ماذا يجري في اليمن ؟

بقلم / شارل أبي نادر *

لقد تضمّنت مسودة “عقد الإذعان” الذي سلمّه الرئيس الفار عبد ربه منصور هادي للمبعوث الاممي اسماعيل ولد الشيخ في الرياض، والذي يجب ان يلتزم به الجيش واللجان الشعبية وانصار الله مجموعة من البنود الغريبة، من بينها تسليم جميع الاسلحة والعتاد العسكري وحل “الميليشيات” حسب ما جاء في المسودة؛ والمقصود عمليا الجيش اليمني، وعليهم ايضا الانسحاب من كافة المؤسسات والمرافق العامة المدنية والعسكرية ومن جميع المدن والمحافظات بما في ذلك العاصمة صنعاء وصعدة، اي بما معناه الانسحاب من كافة الاراضي اليمنية.
للوهلة الأولى، يبدو من بنود مشروع “نقاط الرياض” هذا، الذي لم تتبناه الأمم المتحدة بل نقله مبعوثها فقط، والذي رفضته اللجان الشعبية والجيش وانصار الله، أن القوات السعودية وميليشياتها المتعددة الاسماء والأهواء قد ربحوا الحرب وسيطروا على كافة المواقع والمراكز والنواحي على امتداد اليمن، وان الجيش واللجان الشعبية وانصار الله هزموا شر هزيمة واستسلموا بعد ان تم ابادة جميع وحداتهم، ليتبيّن لاحقا ان انسحاب هؤلاء من الجنوب لم يكن نتيجة تفوّق وسيطرة القاعدة والحراك الجنوبي وقوات الفار هادي الميدان على الرغم من الدعم الهائل والتدخل المباشر لقوات سعودية واماراتية، بل جاء نتيجة قرار من الجيش واللجان الشعبية باعادة الانتشار بعد مفاوضات دقيقة وصريحة مع الحراك الجنوبي في مسقط وبرعاية سلطنة عمان، من منطلق تسليمهم وحدات الحراك الاخير المراكز والمواقع التي يسيطرون عليها في الجنوب وانخراطهم في مشروع تسوية تعيد اطلاق الحوار والعمل على حل سياسي يحفظ حقوق كافة ابناء اليمن ويوقف الحرب المدمّرة التي توظف لها المملكة المستحيل لكي تبقيها مستعّرة غير آبهة بما تخلّفه من ويلات وقتل ودمار .
من هنا يبدو ان الامور ذاهبة الى وقف المفاوضات والى الاستمرار في مفاوضات ” السيطرة في الميدان “حيث يعتبر كل طرف انها الطريق الوحيد لتحقيق مطالبه او لفرض شروطه، وعليه فيمكن تلخيص مشهد الميدان في اليمن على الشكل التالي:
جنوبا :
– تدور اشتباكات عنيفة في أغلب نواحي عدن بين عناصر “القاعدة” من جهة وبين وحدات الحراك الجنوبي وقوات الفار هادي من جهة أخرى، حيث سيطر التنظيم الارهابي على اغلب نواحي التواهي والمعلا وميناء عدن وقسم من كريتر، وأقدم على رفع اعلامه السوداء على اغلب المرافق والمراكز الرسمية والخاصة التي خضعت لسيطرته، وفي نواح أخرى من المحافظة الجنوبية الاستراتيجية، تدور اشتباكات ايضا وعلى خلفية فرض السيطرة بين وحدات الحراك الجنوبي من جهة ومجموعات مسلحة تابعة لحزب الاصلاح السلفي ولهادي الفار من جهة اخرى .
– في أبين وفي لحج لا يختلف المشهد كثيرا عما يجري في عدن حيث تحاول مجموعات الحراك الجنوبي او مجموعات الاصلاح وهادي الفار جاهدة الوقوف بوجه تنظيم “القاعدة” الذي يتلقى دعما كبيرا من القوات السعودية والذي يسيطر تدريجيا على اغلب المواقع والمراكز الحيوية الجنوبية.
في الداخل :
بالرغم من التعزيزات البرية الضخمة التي تقدمها السعودية الى الميليشيات والتنظيمات الارهابية التابعة لها عبر معبر الوديعة الحدودي مع اليمن بين حضرموت والجوف، والتي تترافق مع دخول آلاف الجنود والمجندين المدربين في معسكرات شرورة وغيرها داخل المملكة او في الاراضي اليمنية الحدودية في حضرموت تحضيرا لمعركة كبرى بهدف السيطرة على مأرب وطرد الجيش واللجان الشعبية، فلا تزال الاشتباكات على اشدّها في المحافظة الغنية والحيوية و ما زال الجيش مدعوما باللجان الشعبية مسيطرا على مناطق ومواقع حيوية في جنوب مأرب وعلى قواعد مهمة كانت تعتبر مراكز اساسية للقاعدة .
في تعز، والتي تعتبر مدخلا حيويا من الجنوب باتجاه الشمال نحو صنعاء او باتجاه الشمال الغربي نحو الحديدة، والتي تتعرض لغارات جوية عنيفة بشكل متواصل تحضيرا لانزال بحري محتمل شبيه بانزال عدن، تدور اشتباكات عنيفة بين اغلب مجموعات الرياض وبين الجيش مدعوما باللجان الشعبية وانصار الله، ما زال الاخير مسيطرا على نقاط استراتيجية تمسك مداخل تعزّ والنقاط الحاكمة ومنها جبل صبر المشرف على المدينة ومحيطها.
شمالا:
سيطر الجيش واللجان الشعبية منذ ايام على عدة مواقع سعودية حدودية في مناطق نجران وجيزان، وتدور المعارك داخل الأراضي السعودية وعلى امتداد الشريط الحدودي، بدءاً من جبل تويلق المشرف والمسيطر على مدينة الخوبة السعودية في جيزان قبالة مديرية رازح شرقاً وحتى ميناء ميدي غرباً على الخط الساحلي، وتشهد هذه المواقع حالات فرار وانسحابات لافتة؛ حيث تختار الوحدات السعودية عدم المواجهة وتعمد الى ترك اسلحة واعتدة عسكرية مهمة في هذه المراكز التي تخليها، وقد قتل في وقت سابق قائد اللواء الثامن السعودي المنتشر في مناطق جيزان وعدد اخر من الضباط والعناصر، كما وتم اسقاط طائرة اباتشي سعودية بصاروخ ارض – جو انطلق من موقع سعودي حدودي يقع تحت سيطرة اللجان الشعبية، لتسقط لاحقا طائرة اباتشي اخرى في منطقة لودر في أبين جنوبا في الطريقة نفسها، ما جعل وحدات قوات الجو السعودية تعيد النظر باستعمالها الناشط لهذه الطوافات التكتيكية الفعالة والتي اعتمدت عليها كثيرا في فترة الهجوم الاخير على الجنوب .
وهكذا، وفي ظل الجنوح الدائم من المملكة نحو التصادم بالابتعاد عن التسوية السلمية وبإقفالها المستمر لباب الحوار، وبين التصميم الداخلي في اليمن من قبل الجيش واللجان الشعبية على الصمود وعدم الانصياع والذي بدأ يترجم بخيارات استراتيجية رأينا قسما منها في السيطرة على مواقع داخل الاراضي السعودية، وبين الصراعات الدمويّة والمرشحة لان تتصاعد وتستمر جنوبا بين “القاعدة” من جهة وبين المجموعات الاخرى من الحراك الجنوبي الاكثر نفوذا في تلك المنطقة ووحدات الرياض الاخرى بكافة تسمياتها، وبين الحراك العسكري السعودي في الوسط الشرقي بواسطة وحداتها مباشرة، او من خلال مجندي ابناء قبائل يمنية الجنسية وسعودية الهوى، وبين النفوذ اللافت لتنظيم القاعدة في المحافظة الشرقية المترامية الاطراف برعايتها وبعنايتها، تجهّز المملكة نفسها لفرض سيطرتها على حضرموت وعلى شرق الجوف بهدف تحقيق حلمها القديم الدائم ووضع اليد على آبار النفط الضخمة والتي ما زالت بكرا في مثلث الجوف – نجران – حضرموت، ولتحقق هدفا آخر لطالما راودها بالسيطرة على طريق برّي بين معبر الوديعة الحدودي وبين مدينة المكلّا البحرية في جنوب اليمن الشرقي، تنقل عبره نفطها من الآبار الغنية في جنوب شرق نجران ومن الآبار أعلاه التي ستسيطر عليها الى بحر العرب مباشرة متجاوزة مضيق هرمز مع ما يعني ذلك من تفلّتها من النفوذ ايراني في هذا المضيق والذي تحاول دائما التهرب منه وتجاوزه .
* موقع البديع

#فج عطان:

مقالات ذات صلة