السابقة، وتتناول كل القضايا الكبرى، بما فيها القدس والحدود واللاجئون، وتكون مدعومة بأموال من السعودية ودول خليجية أخرى لصالح الفلسطينيين.
عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية أحمد مجدلاني وفي تصريح مثير حول صفقة القرن وعبر تلفزيون فلسطين بتاريخ 9 كانون الثاني 2018 قال “إن الجانب السعودي هو من أبلغهم بالمقترحات الأميركية بشأن “صفقة القرن”، وأن الصفقة تقوم على تصفية القضية الفلسطينية مقابل إنشاء حلف إقليمي ضد إيران تشارك فيه إسرائيل”.
أما عن شكل الصفقة، فيمكن استنباطها من خلال 4 مسارات عملية اتخذتها إدارة ترمب وبتنسيق عالٍ مع الكيان الصهيوني خلال الأشهر القليلة الماضية.
فاولى هذه المسارات كانت في 6 من كانون الأول 2017 حيث أعلن ترمب أن القدس عاصمة للكيان الإسرائيلي وبذلك تكون قضية القدس انتهت ولا مجال أن تكون ضمن إطار أي مفاوضات مستقبلية برعاية أمريكية.
اما المسار الثاني فهو يتعلق بقضية اللاجئين الفلسطينيين وإنهاء عمل وكالة الأونروا، فالمبعوث الأميركي لعملية السلام جيسون جرينبلات أبلغ القناصل الأوروبيين المعتمدين في القدس نهاية شهر الماضي، أن واشنطن تريد أن تنهي عمل “وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين أونروا”، إذ “لا يُعقل أن تظل الوكالة تعمل إلى أبد الدهر، يجب أن نضع تاريخاً محدداً لعملها”، معتبراً أن الأجيال الجديدة من اللاجئين ليست لاجئة لأنها ولدت في أرض جديدة. وقال: “دعم الوكالة، لكن ليس إلى الأبد، نريد تاريخَ نهاية محدداً، ومستعدون لالتزامه”.
ولم تتوان المطالبات الإسرائيلية بإنهاء عمل وكالة “الأونروا” تحت مبررات أن “الأونروا” هي السبب الرئيس بإبقاء قضية اللاجئين حيّة لسبعة عقود من الزمن، فما كان من إدارة ترمب إلا أن اتخذت قرارا مطلع هذا العام بتجفيف تمويل الوكالة كخطوة على مسار خلق أزمة مالية تقودها إلى عدم قدرتها بتقديم الخدمات في الأقاليم الخمسة التي تشغلها، وهذا سيقود حتمًا إلى تصفيتها، وربما اتخاذ قرار أممي بإنهاء عملها ما يعني إنهاء قضية اللاجئين.
المسار الثالث، وحسب المبعوث الأميركي جرينبلات فإن هدف عملية السلام هو إقامة تحالف إقليمي يضم العرب و”إسرائيل” لمقاومة “الخطر الإيراني” و”الإرهاب، إذ تعتبر أمريكا أن الأزمة الحقيقية في الشرق الأوسط تتمثل بالدور الإيراني وتهديدها الاستراتيجي لحلفائها وقلب الموازين في أكثر من ساحة عربية (العراق – سوريا – لبنان – اليمن) ولذلك وجدت أمريكا نفسها مضطرة لتقليم أظافر إيران من خلال إنشاء تحالف عربي – “إسرائيلي” مشترك لمواجهة دور إيران الإقليمي لتفرغ أمريكا بقضايا استراتيجية أخرى تتعلق ربما بالدور الصيني والروسي المتصاعد والمؤثر على موازين القوى الدولية، وعلى ما يبدو أن شكل هذا القالب (الحلف) بدأ يأخذ حجمه بما يتناسب مع الشكل الهندسي التي تريده “إسرائيل”، ففي 9 أيلول 2017 قال رئيس الوزراء “الإسرائيلي” بنيامين نتنياهو إن “إسرائيل” تمكنت من تحقيق اختراق في كتلة الدول العربية، وأن التعاون المشترك مع هذه الدول غير مسبوق منذ نشأة “إسرائيل”، واصفًا ذلك بالتغيير العظيم.
المسار الرابع، يتعلق حقيقةً فيما يحصل في سيناء المصرية، والمراقب للأحداث يجد أن النظام المصري عمل خلال العامين المنصرمين على إخلاء أجزاء حيوية واسعة في سيناء من سكانها وخاصة تلك المحاذية لقطاع غزة الحدودية بعمليات عسكرية تحت عنوان محاربة “الإرهاب”. ويمكن اعتبار أن هذه التطورات العسكرية والتغيرات الديمغرافية الحاصلة في سيناء ليست ببعيدة عن الضوء الأخضر، والتي تتماشى مع أحد بنود تلك الصفقة، وهي ما عبّر عنها مستشار الأمن القومي “الإسرائيلي” السابق جيورا أيلاند عام 2010 حيث اقترح أن تتنازل مصر عن 720 كيلومترا مربعا من أراضي سيناء لصالح الدولة الفلسطينية المستقبلية، بإضافة مستطيل يمتد من رفح إلى حدود مدينة العريش طوله 24 كيلومترا وعرضه ثلاثون كيلومترا.
وقد كشفت صحيفة هآرتس “الإسرائيلية” في 19 فبراير/شباط 2017 عن لقاء سري عقد بالعقبة (الأردن) أيام إدارة أوباما، وتحديدا في 21 فبراير/شباط 2016، وتم بحضور بنيامين نتنياهو وجون كيري وعبد الفتاح السيسي وعبد الله الثاني، ونوقشت خلاله أفكار “جديدة” للحل “النهائي، وطُرحت خطة إعطاء أراضٍ من سيناء للفلسطينيين.
خلاصة القول، لقد اختارت الولايات المتحدة ومعها الكيان الصهيوني التوقيت المناسب لتمرير هذه الصفقة في ظل الواقع الإقليمي العربي الأكثر مأساوياً وانهياراً نتيجة للصراعات الداخلية التي أدت إلى تدمير البنى التحتية في أكثر من دولة عربية، وجعلتها منهمكة متصارعة ومنقسمة، وباتت مرتبة فلسطين على أجندة هذه الدول والشعوب العربية متأخرة ومتأخرة جداً.
إن الجزء الأساسي من هذه الصفقة متعلق بالقضية الفلسطينية، فالشعب الفلسطيني الذي حارب على مدار 7 عقود من الزمن وأفشل عشرات المشاريع التصفوية لحقه، يستطيع اليوم مواجهة هذا المشروع وإفشاله، فالشعب الذين آمن بقضيته وعدالة مطلبه لن يستسلم أمام الغطرسة الصهيونية.
والمطلوب اليوم، تلاحم الشعب الفلسطيني، وإنهاء الانقسام، وتوحيد جهوده في الداخل والشتات والعمل على تعزيز الصمود والثبات، والاستفادة من الطاقات الموجودة في العالم العربي والإسلامي، وإعادة تفعيل دور المقاومة في الضفة الغربية، وإنهاء كافة أشكال التنسيق الأمني مع هذا العدو، وعلى السلطة الفلسطينية أن ترمي اتفاق أوسلو إلى مزبلة التاريخ، وتبني خيار المقاومة كخيار استراتيجي لتحرير القدس وفلسطين.

مقالات ذات صلة