المؤتمر الاقتصادي في البحرين: تسوية اقتصادية لتصفية سياسيّة؟

مقالات | 22 مايو مأرب برس :

بعد أيام على إعلان جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، أن “صفقة القرن” ستعلن بعد شهر رمضان، أعلن البيت الأبيض، عقد مؤتمر اقتصادي دولي في مملكة البحرين يومي 25 و26 يونيو المقبل لدعم الفلسطينيين ضمن “خطة السلام”.

في الظاهر يهدف المؤتمر الذي ينعقد تحت شعار “السلام من أجل الازدهار” بغية التشجيع على الاستثمار في الأراضي الفلسطينية وذلك ضمن المرحلة الأولى من خطة الرئيس دونالد ترامب المقبلة للسلام في الشرق الأوسط.

وأما خلف الستار، يحمل إطلاق صفقة القرن بشكل رسمي من البحرين، العاصمة العربية، جملة من الدلالات التي تشير إلى الجهات العربية التي تقف خلف هذه الصفقة، وهنا تجدر الإشارة إلى النقاط التالية:

أولاً: يبدو واضحاً من خلال بيان البيت الأبيض أن المؤتمر سيبتعد عن الجانب السياسي، وبالتالي سيتم تقديم وعود اقتصاديّة مشروطة، أي إنها سترتبط بالقبول بالشق السياسي للصفقة، بعبارة أخرى، تسعى واشنطن وبالتواطؤ مع بعض العواصم الخليجية إلى إيصال اللقمة إلى فم الشعب الفلسطيني، ومن ثم سحبها في حال رفض التسوية السياسية، ربما يعتقد ترامب وأعوانه أن مؤتمر البحرين هو ذكاء، لكنه في الحقيقة ذكاء مفضوح، ولعل معارك الأمعاء الخاوية التي خاضها الأسرى الفلسطينيون خير دليل على عدم قبول الشعب الفلسطيني بهذا النوع من التسوية.

ثانياً: للأسف، لن تكون انطلاقة صفقة القرن من عاصمة عربية فحسب، بل إن التمويل سيكون عربياً أيضاً.

هناك العديد من العواصم ستظهر حرصها الاقتصادي على الشعب الفلسطيني رغم أنها مشاركة في تجويعه منذ سنوات، والدعم المقدّم يأتي بأوامر من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي يطالب العرب دائماً بالدفع، وبالتالي ستكون بعض العواصم مرغمة على الدفع بصرف النظر عن موقفها الأوّلي، كما ستحاول بعض الدول الإمساك بالقرار الفلسطيني من خلال بعض الاستثمارات الاقتصادية وربّما الودائع، ولكن هذا الأمر لأهدف سياسيّة بامتياز.

ثالثاً: لو كانت هذه الدول حريصة على الشعب الفلسطيني لأعلنت دعمها السياسي، بل العسكري له، ربما يعترض البعض على إمكانية الدعم العسكري خشية العقوبات، وهنا نسأل: أين هي هذه الأموال قبل صفقة القرن؟ لماذا يتم تقديم أموال عربية لشعب عربي عبر الوسيط الأمريكي؟ ألا يرى هؤلاء أن هذه الأموال باعتبارها مقدمة لصفقة القرن هي في الحقيقة ثمن السمّ الذي يريد ترامب أن يقدّمه للشعب الفلسطيني؟

رابعا: إن قمم “ضرار” التي ستنعقد في مكة بعد أيام (القمة العربية وقمة مجلس التعاون الخليجي وقمة منظمة التعاون الإسلامي) ستعمد إلى الثناء على هذه الخطوة، ستدعم قمة مكّة التي تريد إضفاء الشرعية الدينية على صفقة القرن الإجراء الأمريكي الأخير تحت شعارات واهية، فهل سيتم التآمر على أولى القبلتين من ثاني القبلتين؟ هل ستكون مكة المكرّمة منطلقاً للتخلي عن القدس الشريف؟ أي إسلام هذا؟

خامساً: حتى لا يشتبه الأمر على البعض، إننا نؤيد أي دعم اقتصادي عربي، وحتى غير عربي، للشعب الفلسطيني، ولكن شرط ألّا يكون مشروطاً بمواقف سياسيّة تضرّ بالقضية الفلسطينية، ولكن هل هذا ما تريده واشنطن من مؤتمر البحرين أم يعد كوشنير بتقديم أفكار جديد، قائلاً: “إن الحلول التقليدية فشلت في التوصل إلى اتفاق”، وهو يرفض الحديث عمّا يعرف بـ”حل الدولتين”، والذي كان في صلب الدبلوماسية العالمية على مدى سنوات، فاذا كان كوشنير يرفض خيار الدولتين، فأي سلام يريده المؤتمر؟

سادساً: اللافت أن الموقف العربي ومنذ العام 1948 كان داعماً (في العلن) للموقف الفلسطيني، أو موزعاً على الفصائل، أي البعض يدعم الجهات التي تفضّل الخيار السياسي (الرئيس الراحل ياسر عرفات، ولاحقاً الرئيس محمود عباس) في حين يدعم البعض خيار المقاومة (حماس والجهاد الإسلامي)، وبالتالي لطالما كان الموقف العربي محاكياً لمواقف أحد الأطراف الفلسطينية على أقلّ تقدير، ولكن ماذا عن الموقف العربي، الخليجي وتحديداً السعودي والإماراتي والبحريني اليوم؟ في الحقيقة، لا يتلاقى الموقف السعودي-الإماراتي مع أيّ من الأطراف الفلسطينية حتى أكثرها قرباً للكيان الإسرائيلي، باعتبار أن الرئيس عباس يرفض التعاطي مع أي تحركات أمريكية في ملف السلام، منذ أن أعلن ترامب في 6 كانون الأول/ ديسمبر 2017، الاعتراف بالقدس عاصمة مزعومة لـ “إسرائيل”، ثم نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس في أيار/ مايو 2018، فهل هكذا تكون نصرة الشعب الفلسطيني؟

يبدو مؤسفاً أن تكون أكبر محاولات التصفية للقضية الفلسطينية تنطلق من عاصمة عربية، وبأموال عربية، ولاحقاً دعم سياسي عربي (نقصد بعض الأنظمة)، وذلك بعد أن فشلت المحاولات السابقة في أوروبا وأمريكا، وأما فيما يخص المؤتمر، فإنه تسوية اقتصادية بمثابة مقدمة طبيعية لتصفية سياسية، وبالتالي يصح تسميته مؤتمر “الاستسلام من أجل الانتحار” بدل “السلام من أجل الازدهار”.

في الختام، نعلن انضمامنا إلى كل الأصوات المطالبة بمقاطعة هذا المؤتمر الذي تخطّى جميع الخطوط الحمراء، ونقول لكل الأنظمة إن الرهان على الكيان الإسرائيلي أو حتى الرئيس الأمريكي هو رهان خاسر، والشعوب هي التي ستقول كلمتها الفصل في الوقت المناسب.

(الوقت التحليلي)

مقالات ذات صلة