الغلاء يعيد المصريين إلى «البلكونة»

متابعات | 21 يونيو | مأرب برس :

دفعت موجة الغلاء المتزايدة بالمصريين إلى الشرفات من جديد بعد طول غياب، حيث لم يجد المصريون مهربا من موجة الحر إلا الـ«بلكونة»، بعد أن أصبحت أجهزة التكييف ورحلات المصايف وجلسات المطاعم والمقاهي خارج نطاق قدرتهم على تحمل نفقاتها.

ورغم اعتياد القطاع العريض من المصريين على قضاء عطلات الأعياد على الشواطئ أو في نزهات تتراوح بين دور السينما أو تناول الوجبات في المطاعم وغيرها، فإن أنواع الترفيه المعتادة هجرت المصريين هذا العام إما بالمنع أو بالتقليص، بينما سطع نجم «البلكونة» (الشرفة) من جديد لتتربع على عرش الترفيه مجاني الثمن.

ورتفعت الحكومة أسعار الكهرباء بما يصل إلى 59%، بينما ارتفعت كذلك أسعار الوقود بما يزيد على 50%، ما تسبب في رفع تكلفة استخدام التكييف بشكل غير مسبوق، وأدى إلى خروج فواتير الكهرباء عن مقدرة تحمل المصريين، ما اضطرهم إلى تقليص استخدامها والهرب من الحر إلى «البلكونة».

لم تكن أسعار الكهرباء وحدها التي ارتفعت، فالبلكونة أيضا حلت بديلا للمطاعم والمقاهي، إذ ليس لها «مينيموم تشارج» (حد أدنى للطلبات)، وهو النظام المعمول به في مقاهٍ كثيرة.

كما الشرفة كوسيلة بديلة رخيصة تتوقف إمكاناتها عند حدود استنشاق الهواء من دون رسوم أو الفرجة على العالم الخارجي، جاءت أيضا بدلا للمصيف الذي تقلصت عدد أيامه بسبب الكلفة البالغة سواء من حيث أسعار الإيجارات أو معدلات الإنفاق اليومية في أثناء الإجازة أو حتى لارتفاع أسعار المواصلات بما في ذلك كلفة ملء خزان الوقود.

كل هذا دفع المصريين للجوء إلى ترشيد الترفيه، ما دفع بـ «البلكونة» إلى عرش عائلات كثيرة مجدداً. واكتفى بعضهم بدعم خروج الأبناء مع بقاء الأهل في الشرفة كنوع من التغيير، وسعيا للالتفات إلى أولويات المعيشة من تعليم وصحة وسكن ومأكل ومشرب ومواصلات وسداد فواتير الخدمات الرئيسة من كهرباء وغاز ومياه شرب وغيرها.

لكنه رغم ذلك يبقى السؤال مفتوحاً عصياً على الإجابة، تقول سلوى كمال (موظفة وأم لابنين في المرحلة الثانوية، 40 سنة) أن الامتحان الحقيقي سيبدأ في سبتمبر/ أيلول المقبل، أي مع بداية العام الدراسي الجديد، «فإذا كان ترشيد الإنفاق على الأكل والشرب والتحكّم في كمية الكهرباء المستهلكة وخروج الأبناء وغيرها ممكنة إلى حد ما هذه الأيام، فماذا عن بند الدروس الخصوصية الذي يستنزف نسبة كبيرة من موازنات الأسر، لا سيما في المرحلة الثانوية، وهو شر لا بدّ منه؟».

وتضيف: «بالورقة والقلم، حيث واحد زائد واحداً يساوي اثنين يبدو تدبير الأمور مستحيلاً، لذا قررت أن أعيش اليوم بيومه، مع تأجيل القلق العارم إلى شهر سبتمر/أيلول».

كما أن خطط الترشيد لا تبدو دوما ممكنة، إذ تجبر حرارة أشهر الرطوبة واختناق الجو كثيراً على تشغيل أجهزة التكييف، ولو بحساب عسير، والعودة إلى المراوح عودة لا رجعة فيها وشرب شاي في «البلكونة»، مع تقليص عدد ملاعق السكر وغيرها من إجراءات التقشّف التي تطبقها ملايين الأسر المصرية حيث لا بديل أو محيص أو حتى مغيث.

ورغم كل محاولات المصريين، تمضي تصريحات المسؤولين قدماً في استفزاز مشاعر المضغوطات والمضغوطين، بينما منطق معيشة المصريين وصحتهم العقلية والنفسية في ضوء حسبة بسيطة يشير إلى أن الخارج يفوق الداخل بمراحل تدفع كثيرين ليس فقط إلى الترشيد بل إلى التوقف عن التخطيط واللجوء إلى السلاح التاريخي سلاح النكتة.

فمن تداول «طريقة عمل بنزين 92 في البيت»، إلى استغاثات يوجهها من سافروا بسياراتهم إلى الشواطئ قبل ارتفاع أسعار المحروقات ولم يعودوا قادرين على العودة إلى مدنهم، إلى رفع راية «الترشيد علينا حق»، يدور المصريون في حلقات إصلاح الاقتصاد المؤلمة، بحسب تقرير صحيفة «الحياة».

لكن الترفيه ليس جانب الترشيد الوحيد، إذ تجري الغالبية عمليات ترشيد إجبارية، كلٌّ وفق مستواه الاقتصادي وأولوياته المعيشية.

مساء وقفة عيد الفطر المبارك، ذهبت «نهلة الشيمي» (40 سنة) للتسوّق في السوبرماركت. تقول وهي تضحك بمرارة: «أبنائي يعشقون الموز، ولما كانت حرارة الجو تفسد الموز البلدي في خلال ساعات، فقد لجأت إلى الموز المستورد والبالغ سعره 35 جنيهاً، واشتريت ثلاث ثمرات للأبناء الثلاثة.

بعدها بساعات زادت أسعار المحروقات، وقفز كيلو الموز المستورد إلى 40 جنيهاً. ولو علمت بأمر الزيادة لاشتريت أربع ثمرات».

ثمار الفاكهة التي بات المصريون يشترونها بالحبة تقف دليلاً دامغاً على تغيرات جذرية في أسلوب الإنفاق ونمط الشراء وطريقة التخطيط.

«سليمان سعيد» (صاحب محل فاكهة وخضروات في مدينة الشروق المتاخمة للقاهرة) يقول: «قبل أعوام قليلة كنت أرفض بيع أقل من كيلوغرام واحد، كما أن فكرة شراء الثمرات بالواحدة لم تكن واردة لدى الزبائن، اليوم أصبح من الطبيعي أن تنزل سيدة من سيارتها وتطلب أربع ثمرات خوخ وست ثمرات خيار وثمرة مانغو واحدة».

ويضيف: «الغلاء ضرب الجميع ولم يعد في الإمكان إجبار أحد على شراء الفاكهة والخضروات بالكيلوغرام».

ويلفت «سليمان» إلى أن «أسلوب الترشيد في الشراء شمل الجميع، فإذا كان الزبائن من أبناء الطبقة المتوسطة وما حولها يشترون الفاكهة والخضروات بالعدد، فإن القابعين بعدهم في قاعدة الهرم صاروا يلجأون إلى الثمار الموشكة على التلف والتي تباع بنصف الثمن.. أو تخلى البعض عنها تماما».

المصدر | الخليج الجديد + الحياة

مقالات ذات صلة