ترامب وجمهورية الموز.. ادفع مقابل الحماية

مقالات | 5 اكتوبر | مأرب برس :

السعودية في عهد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تعيش أسوأ أيامها من كل النواحي، وبالإضافة إلى الفشل الذي تعاني منه السعودية على المستويين الداخلي والخارجي، هناك معاناة خاصة لدى السعودية من طرف ترامب، الرئيس الأمريكي الأول الذي لم يراعِ خصوصية السعودية وكشف أوراقها على الملأ دون أن يخشى شيئاً، ولا يزال حتى اللحظة يكرر الأمر ذاته في تسويق فكرة أن آل سعود مع كل ملياراتهم لا يمكنهم الاستمرار في الحكم لحظة واحدة.

جديد ترامب هذه المرة جاء من ولاية فرجينا خلال تجمّع انتخابي اليوم ليكشف عن تفاصيل اتصاله بالعاهل السعودي، مشيراً إلى أنه قال للملك سلمان: إنه يمتلك تريليونات من الدولارات، و”الله وحده يعلم ماذا سيحدث” للسعودية من دون أمريكا.

وأضاف الرئيس الأمريكي: إنه خاطب الملك سلمان بقوله: “ربما لن تكون قادراً على الاحتفاظ بطائراتك، لأن السعودية ستتعرض للهجوم، لكن معنا هي في أمان تام”، واستدرك الرئيس الأمريكي، خلال التجمع الانتخابي ذاته: “في المقابل نحن لا نحصل، على ما يجب أن نحصل عليه، نحن ندعم جيشكم”.

وتساءل: “لماذا ندعم جيوش هذه الدول الغنية؟ أمر مختلف أن نقدم الدعم لدول تعيش وضعاً صعباً وخطراً مع فظائع قد تؤدي إلى مقتل الملايين، لكن عندما تكون هناك دول غنية، كالسعودية واليابان وكوريا الجنوبية، لماذا إذن ندعم جيوشها؟”، قبل أن يجيب: “لأنهم سيدفعون، المشكلة أنه لا أحد طالب بذلك”.

السعودية لا تساوي شيئاً من دون أمريكا، هذا ما أراد قولة الرئيس الأمريكي وتضمّن كلامه نوعاً من التحدي تجاه السعودية مبرهناً للعالم أجمع أن هذا البلد النفطي لا يستطيع الانفكاك عن الحضن الأمريكي، ولكن لماذا ظهرت السعودية بكل هذه الهشاشة في خطاب ترامب، علماً أن وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، أكد قبل أيام بأن السعودية ليست جمهورية من جمهوريات الموز، في معرض حديثه عن الأزمة مع كندا، والسؤال الآخر هل تستطيع السعودية أن تقول نفس الكلام لأمريكا كما قالته لـ”كندا”؟!.

أسباب ضعف السعودية

أولاً: نبدأ من الاقتصاد الذي يعتمد بشكل أساسي على عائدات النفط وحتى اللحظة لم تستطع السعودية ومنذ عدة عقود الإفلات من قبضة النفط، لدرجة أنها أصبحت رهينة لهذه الثروة بعد أن كانت تشعر بأنها تملك زمام المبادرة في إدارتها، والأدلة كثيرة، ولكن دعونا نتحدث عن رؤية ولي العهد محمد بن سلمان “2030” التي كانت غايتها تغيير السياسة الاقتصادية للبلاد وتحييدها من الاعتماد على النفط بشكل كلي، عبر استثمار مشاريع بمليارات الدولارات لهذه الغاية، لكن توقفت عجلة هذه المشاريع بعد أن أوقف الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز محاولات نجله بيع أسهم في شركة “أرامكو” العملاقة، فضلاً عن هرب المستثمرين من السعودية لكونها أصبحت مكاناً غير آمن بالنسبة لهم ولأموالهم بعد حملة الاعتقالات التي نفذها ولي العهد بحق كبار التجار من داخل العائلة وخارجها، وهروبهم أمر طبيعي فلا يوجد تاجر أو مستثمر يضع ملايين الدولارات في بيئة غير مستقرة وتشنّ حروباً في جميع الاتجاهات ناهيك عن عدم وجود ضمانات لهؤلاء التجار الذين كانوا يستبشرون خيراً مع وصول ابن سلمان إلى ولاية العهد، لكن العنف الذي جاء به ولي العهد جعل المستثمرين يخشون الاستثمار في السعودية وهذا ما أثّر ويؤثّر على اقتصاد البلاد.

ثانياً: ترامب يطالب السعودية اليوم بخفض أسعار النفط، وهذا ليس بالأمر الجيد لها لكون اقتصادها يرتكز على عوائد النفط، وخلال كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، الثلاثاء الماضي، قال ترامب: ” إننا ندافع عن العديد من هذه الدول مقابل لا شيء، وهي تستفيد من ذلك لفرض أسعار نفط مرتفعة، هذا أمر غير جيد، نريدها أن تتوقف عن رفع الأسعار… والبدء في خفضها، كما يتعيّن عليها المساهمة بشكل كبير من الآن فصاعداً في جهود الدفاع”.

ستكون السعودية في حيرة من أمرها في حال أجبرت على خفض سعر النفط، وهذا الأمر سيدخل البلاد في أزمة اقتصادية جديدة قد ينتج عنها حملة تقشف جديدة.

ثالثاً: السعودية عاجزة عن حماية نفسها دون دعم أمريكا، وهذا الأمر سيكلف السعودية الكثير في المستقبل، لكونها ستكون مجبورة على تنفيذ جميع مطالب واشنطن دون أن تنبس ببنت شفة، ورأينا هذا الكلام في موضوع “صفقة القرن” و”الناتو العربي” و”الحرب اليمنية” و”فوبيا إيران” و”فوبيا قطر” هذه الملفات الأربعة تستخدمها واشنطن كالشماعة لسحب أموال السعودية وضمها للخزانة الأمريكية، عبر مشاريع استثمارية بملايين الدولارات في أمريكا أو عبر صفقات الأسلحة التي تستنزف الاقتصاد السعودي دون أن تحقق للبلاد حماية مستقلة.

وجميعنا يذكر كلام ترامب في 20 أذار/ مارس2017 ، عندما قال: إن السعودية ستعطينا بعضاً من ثروتها، وكرر هذا الكلام في عدة مناسبات وهذا ما شكّل إحراجاً لولي العهد والسعودية وشعبها وأظهر مدى الهشاشة التي تعاني منها على صعيد الرأي المستقل والقرار المستقل، وبالتالي على السعودية أن تفكر بشكل جدي كيف يمكن لها أن تخرج من دائرة جمهوريات الموز التي ترعاها واشنطن.

(الوقت التحليلي)

مقالات ذات صلة