«حماية إسرائيل» والدفاع عن ابن سلمان

مقالات | 27 نوفمبر | مأرب برس :

بقلم / وليد شرارة :

أشهر دونالد ترامب حُجَّتَه الأقوى دفاعاً عن محمد بن سلمان في مواجهة الهجوم الشرس الذي يتعرّض له، من داخل المؤسسات الأميركية وخارجها، الهادف لحمله على التخلي عن هذا الأخير. سبق للرئيس الأميركي الحديث مراراً وتكراراً عن أهميّة الشريك السعودي بالنسبة للولايات المتحدة على المستوى الاقتصادي والتجاري والاستراتيجي لتبرير استمرار علاقات التحالف معه باسم المصالح الوطنية العليا لبلاده بمعزل عن مسؤولية ولي العهد الجموح عن جريمة قتل جمال خاشقجي.

لم تنجح مجمل حججه في تهدئة الحملة الداخلية التي يتعرّض لها والتي انتقلت إلى مرحلة جديدة من التصعيد بعد تقرير وكالة الاستخبارات المركزية الذي يشير بوضوح إلى الدور المركزي لابن سلمان في الجريمة. أخرج ترامب من جيبه مضطراً ما يعتقد أنه الورقة الأقوى الكفيلة بإفقاد الحملة المضادة جزءاً كبيراً من قوتها الدافعة، وهي مساهمة السعودية في «حماية إسرائيل»: «لولا السعودية، لكانت إسرائيل في مأزق كبير». يشي استخدامه هذه الورقة عن عزمه في المضي إلى أبعد الحدود للذود عن حليفه لكن لهذا الاستخدام، الذي تم بتنسيق كامل مع إسرائيل واللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة، تداعيات أكيدة على المواجهة الدائرة في أميركا والتي استعرت على خلفية قضية خاشقجي من جهة، وعلى المستوى العربي والإسلامي بعد الكشف عن العُروة الوثقى التي تربط بين حكام السعودية الحاليين والكيان الصهيوني من جهة أخرى.

إسرائيل طرف في المواجهة الداخلية الأميركية

علاقاتُ التحالف الاستراتيجي الأميركية – الإسرائيلية التي انتقلت إلى مستوى العلاقات العضوية في العقود الأخيرة وازدادت قوةً ورسوخاً في ظل الحكومات الأميركية والإسرائيلية المتعاقبة، لم تمنع تل أبيب على الدوام من تفضيل الإدارات الأكثر صقورية على تلك الأقل صقورية.

ليس سراً أن النخبةَ السياسيةَ والعسكرية، بجناحَيها اليميني واليساري، كانت وما زالت أكثرَ ارتياحاً لإدارات رونالد ريغان وجورج بوش الابن ودونالد ترامب مما هي لإدارتي جيمي كارتر وباراك أوباما مثلاً، على رغم دعمهما القوي لإسرائيل. لم يمنع هذا التفضيل السعي التقليدي للحكومات الإسرائيلية المختلفة واللوبي الصهيوني في أميركا إلى نسج أوثق الصلات مع أقطاب الحزبين الرئيسيين في هذا البلد والحرص على عدم إظهار الانحياز لأي منهما خصوصاً خلال العمليات الانتخابية. شذّ بنيامين نتنياهو للمرة الأولى عن هذه المقاربة التقليدية خلال عهد الرئيس السابق باراك أوباما عندما شن في خطاب ألقاه أمام الكونغرس الأميركي هجوماً عنيفاً على تفاوضه مع إيران حول برنامجها النووي مما أثار استهجان النواب الديموقراطيين ولاقى استحسان الجمهوريين. غير أن وصول ترامب وفريقه إلى السلطة والتماهي العلني غير المسبوق بين مواقفهم وتلك الإسرائيلية شجّع نتنياهو وحكومته على القطع مع المقاربة المذكورة والانحياز الكامل للأول ولخياراته الرئيسية الداخلية والخارجية أي رد الجميل له بالتماهي بدورهم معه. يأتي هذا التماهي في سياق احتدام معركة لم تشهد الولايات المتحدة مثيلاً لها في العصر الحديث بين الإدارة وخصومها، وبينهم أبرز قوى الدولة العميقة، يعتبرها الطرفان مصيرية وحاسمة بالنسبة لمستقبلها. وفّرت «قضية خاشقجي» للخصوم فرصة استثنائية للانتقال إلى الهجوم ضد الإدارة، خصوصاً بعد تقرير الاستخبارات المركزية، وإظهار عدم انسجام سياستها الخارجية مع المصالح العليا للولايات المتحدة بسبب رهانها المركزي على الفريق المتهور الذي يحكم السعودية اليوم والتلميح إلى مصالح خاصة تحكم هذه السياسة. لكن تواطؤ إسرائيل معها ومشاركتها في الدفاع عن محمد بن سلمان واستنفار اللوبي الصهيوني لهذه المهمة، عاد ليسبغ عليها طابعاً «استراتيجياً» مرتبطاً بحماية حليف عضوي لواشنطن عبر عنه الرئيس الأميركي عند مخاطبة منتقديه قائلاً: «هل على إسرائيل أن ترحل؟ هل تريدون رحيل إسرائيل؟ لدينا حليف قوي جداً في السعودية اليوم». هو الرئيس نفسه الذي لم يتوقف عن تذكير حكام السعودية حتى بضعة أسابيع خلت بدينهم الوجودي تجاه الولايات المتحدة التي لولاها ما بقوا في مواقعهم لأيام. دخلت إسرائيل بقوة في المعركة الأميركية وهي تستخدم نفوذها الكبير في أميركا لمحاولة ثني خصوم ترامب عن مواصلة الهجوم عليه بذريعة أن مصيرها على المحك. من المبكر معرفة إمكانية نجاح أو فشل المحاولة ونتائجها بالنسبة لعلاقات إسرائيل بمعارضي الإدارة الحالية. لقد أدى التماهي الإسرائيلي مع سياسات ترامب قبل «قضية خاشقجي» إلى ارتفاع أصوات نقدية حيالها داخل الحزب الديموقراطي وفي وسائل الإعلام، وقد يكون من العوامل التي ساعدت على وصول نائبتين من أصول عربية مؤيدتان لحركة مقاطعة إسرائيل (BDS)، رشيدة طليب والهان عمر، إلى الكونغرس في الانتخابات النصفية الأخيرة. فشل المسعى الإسرائيلي لإضعاف الحملة التي تتعرض لها الإدارة الآن سيكون انتكاسة مدوية للوبي الإسرائيلي تضاف إلى انتكاسات أخرى سبق أن واجهها كإخفاقه بإقناع إدارة بوش في أواخر عهدها بضرب إيران، أو بحمل إدارة أوباما على مهاجمة سوريا بذريعة استخدامها لأسلحة كيميائية عام 2013، أو بمنع الإدارة إياها على توقيع الاتفاق النووي مع إيران عام 2015. المؤكد أن الموقف الإسرائيلي سيترك آثاراً سلبية على صورة إسرائيل وسمعتها لدى قطاعات غير بسيطة في النخب والرأي العام الأميركيين.

انكشاف العُروة الوثقى

ولي العهد السعودي لا يأبه على الأغلب مما سيترتب عن إجهار الرئيس ترامب بوجود تحالف سعودي – إسرائيلي. المهم بنظر ابن سلمان هو استمرار دعم الإدارة الأميركية والحكومة الإسرائيلية له. يظهر هذا الأمر في الحقيقة عن مدى خفّته وعدم إدراكه للمفاعيل الوخيمة للكشف عن هذا التحالف على موقع السعودية العربي والإسلامي، وحتى على أوضاعها الداخلية. سبق للسعودية أن تقاطعت مرات عدة مع إسرائيل في مواجهة ما اعتبرته تهديدات مشتركة. لقد تقاطع الطرفان ضد مصر الناصرية قبل عدوان 1967، وضد العراق بعد اجتياحه الكويت عام 1990، وضد حركات المقاومة ومحورها منذ بداية الألفية الثانية. لكن الانتقال من التقاطع غير المعلن للتحالف العلني له مترتبات خطيرة في سياق تخوض فيه صراعاً مزدوجاً ومستعراً على مستوى الإقليم مع محور المقاومة من جهة، ومع المحور التركي – القطري المتحالف مع الإخوان المسلمين من جهة أخرى. لا حاجة للكثير من الخيال لتصور تقاطع، ظرفي على الأقل، بين المحورين الوازنين ضد ابن سلمان يتيح دحر سياسته الهجومية في أكثر من ساحة ويضعفه داخل المملكة والعائلة.

لجأ ترامب إلى ما يعتقده الورقة الأقوى في الداخل الأميركي دفاعاً عن ابن سلمان وهي تحالف الأخير مع إسرائيل، لكن لهذه الخطوة عواقب على حليفيه لن يستطيع التحكم بها.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً

إغلاق