ليلة الباتريوت والقبّة الحديدية .. الصعبة

صحافة عربية ودولية | 26 مارس | مأرب برس :

الميادين نت :

شهدت كل من السعودية والأراضي الفلسطينية المحتلة أمس مُجابهتين إحداهما كانت حقيقية بين القوات الصاروخية التابعة لجماعة أنصار الله في اليمن والدفاع الجوّي السعودي، والأخرى كانت أقرب إلى “الإنذار الكاذب” بين بطاريات منظومة الدفاع الصاروخي الإسرائيلية “القبّة الحديدية” وصواريخ ومدفعية فصائل المقاومة في غزّة.

المواجهة التي دارت تفاصيلها في الأجواء السعودية، كانت فريدة من نوعها لأسباب عديدة على رأسها أنها الهجمة الصاروخية الأكبر لقوات أنصار الله على الأراضي السعودية على الإطلاق منذ بداية الحرب بين الجانبين والتي دخلت سنتها الرابعة.

أطلقت القوّة الصاروخية لأنصار الله في هذه الهجمة سبعة صواريخ متنوّعة، ثلاثة صواريخ باليستية من نوع “بركان H2” على مطار الملك خالد الدولي في مدينة الرياض، وثلاثة صواريخ من نوع “بدر1” الذي يُعدّ أحدث ما تم الإعلان عنه من صواريخ جديدة في ترسانة أنصار الله، حيث استهدف صاروخان مطار جيزان، وصاروخ استهدف مطار مدينة نجران. كذلك استهدفت قوات أنصار الله بصاروخ من نوع “قاهر M2” مطار أبها في مدينة عسير.

مطار الملك خالد في الرياض كان هدف صواريخ “بركان H2” الباليستية، التي تُعدّ أكبر أنواع الصواريخ الموجودة لدى أنصار الله من حيث المدى والدقّة. هذا الصاروخ هو الجيل الثالث من أجيال التطوير اليمني للصواريخ الكورية الشمالية “هواسونغ 5 و6” وهي نسخ من الصواريخ السوفياتية “سكود بي وسي”. الجيل الأول من هذا التطوير تم استخدامه لأول مرة في أيلول/ سبتمبر 2016 تحت إسم “بركان1″، وهو نسخة من الصاروخ الكوري الشمالي “هواسونغ 5” بمدى يصل إلى 600 كم، واستهدفت به قوات أنصار الله منذ تلك الفترة وحتى أواخر تموز/ يوليو من العام الماضي عدّة مناطق في مدينتيّ الطائف وجدة، من بينها مطار الملك عبد العزيز وقاعدة الملك فهد الجوية. في شهر شباط/ فبراير من العام الماضي، تم تدشين الجيل الثاني من أجيال هذا التطوير تحت إسم “بركان2″، وهو تطوير للصواريخ الكورية الشمالية “هواسونغ6″، وقد تم استخدامه في مناسبتين الأولى تم فيها استهداف منطقة المزاحمية غربي مدينة الرياض وذلك للمرة الأولى، والمرة الثانية تم إطلاقه على قاعدة الملك سلمان الجوية في نفس المدينة. هذا التطوير خضع لزيادة في المدى ليصل إلى أكثر من 800 كم مع تقليل زنة الرأس الحربية الخاصة به لتوازي حول نصف طن.

هذا التطوير خضع لمزيد من التحديثات المستمدة من الصاروخ إيرانيّ الصنع “قيام”، فتمّت إزالة الجنيحات الموجودة قرب محرّك الصاروخ، وتعديل بدنه لإكسابه سرعة أكبر في التحليق، وتزويده برأس حربي ينفصل عن جسم الصاروخ عند الاقتراب من الهدف. وتم الإعلان عن هذا التطوير لأول مرة في تموز/ يوليو 2017 تحت إسم “بركان H2” الذي أصبح مداه حوالى 1000كم. تم استخدام هذا الصاروخ قتالياً في أربع مناسبات سابقة، الأولى في تموز/ يوليو الماضي لضرب مصافي تكرير النفط في مدينة ينبع غربي السعودية، والثانية في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي لاستهداف مطار الملك خالد الدولي في الرياض، والثالثة والرابعة في شهري كانون الأول/ ديسمبر وكانون الثاني/ يناير الماضيين، لاستهداف قصر اليمامة ومطار الملك خالد الدولي في الرياض. عملية الإطلاق التي تمّت في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر كانت لافتة ومفصلية نظراً لاتّضاح حقيقة أن الدفاع الجوي السعودي قام باعتراض الصاروخ بعد انفصال رأسه المتفجر، والتي سقط وانفجر في الهدف الذي كان موجّهاً إليه وهو مطار الملك خالد. كما أن اعتراض الصاروخ اليمني احتاج من بطاريات الباتريوت إلى أن تطلق خمسة صواريخ اعتراضية تبلغ تكلفتها أكثر من عشرة ملايين دولار.

الاستخدام الخامس لهذا النوع كان في ضربة أمس، أطلقت بطاريات الدفاع الصاروخي السعودي من نوع “باتريوت باك 2” سبعة صواريخ لإسقاط الصواريخ الثلاثة التي دخلت أجواء الرياض بعد إطلاقها من محافظة صعدة اليمنية، غير معروف بشكل يقيني ما إذا كان قد تم بنجاح اعتراض الصواريخ الثلاثة “خاصة لو وضعنا في اعتبارنا حقيقة أنه من الممكن أن يتم اعتراض بدن الصاروخ فقط كما حدث في عملية تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، لكن كان لافتاً الخلل الذي أصاب صاروخين من الصواريخ السبعة التي تم إطلاقها، حيث سقط إحداها على أحد المنازل بعد حدوث خلل في آلية توجيهه عقب الإطلاق، والآخر انفجر بعد ثوان من انطلاقه. وهو ما يُلقي بظلال من الشك على كفاءة الصواريخ المتوافرة لدى السعودية من هذه المنظومة، والتي ستكون في امتحان أصعب بكثير إذا ما واجهت أعداداً أكبر من الصواريخ الباليستية.

لا يقتصر الضرر الذي تلحقه هذه الهجمات على التكاليف التي يتكبّدها الدفاع الجوي السعودي لاعتراضها، حيث نستطيع أن نعتبر أن استمرارية قدرة جماعة أنصار الله على إطلاق هجمات باليستية بهذا الحجم والكفاءة تعدّ دليلاً دامغاً على فشل العمليات الجوية لقوات التحالف في تدمير القدرات الصاروخية اليمنية. ليس هذا فحسب، بل تمكّن اليمن من تطوير قدراته الصاروخية بحيث يفرض على الدفاع الجوّي السعودي معادلة لا يستطيع فيها تحقيق استفادة كافية مما يتوافر له من قدرات دفاعية، فمحدودية الارتفاع الذي من الممكن أن تعمل عليه النسخة الخاصة باعتراض الصواريخ الباليستية من الباتريوت يبلغ سقف ارتفاعها حوالى 25 كم فقط، في حين أن صاروخ “بركان H2” يحلّق على ارتفاعات قد تصل إلى 100 كم، مما يفرض على بطاريات الباتريوت الاشتباك مع الصواريخ اليمنية في مرحلة اقترابها الأخيرة من الهدف، وهذا يحمل معه مخاطر عدم تمكّن البطاريات من اعتراض الصاروخ، أو اعتراضها لبدن الصاروخ بعد انفصال رأسه المتفجرة، أو مخاطر سقوط أجزاء الصواريخ الاعتراضية والتي تم اعتراضها على المناطق المأهولة. وهذه المخاطر جميعها ستكون مضاعفة في حال كانت الهجمة الصاروخية أكبر.

ضمن هذه الهجمة الصاروخية، تم إطلاق صاروخ من نوع “قاهر M2” على مطار أبها في مدينة عسير جنوبي السعودية، هذا الصاروخ تم الإعلان عنه للمرة الأولى في آذار/ مارس من العام الماضي، وهو تطوير للصاروخ “قاهر 1” الذي تم استخدامه للمرة الأولى في كانون الأول/ ديسمبر 2015 لضرب مطار خالد بن عبد العزيز في خميس مشيط. هذان النوعان مشتقان من صاروخ الدفاع الجوي السوفياتي “سام 2″، ويبلغ مدى النسخة الأحدث “قاهر M2” نحو 400 كم برأس متفجرة زنتها 350 كغ وتم إطلاق 31 صاروخاً من هذا النوع خلال العام الماضي على مناطق في الجوف وعسير ونجران ومأرب ونهم في صنعاء.

الصاروخ الثاني الذي تم استخدامه في هذه الهجمة هو “بدر1″، والذي استهدف مطاري جيزان ونجران، ويعدّ الصاروخ الأحدث في الترسانة اليمنية، حيث تم الإعلان عنه في يوم 22 من الشهر الجاري، وتم إطلاقه خلال الأيام الماضية على شركة أرامكو في مدينة نجران ومعسكر القوات الخاصة في جيزان، وهو من الصواريخ قصيرة المدى العاملة بالوقود الصلب.

فشل آخر للقبّة الحديدية

في فلسطين المحتلة، كان الفشل أكبر بمراحل بالنسبة للدفاع الجوي الإسرائيلي، حيث قامت منظومات القبّة الحديدية بإطلاق عدّة صواريخ اعتراضية، ثم اتّضح بعد ذلك أن خللاً ما حدث لرادارات هذه المنظومة، حيث تعرّضت للتضليل بفعل النشاط المدفعي والصاروخي لفصائل المقاومة في غزّة التي تنفّذ تدريبات ميدانية، والنتيجة هي إطلاق عدد من الصواريخ الاعتراضية تبلغ كلفة الواحد منها أكثر من 40 ألف دولار، وهو ما يعني خسائر كبيرة من دون تحقيق أية استفادة، ومن دون حتى مجرّد الاشتباك مع المقاومة.

مقالات ذات صلة