سقطرى مُحتلة.. هل تصمد حكومة المرتزق هادي «المُحاصرة» أمام الطموح الإماراتي؟

تقارير | 6 مايو | مأرب برس :

لم تكد تمرُّ ثلاثة أسابيع على عودة رئيس الوزراء اليمني أحمد بن دغر إلى اليمن، حتى تلاشت كل الوعود والتفاهمات المؤقتة التي عقدتها معه السعودية طيلة ثلاثة أشهر – هي مدّة تواجده في الرياض – من أجل منع أيّة مواجهات جديدة بينه وبين الإمارات؛ ففي فبراير (شباط) الماضي، غادر بن دغر البلاد عقب الأحداث الدامية التي شهدتها العاصمة المؤقّتة عدن، عندما سيطر المجلس الانتقالي الجنوبي – بدعمٍ جويّ إماراتي – على معظم المدينة، قبل أن يتراجع المُسلحون بوساطة سعودية لإنهاء الأزمة. يعودُ رئيس الوزراء إلى عدن، لكنّ إصراره على انتزاع صلاحياته يقوده لصدامٍ حتميّ مع أبوظبي.

قبل أسبوع يخرج «بن دغر» من عدن في صُحبة 10 من وزارئه وقيادات عسكرية وأمنية، لكنه هذه المرّة يقصد محافظة أرخبيل سقطرى الاستراتيجية، الواقعة جنوب شبه الجزيرة العربية في المحيط الهندي، ورغم أنّ الهدف المُعلن للزيارة كان افتتاح بعض المشاريع الجديدة، إلا أنّها بدت واضحة أنّ الحكومة تسعى لفرض شرعيتها على الجزيرة التي تُسيطر عليها الإمارات سيطرة كاملة، يصلُ رئيس الحكومة إلى المحافظة في موكبٍ رئاسي، لكنّ جرأته لا تمرُّ بسهولة.

«سُقطرى مُحتلة».. الإمارات استدعت «جيشًا صغيرًا» وحاصرت الحكومة!

حين يصلُ رئيس الحكومة والوفد المرافق له في اليوم الأول، تستقبله حشود ترفع الأعلام اليمنية، وليس العلم الجنوبي، إلى جانب صور الرئيس عبد ربه منصور هادي، وفي المساء حين يعودون يُفاجأون بمظاهرات كبيرة تُحاصر  الفندق الذي يُقيمون فيه، وتطالب الضيوف بمغادرة الجزيرة. المشهدُ لم يكن غريبًا لـ«بن دغر»؛ فالفوضى تتشابه إلى حد كبير مع أحداث عدن، من ناحية حصار مقرّ إقامتهم، إضافة إلى أنّ أصابع الاتهام كانت في كل مرة موّجهة للإماراتيين. تتجاهل الحكومة الأحداث وترفض الرحيل وتباشرُ أعمالها لمدة ثلاثة أيام أخرى، لكنها حين تقرر المغادرة في اليوم الخامس تُفاجئ بأنّ الإمارات «احتلّت» جزيرة سُقطرى.

أرسلت أبوظبي فجأة إلى مطار جزيرة سقطرى أربع طائرات شحن على متنها أكثر من 100 جندي إماراتي، وأربع مدرعات وأسلحة مختلفة، تزامنًا مع وصول سفينة محملة بالأسلحة الثقيلة، ولم يكن للجانب اليمني علمٌ بها، ثم طَردت القوات الإماراتية القوات اليمنية المُكَلّفة بحماية المطار، إضافة إلى الموظفين اليمنيين، وانتشرت في أرجائه. تقولُ المصادر الحكومية لموقع الجزيرة نت: «إنّ القوات رفضت السماح لأعضاء الحكومة أيضًا بمغادرة الجزيرة أو التفاوض معهم، في الوقت الذي شوهدت فيه المدرعات العسكرية بالتمركز على بوابة ميناء سقطرى».

ورغم أنّه لم يصدر حتى الآن توضيح رسمي من جانب الحكومة المُحاصرة أو التحالف العربي أو الإمارات، إلا أنّ وزير الشباب اليمني، نايف البكري، غرّد خارج السرب، وكتب أمس على موقع «تويتر»: «اليمنيون سيصونون أرضهم وجزرهم وسواحلهم في حدقات العيون، ولن يفرطوا في ذرة تراب واحدة»، وهو ما فسرته الصحف اليمنية بأنه مُوجه ضدّ دولة الإمارات التي لم يعد خلافها مع حكومة بن دغر خفيًا، خاصة عندما صرّح وزيرا الداخلية والخارجية بأنّ الإمارات «هي من تمنع عودة الرئيس اليمني إلى عدن».

في تلك الأثناء تظهرُ في الأجواء طائرة تابعة للمملكة السعودية، يُسمح لها بالهبوط على أرضية المطار، وينزلُ منها أعضاء لجنة الوساطة العُليا الذين أرسلتهم الرياض للتفاوض، بالتزامن مع تحرّك وكيل محافظ الجزيرة في الحكومة اليمنية لاستقبال اللجنة برفقة قيادات محلية، إلا أنّ القوات الإماراتية تمنع الجميع من دخول المطار.

لا يُعرف حتى الآن نتيجة التفاوضات، لكن في الساعات الأخيرة من الليلة الماضية أرسلت الإمارات طائرة نقل عسكرية  خامسة على متنها أربع عربات عسكرية حطت في مطار الجزيرة اليمنية، في إشارة لفشل مساعي التهدئة السعودية، وتمسّك الحكومة برحيل القوات الإماراتية تمامًا من الجزيرة. وتجدر الإشارة إلى أنّ أبوظبي، التي تمتلك قواعد عسكرية في الجزيرة، سبق لها – بحسب تسريبات – أنّ رفضت طلب السعودية بإنشاء قاعدة عسكرية مثلها، والتطورات الأخيرة أوضحت بقوّة أنّ الإمارات ترفض دخول طرف ثالث إلى الجزيرة، حتى ولو كان من أجل الوساطة، إضافة إلى أن طموحها بات علنيًا في وجه الحكومة «المُحاصرة».

الإمارات لم تدخلها بالأمس.. الجزيرة «مُحتلة» منذ 3 أعوام

برزت الأطماع الإماراتية لجنوب اليمن بعد ثمانية أشهر من الحرب التي شنها التحالف العربي فيما عُرف بـ«عاصفة الحزم» في مارس (آذار) عام 2015، وفيما كانت عاصفة الحزم تخوض معاركها على الأرض، كانت الإمارات تتجه مئات الكيلومترات بحرًا، إلى الجنوب، حيث الجزر التي تحتلّ موقعًا عسكريًّا واستراتيجيًا بحكم موقعها الجغرافي جنوب خليج عدن، وغرب المحيط الهندي، وهي بذلك تُطل برأسها على القرن الأفريقي من جهة، وتعترض خطوط التجارة العالمية من جهة أخرى، لذا خططت الإمارات للاستحواذ عليها عبر ثلاث خُطوات: «إنساني وتجاري وعسكري».

بعد ثمانية أشهر من بداية الحرب، في نوفمبر (تشرين الثاني)، يأتي إعصار تشابالا الذي يضرب الجزيرة اليمنيّة؛ فيُحوّل بناياتها رُكامًا، وتجد الإمارات أنّ الفرصة قد حانت للبدء في المهمة الأولى؛ فتشرعُ بإرسال هيئة الهلال الأحمر الإماراتي، ومؤسسة خليفة للأعمال الإنسانية، للقيام بعدد من «المهام الإنسانية»، شملت توزيع المساعدات على المتضررين، وتفقّد الأوضاع المأساوية. وفي الوقت الذي لم تدفع فيه الحكومة للموظفين رواتبهم، كانت أبوظبي قد توغّلت في الجزيرة؛ فأعادت تأهيل كافة المدارس التسع، إضافة لبناء مستشفى «خليفة»، وهو المستشفى الوحيد في «سقطرى»، ويعالج فيه نحو 95% من السكان.

بدأت المرحلة الثانية بخصخصة المؤسسات الحكومية لصالح النشاط الاستثماري؛ فأعادت أبوظبي ترميم وصيانة مطار «سقطرى»، كما وسّعت ميناء أرخبيل لتسهيل حركة الملاحة البحرية، ثم شرعت في شراء الأراضي، رغم منع السلطات اليمنية بيع أراض يمنيّة لمستثمرين جانب، وذلك عن طريق قيام محافظ سقطرى – المعروف بولائه للإمارات، ودعواته للانفصال – بتسهيل الإجراءات للمستثمرين الإماراتيين، وعلى رأسهم رجل الأعمال الإماراتي خلفان المزروعي الملقب بأبي مبارك، الذي لعب دورًا كبيرًا في شراء الأراضي المحيطة بالميناء والمطار. ليس هذا فقط؛ فمحافظ الجزيرة قام بتغييرات لكل من مدير الأمن ومدير الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة؛ مما دفع الرئيس هادي إلى إرسال رسالة يدعوه فيها بالالتزام بصلاحياته، وإلغاء كافة القرارات.

ربما الذي دفع المحافظ لتخطي صلاحياته هو «ابتلاع» أبوظبي للجزيرة كما يبدو؛ ففي ظلّ تضرر شبكة الاتصالات اليمنية، قامت الإمارات بتشغيل شركتها للاتصالات ليستخدمها المواطنون دون تصريح رسمي، كما وضعت المطار تحت إشرافها الكامل، وتحكّمت في تسيير الرحلات بين الجزيرة وأبوظبي، فضلًا عن تسيير الرحلات دون الخضوع لأي تفتيش أو رقابة، دون الرجوع للحكومة اليمنية، كما أنها منعت هبوط طائرة عمانية بالمطار؛ بدعوى عدم حصولها على إذن مُسبق من التحالف العربي.

وقبل أن تصل الإمدادات العسكرية الأخيرة إلى الجزيرة، كانت الإمارات تمتلك قوّات عسكرية مقيمة في معسكرات مغلقة في سقطرى تعدادها يزيد عن 5000 جندي، ومؤخرًا أقامت أبوظبي قاعدة جوية لها غرب مطار سقطرى، على الأرض التي اشتراها المزروعي، كما جنّدت نحو ألف شاب من الجزيرة، ووزعتهم على نقاط عسكرية دائمة.

وبحسب الرسالة التي أرسلها ناشطون من داخل الجزيرة – لا يُسمح للصُحافيين بدخولها – فإنهم وجّهوا استغاثة مفادها بأنّ  سُقطرى باتت تحت سيطرة تامة للإمارات، وبعدما تمّ لها الاستحواذ الاستثماري والهيكلي على الجزيرة، تبدو الأزمة الأخيرة فرصة للإمارات في إعلان نفسها كأمر واقع على الجزيرة التي ترتفع أعلام أبوظبي فوق بناياتها.

هل تصمد الحكومة «المُحاصرة» أمام الطموح الإماراتي؟

رغم أنّ الجولة الأولى من المفاوضات السعودية فشلت في إرسال الإمارات طائرة خامسة إلى الجزيرة، إلا أنّه لا يعني أنّ الرياض لن تصل إلى تسوية لإنهاء الأزمة؛ فليس من مصلحة الرياض أن تستقيل الحكومة المُحاصرة، حتى وإن كانت ضعيفة وفاقدة للشرعية؛ لأنّ هذا يعني أن يُعلن الجنوب اليمني الانفصال، وهو الحُلم الذي ترفضه عُمان والسعودية، وتسعى في تحقيقه أبوظبي وقيادات المجلس الجنوبي.

ولم يعد خافيًا أنّ السعودية أدركت تورطها في الحرب اليمنية؛ فبخلاف الإمارات التي باتت تمتلك إمبراطورية رابحة في الجنوب، فإن الرياض تواجه أزمة اقتصادية وتراجعًا في الاحتياطي النقدي، بالإضافة إلى الحملة الدولية التي تطاردها بوقف إمدادها بالسلاح، ويبدو أنّ هذا هو السبب الذي جعلها تدخل في مفاوضات مباشرة مع الحوثيين، لكنّ بخلاف ذلك فإنّ الإمارات في حال ربحت تلك الجولة، فستزيد إمبراطورياتها قطعة أخرى نحو العلانية تنتزع من صلاحيات وشرعية الحكومة اليمنية.

أبوظبي التي تريد إنشاء قاعدة عسكرية في سُقطرى، تمتلكُ واحدةً في جزيرة ميون، على الساحل الغربي لمدينة تعز، كما هجّرت كل السكان. الأمر نفسه تكرر على مدينة ذباب الساحلية البالغ عدد سكانها 10 آلاف، كما حوّلوا ميناء المخا إلى قاعدة عسكرية لهم، ووضعوا فيها نحو 400 من قواتهم، ومنعوا اليمنيين من الاقتراب منها، وأصبح الميناء حكرًا عليهم تصل إليه سفنهم الحربية وإمداداتهم العسكرية، ولا يستطيع أي يمني الدخول إلى أماكن السيطرة الإماراتية، إلا بعد أخذ إذن من أبوظبي.

وتجدر الإشارة إلى أنّ الحكومة اليمينة رغم ضعفها وعدم سيطرتها على كافة الأراضي المحررة، إلا أنّ سياساتها تحولت إلى إجهاض خُطة أبوظبي الانفصالية؛ فهادي أصدر قرارًا من الرياض بإقالة محافظ عدن عيدروس الزبيدي، الذي أصبح رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي فيما بعد، وهو الذي أعلن أنه سيتولى إدارة الجنوب، إذا فشلت حكومة الشرعية في القيام بالتزاماتها، وحين يقرّر بن دغر الخروج من عدن يتعرّض موكبه لمواجهات مُسلحة من قوات الحزام الأمني التي تتبع أبوظبي مباشرة، وأجبرته على العودة إلى العاصمة المؤقتة.

الإمارات أيضًا انتقمت من هادي عن طريق إحداث انقلاب في صفوف حكومته؛ فبعض وزرائه ومحافظيه أعلنوا ولاءهم لأبوظبي، وانضموا إلى المجلس الانتقالي الجنوبي، كما أنها تتوغل في جبهة «حزب المؤتمر» الذي لا يُسيطر عليه الحوثيون، من أجل دفع العميد طارق، ابن شقيق الرئيس المقتول علي عبد الله صالح، ليكون الواجهة الجديدة لتصدّر المشهد في اليمن، وهو ما يُقلق الحكومة التي لا تمتلك سلاحًا حاليًا، سوى اتفاق أهدافها مع السعودية بشأن رفض الانفصال.

ولا يبدو أنّ رئيس الوزراء الحالي بن دغر سيكونُ قادرًا على اتخاذ قرار سياسي أو عسكري جريء وحده تجاه الأزمة الحالية، فالأمل الوحيد معقود على السعودية في ظل حصاره في جزيرة تبعد 350 كم عن الشاطئ، وفي حال فشلت الأزمة وطال الحصار، وهو ما يفتح بابًا كبيرًا من الأحداث، أبرزها تأجيل المفاوضات التي وعد بها المبعوث الأممي في اليمن «مارتن غريفث»، وإطالة الحرب اليمنية، وهو ما يصبُ لصالح الحوثيين الذي أصبحوا ممثلًا سياسيًا معترفًا به في المفاوضات، إضافة إلى أنّ عدم قيام الحكومة المحاصرة بواجباتها قد يكون فرصة للمجلس التأسيسي للجمعية الوطنية الذي يُمثل محافظات الجنوب، والذي سبق أن حذر بإعلان استفتاء للانفصال، وهو ما يفتح بابًا جديدًا للصراع في اليمن، وهو أسوأ ما يمكن أن يحدث.

المصدر : شفقنا.

مقالات ذات صلة