كيف يهدّد العجز الإقتصادي حكم الرياض؟

منذ أن قرّرت السعودية الإنتقال إلى مرحلة المواجهة المباشرة، بعد عقود من المواجهة الخفيّة عبر دعم جماعات تدين بالولاء لسلطات الرياض، إنقلب المشهد الإقتصادي في البلاد. المشهد الجديد الذي يقع على عاتق الملك سلمان عموماً وإبنه محمد على وجه الخصوص يشي بالبحث عن الأسباب التي تقف خلف المشهد الإقتصادي الكارثي.

 

في الوقائع وتوصيف مجريات الأمور، وبعيداً عن ما يروج له في البازارين السياسي والإعلامي، يكفي تدوين جردة بمكونات المشهد السعودي، خصوصاً لجهة التكون التدريجي والمريب للمشهد الإقتصادي الجديد الذي بات ينذر اليوم بنتائج كارثية، تبدأ بإصدار صكوك لتمويل عجز الموازنة ولا تنتهي بسياسة التقشف التي أوعز إليها الكاتب السعودي المقرّب من الحكم جمال خاشقجي.

 

في قاعدة الهرم كانت ثمة ثلاثة مرتكزات ترسم صورة واضحة للمشهد الإقتصادي الهرم: أولاً الحرب النفطية” الهادفة إلى تخفيض أسعار النفط عبر رفع الإنتاج وعدم تخفيضه باعتبارها أكبر منتج عالمي له، ثانياً صفقات السلاح الضخمة التي أبرمها وزير الدفاع محمد بن سلمان مع كل من فرنسا وأمريكا، وثالثاً العدوان السعودي على الشعب اليمني، والذي بات حالياً في منتصف شهره السادس.

 

لا يختلف إثنان على حقيقة أن إصرار الرياض على عدم خفض مستويات إنتاج النفط ألحق الضرر باقتصاديات الدول الكبرى المنتجة للنفط، أمثال روسيا التي دخلت في ركود اقتصادي وتشهد عملتها المحلية “الروبل” هبوطًا حادًا.

 

كذلك تأثرت كندا التي تصدر نفطًا بمعدل ٣.١ ملايين برميل يوميًا، وهو الإنتاج المتوقع زيادته بسبب عنصر التكلفة الكبيرة لمشاريع الرمال النفطية، حيث يوضح تقرير مجلة “فوربس” الأمريكية أن شركة “سوكور إينرجي”، وهي أكبر شركة نفطية في كندا واللاعب الرئيس في مجال الرمال النفطية، تكبدت خسائر بأكثر من ٤٠ مليون دولار في الربع الأول من ٢٠١٥، فضلًا عن إرجاء بعض مشروعات الرمال النفطية. شركات النفط الأمريكية تأثرت أيضًا، وحال الهبوط الحاد في أسعار النفط دون تحقيق صناعة النفط الأمريكية أية أرباح هذا العام، بل وتكبدت العديد من الشركات خسائر كبيرة، فقد كشفت شركة “إكسون موبيل” مؤخرًا عن خسائر بقيمة ٥٢ مليون دولار في أنشطتها المتعلقة بالنفط والغاز في الربع الأول من ٢٠١٥، كما أعلنت ثلاث شركات نفطية أمريكية إفلاسها، وهي: “كويكسيلفر ريسورسيز”، و”سامسون ريسورسيز”، و”سابين أويل أند جاز.”

 

ولكن، في ظل هذه “المكاسب” التي حقّقتها الرياض، يطرح الكثير من الخبراء الإقتصاديين والسياسيين تساؤلات عدّة أبرزها: ما الذي خسرته السعودية من الحرب النفطية والعسكرية التي أشعلت فتيلها؟ وكيف ستؤثر تداعيات المشهد الإقتصادي في ظل الأوضاع الحالية على المشهد السعودي؟

 

الخسائر الإقتصادية

 

بصرف النظر عن الخسائر العسكرية التي تتعرض لها السعودية جرّاء السياسات الجديدة للطاقم الجديد الذي إنقلب على سلفه عبدالله، تكبّدت الرياض خسائر إقتصادية ضخمة منذ إستلام الملك السعودي الجديد سلمان بن عبد العزيز، حيث يقدّر صندوق النقد الدولي عجز ميزانية السعودية بنحو ١٥٠ مليار دولار في العام ٢٠١٥. إن العجز المقدّر وفق صندوق النقد الدولي لم يتطرق لتكاليف الصفقات العسكرية الجديدة، ولتكاليف العدوان السعودي على الشعب اليمني خلال الستة أشهر الماضية، فاذا كان الاحتياطي النفطي الأجنبي للسعودية، تُقدر قيمته بنحو ٧٠٨ مليارات دولار، وفق تقرير مجلة فوربس الامريكية، في حين أن العجز النفطي قُدّر بـ١٥٠ مليار دولار، وتكاليف العدوان فاقت حتى يومنا هذا الـ١٥٠ مليار دولار(قدرت الدويتشه فيله الألمانية في تقرير لها أن تكلفة الحرب على اليمن وصلت بحلول أواسط شهر أبريل ٢٠١٥ أي بعد أقل من شهر من بدئها ٣٠ مليار دولار، اما الآن فنحن في الشهر السادس ما يعني أن التكلفة تنذر بالوصول إلى عتبة الـ٢٠٠ مليار بعد فترة وجيزة (فهذا يعني أن العجز الحقيقي سيفوق ثلث إحتياطات الصندوق السيادي السعودي في نهاية العام ٢٠١٥، هذا لو فرضنا وقف تكاليف العدوان على اليمن، فكيف بإستمراره؟

 

وأما القاعدة الثانية في الهرم السعودي والمتمثلة بسياسة التسلح، فقد زادت طينة الرياض بلّة في تعزيز العجز الحالي جراء الحرب النفطية، إلا أن الركن الثالث، أي العدوان على اليمن جاء ليغرق الرياض في عجز قياسي ينذر بزعزعة الإستقرارين السياسي والإقتصادي، خاصةً أن وزير الدفاع الذي يرأس مجلس الشورى الإقتصادي وشركة أرامكو النفطية وجد نفسه مضطراً للجوء إلى الصندوق السيادي السعودي.

 

السعودية تحاول مواجهة هذه الأزمة عبر “إصدار سندات حكومية لسد العجز تارةً، وخفض النفقات وتأجيل بعض المشاريع الحكومية بعد الانخفاض الأخير في أسعار النفط أخرى”، كما أعلن وزير المالية السعودي ابراهيم العساف، إلا أن هذه الخطوة ستكون إبتداءً حيث من المتوقع أن تضطر الرياض إلى إستخدام سياسة التقشف لسد العجز، ولكن من سيكون الرابح في النهاية؟ لا ندري لكن المؤكد أن هذه الحرب ستقرّر مصير “آل سعود” في الحكم.

 

#العالم

#فج_عطان

مقالات ذات صلة