الحرب الناعمة في مواجهة الهُوية

مقالات | 24 مارس | مأرب برس :

بقلم / محمد ناجي أحمد :

في كلمته التي ألقاها عصرَ أمس، بمناسبة جمعة رجب “الرجبية” تمحوَرَ خطابُ قائد حركة أنصار الله، السيد عَبدالملك بدر الدين الحوثي في خطورة وتحدّيات (الحرب الناعمة) التي تهيء النفوسَ والعقول َوالأجسام لتقبل أهداف الحرب العسكرية والاقتصادية.

الحربُ الناعمةُ تستهدفُ الهُوية الوطنية اليمنية، ويصبح فيها الإنْسَانُ المسلوبُ الهُوية دونَ قيم ومبادئ، ودون دور ومسئولية في وعيه ومفاهيمه ومبادئه وقيمه الأخلاقية.

لهذا فإن العدو في هدفه الرئيسي وغايته السيطرة علينا في وعينا، وبصيرتنا، وإذا سيطر على هويتنا أصبحت الأرض والإنْسَان في ملك عدونا. استغلال للإنْسَان في قدراته ومقدراته وثرواته وتوجهاته وخياراته.

الهُويةُ الوطنية هي ركيزة تماسكنا ووحدتنا وصمودنا، فالوطنُ في القول المأثور “بعضٌ من الله، وحب الوطن من الإيمان”. فلا كيان سيبقى لنا، ولا عوامل قوة تبقينا إن كنَّا بلا هُوية. يتحول الإنْسَان إلى شيء من الأشياء، حيوان مسيَّر، دون وعي وقيم ومفاهيم وإرادة، مسلوب القوة، خائر العزيمة، إمّعة في خياراته وقراراته.

الهُوية الوطنية اليمنية أعظمُ هُوية أشاد بها الرسول “ص” حين قال “الإيمان يمان” الإيمان أُفُقُ وطنيتنا وعروبتنا، به نتماسك كضمانة لوجودنا في مواجهة الأخطار التي تتهدّدنا كشعبٍ ووطن.

للأمم هوياتُهم التي يدخل في نسيجها الأساطير والخرافات، ومع ذلك ظلت تتمسّك بهويتها، وتعزّز من أساطيرها، كهوية ثقافية يعكس شخصيتها الوطنية، لهذا تتشبث بها؛ لأنَّ ذلك أصبح جزءً من نسيج حياتها وحيوتها، دون ذلك تتبعثر وتبتلعها الكيانات الأخرى.

فما بالكم بهويتنا التي جوهرها العقل والعاطفة والروح. التي يتجدّد من خلالها نهوضنا التأريخي والحضاري.

هويتنا الوطنية اليمنية “الإيمان يمان” أي منظومة متكاملة من القيم والمواقف ومسار ومشروع حياة متكامل، في نمط وواقع حياتنا.

علينا أن ننطلق من هذه القيم في كُلّ رؤانا وسلوكنا. فالهوية قيم ومبادئ وأخلاق تسيج وتحمي جغرافيتنا الوطنية في امتزاجها مع أفق العروبة ورسالتها الإنْسَانية. فهي أعم عوامل مواجهة التحديات والتصَـدّي للعدوان.

وأول هذه القيم التي تأسس منها الهوية ويقوم عليها الإيمان:

التحرر من عبودية طواغيت الأرض كالغرب وذراعهم الصهيوني، وعبيدهم في المنطقة.

الإيمان حرية مطلقة من أسر العبودية للطغاة والطواغيت حينها تصبح الربوبية حرية بلا منتهى.

شرّفنا اللهُ بأنْ لا نكون عبيداً للملائكة، وقال لهم اسجدوا لآدم، فكيف نصبح خاضعين لمن يريد أن يتحكم بحريتنا وكرامتنا وإرادتنا.

الحرية أعلى قيمة كرمنا الله بها “ولقد كرمنا بني آدم”.

الطواغيتُ يعطون عبيدَهم فُتاتَ الفتات؛ كي تستمر وظيفة العبودية فيهم. فيقدمون آدميتهم قرباناً في مذبحة الجبروت والطغيان.

من هُنا تكون الحرية جوهر الإيمان، وركيزة الهوية الوطنية.

المبدأ الإيماني الثاني: هو مبدأ القيمة الإنْسَانية والأخلاقية. لهذا فالقيمة الإنْسَانية مكرَّمة ومقدسة “ولقد كرمنا بني آدم” والذي يقبل أن تمتهنَ كرامته فإنه بذلك ينكر ويتنكر لتكريم الله له.

التعبد للطواغيت والخضوع لهم انحطاط وإسقاط للكرامة التي هي خلق من الله، وسمو وتسامي بالإنْسَان. فالكرامة ومكارم الأخلاق تكريم إلهي يعلو بالإنْسَان كي لا ينحط في الفجور.

ويأتي الوعي والبصيرة كركيزة إيمانية في هويتنا الوطنية، كي نتصدى لمحاولات غسل الدمغة، وعصف العقول، وثقافة الصورة الغربية، وخدع الثقافية الاستهلاكية التي تحول الإنْسَان إلى سلعة وشيء من أشيائها.

السلامُ هو دين النور “نور على نور”، “يخرجكم من الظلمات إلى النور” “الله نور السموات والأرض، مثل نوره كمشكاة” وعلينا أن نستنير بنوره ومشكاته بوعينا وبصيرتنا التي هي نور من الله وفعل مكتسب من تحرّكنا.

من مبادئ الهوية الإيمانية الإحساس بالمسئولية. فالإنْسَان حر، وشرط الحرية الإحساس بالمسئولية والانتماء للأُمَّـة ومصيرها.

فإن تتنصل عن مسؤوليتك جاه الأُمَّـة ومصالحها فإنك بذلك تهيء الظروف لسحق آدميتك وفناء أمتك.

إذا غاب الإحساسُ بالمسؤولية أصبحت الأُمَّـة متناثرة ومتأثرة لا متماسكة ومؤثرة، ومستهدفة لا فاعلة في المشهد العالمي والحضاري خدمة لمصالحها ولقيم الإنْسَانية، وحمل راية الخير للإنْسَانية جمعاء.

الهُوية الوطنية مسئولية في مواجهة الظلم والطغيان والاستلاب.

ومن القيم الإيمانية للهوية الوطنية: الصبر، الذي نستمد منه القدرة على التحمل والاستمرار في طريق الحرية. كلفة هذا الطريق ومتعته.

هي جَميعاً مبادئُ تخلق الحضور الناجح للأُمَّـة، والشهود الحضاري، كهوية وطنية نابضة بالحياة والإيمان.

دون ذلك الخسران والمهانة، والاستحواذ علينا في جوارحنا ومشاعرنا ورغباتنا وأفعالنا وأقوالنا.

لذلك فإن الوعيَ والبصيرةَ والإحساسَ بالمسؤولية والإيمان بالحرية والكرامة، والصبر كُلّ ذلك لبنات في سياج هويتنا التي تحمينا من طغيان المتكبرين والمتجبرين في الأرض، الذين يهيئوننا ويخلقون القابلية للاستعباد والاستعمار فينا.

مقالات ذات صلة